عرضت الحرفية سليمة بورنان بالمعرض الدولي للصناعات التقليدية الذي أقيم مؤخرا بالعاصمة، واحدة من أقدم القدور المستخدمة في عملية تقطير الأعشاب العطرية، هذه الأخيرة شدت إليها انتباه الزوار الذين راحوا يسألون عن كيفية عملها والفائدة منها، وهو الفضول الذي دفع “المساء” إلى الدردشة مع سليمة حول الغاية من التمسك بالقدر العتيق والاعتماد على الطريقة التقليدية في تقطير الأعشاب العطرية والطبية. «كسْب ثقة الزبون بإطلاعه على الخطوات الأولى التي يُعتمد عليها في تحضير مختلف مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة، هو ما أتمنى تحقيقه”، تقول الحرفية سليمة، ثم تضيف؛ “توارثت عائلة بورنان حرفة تقطير الأعشاب العطرية والطبية أبا عن جد، وهو طبعا ما يفسر سر اهتمامي بهذه الحرفة القديمة، حيث أذكر أنني ولجت عالم التقطير منذ صغري بفعل تأثري الشديد بأفراد عائلتي من الذين كانوا يمتهنون هذه الحرفة، فكانت العائلة بمثابة المدرسة الأولى التي نهلت منها القواعد الأولى لهذه الحرفة، بدءا بالياسمين، وصولا إلى باقي الأعشاب الأخرى العطرية منها والطبية، بعدها قررت التخصص في تقطير الأعشاب الطبية، خاصة بعد خبرتي في مجال الأعشاب الطبية التي تزخر بها الجزائر في المناطق الجبلية”. تعتمد الحرفية سليمة في تقطير الزيوت الأساسية للأعشاب الطبية على قدرها الصغير، حيث تقوم بتعبئته بالماء ووضعه على نار هادئة، بعدها يوضع “القطار” فوق القدر وبه الأعشاب المطلوب تقطيرها، حيث يتم سد كل الفراغات من جانبيه (القطار) حتى يتم توجيه كل البخار إليه، ثم ينتظر خروج السائل في شكل قطرات من العين التي تكون متصلة بجانب “القطار”، وبعد جمع المقدار المطلوب من الزيوت الأساسية، يتم خلطها مع بعض المكونات مثل العسل، وتحويلها إلى كريمات تستعمل في العلاج أو لجمال البشرة. عملية استخلاص الزيوت الأساسية تتطلب توفر كميات كبيرة من الأعشاب الطبية، الأمر الذي دفع بالحرفية سليمة إلى التسجيل بمحافظة الغابات ليتسنى لها التجول رفقة بعض المختصين بالغابات في أعالي الجبال، بغية الحصول على الكميات المطلوبة من الأعشاب، فمثلا جلب الكاليتوس يلزم الحرفية سليمة التنقل إلى جبال جيجل، حيث ينبغي تقطيرها بمجرد قطفها لتكون زيوتها ذات جودة عالية، كل هذا العناء حسب الحرفية هدفه تحقيق إنتاج مواد طبيعية محضة. استخلاص الزيوت الأساسية من الأعشاب العطرية عملية صعبة، تتطلب بذل الكثير من الجهد مرفقة بالصبر، حيث تؤكد أن عملية التقطير تفرض عليها الشروع في العمل عند الساعة الرابعة صباحا ولا تفرغ منها إلا عند السابعة مساء، مقابل تحصيل خمسة لترات من الزيوت الأساسية، مشيرة إلى أن العملية تتطلب تقطير كل عشبة على حده، وفي هذا الشأن يتم الاعتماد على العديد من القدور لربح الوقت، مما يعني المزيد من الجهد والعناء، لأن مراقبة أكثر من قدر واحد ليس بالهين، لكن عند استخلاص الزيوت، أشعر تقول سليمة بسعادة كبيرة لتمكني من استخلاص ما يمكنني الاعتماد عليه لإنتاج مواد طبيعية وصحية في شكل كريمات خاصة بالبشرة أو العناية بالشعر أو للعلاج عن طريق مزجها بالعسل، كمزج الزيت الأساسي لنبات الزعتر بالعسل، نظرا لفوائده العلاجية بالنسبة لمن يعانون من أمراض صدرية، وفي هذا المقام، أعتمد في عملي على مختصين في الكيمياء والبيولوجيا، وأطباء مختصين لتجنب الوقوع في أية أخطاء. تحصر الحرفية سليمة الطلب على ما تعهد من مواد علاجية في الكريمات الخاصة بعلاج البشرة والتجميل، وتحديدا المتعلقة منها بموسم البرد، حين تصبح البشرة معرضة لتشققات، إلى جانب العسل الممزوج بالزيوت الأساسية لفوائده العلاجية في مواجهة أمراض “فصب” الشتاء. تتمنى الحرفية سليمة بعد أن أمضت عدة سنوات في استخلاص الزيوت الأساسية ومزجها بمواد طبيعية، مثل عسل النحل، أن يصل المواطن إلى التمييز بين ما هو معد من مواد طبيعية من مستحضرات جمالية أو علاجية، وتلك المغشوشة الممزوجة بالمواد الكيميائية والحافظات ليحصل على منتوج جيد، ونعمل من جانبنا كحرفيين من خلال مشاركتنا في المعارض، على توعية المواطنين عن طريق إطلاعهم على منتجاتنا وكيفية إعدادها، ليحسنوا التفريق بينها وبين المغشوشة، تقول الحرفية.