منذ بداية الأزمة الأمنية والسياسية في ليبيا، سعت أطراف دولية إلى استبعاد الاتحاد الإفريقي من أي دور سياسي في مسار تسوية الأزمة، التي أحدثها التدخّل الأجنبي العسكري وكانت الجزائر أول الرافضين له وتمسّكت بالحل الداخلي بين الليبيين أنفسهم، وحثت الاتحاد الإفريقي على تبني هذا الموقف منذ انطلاق الشرارة الأولى للأزمة. لكن منطق النفوذ الغربي - وللأسف بمباركة بعض الدول العربية - أدى إلى إغراق ليبيا في دوامة عنف وحرب لم تندمل جراحها بعد، بالرغم من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين حكومة الوفاق الوطني السابقة والجيش الليبي في جنيف العام الماضي، وإن كانت كل المؤشرات توحي بطي تلك الصفحة السوداء التي يريد الليبيون نسيانها بعد الانتخابات المقرّرة في 24 ديسمبر المقبل. من الطبيعي تصاعد حدة الخلافات والتنافس الشديد بين الأسماء المترشحة لمنصب الرئيس في الاستحقاقات السياسية، لكن غير المقبول هو استمرار التدخلات الأجنبية بشكل غير مباشر في شؤون الليبيين، لاسيما وأن هذه المرحلة تتطلّب حلا ليبيا - ليبيا وفقط، دون تدخّل أطراف خارجية تسعى دائما إلى الاصطياد في المياه العكرة مع كل خطوة يخطوها الفرقاء نحو أمل الاستقرار المنشود. وهنا دخل الاتحاد الإفريقي على خط العملية السياسية كطرف فاعل وبشكل واضح لدعم استقرار ليبيا ووحدتها ووقف التدخلات الأجنبية السلبية، ويبدو أن الاتحاد استفاد من الدروس السابقة وبات يؤمن بإستراتيجية ملء الفراغ، خاصة وأن الملف الأمني المتعلّق بخروج المرتزقة من كامل الأراضي الليبية يؤثر بشكل كبير على استقرار المنطقة الجنوبية المتاخمة لتشاد والسودان والنيجر. ومع اشتداد الأزمة وتصاعد مطالب خروج المرتزقة أعرب الاتحاد الإفريقي عن استعداده للتنسيق والتعاون من أجل إخراج جميع الذين يتبعون دوله من الأراضي الليبية، وضمان استقبالهم في بلدانهم، والتنسيق لعدم عودتهم مجددا إلى ليبيا، وهي رسالة قوية للغرب تفنّد طرحهم بعدم قدرته على تقديم المساعدة لليبيا وهي سياسة غربية تهدف لإسكات صوت الاتحاد الإفريقي الذي يترجم شعار أفريقيا أولا كلما حلت أزمة بعضو من أعضائه.