تسعى الجزائر، في السنوات الأخيرة، إلى استدراك التأخر المسجل في مجال تكنولوجيات المعلومات والاتصال بعد أن ثبت معاناتها من فجوة رقمية خاصة في مواجهة تداعيات وآثار الجائحة الصحية، فبدأ العمل على التحضير لعوامل تطوير الرقمنة باعتبارها إحدى ركائز النهوض بالاقتصاد الوطني وكسب رهاناتها المرتبطة أساسا في تحسين حوكمة قطاع التكنولوجيا والاتصال، وتسريع التطوير التكنولوجي ناهيك عن تعميم استخدامها، فكان كل الحرص من القيادة العليا للبلاد بل وواحدا من الالتزامات التي يجب العمل على تجسيدها في الواقع وفي أسرع وقت. تعزيز وتطوير الرقمنة بالجزائر لم يعد يقتصر فقط على تعميم الربط بشبكة الانترنت ورقمنة الخدمة العمومية وتأهيل الإطار القانوني، بل أصبحت ضرورة حتمية للنهوض بالاقتصاد الوطني وتحديد الأولويات، ومن هنا جاء قرار إنشاء وزارة قائمة بذاتها تعنى بالرقمنة والإحصائيات لتكون الوسيط الذي يجمع بين كل القطاعات وتؤسس لأرضية التحول الرقمي ببلادنا وفق منظومة شاملة ومتكاملة، وذلك انطلاقا من الأهمية التي تكتسيها الرقمنة والإحصائيات في برنامج رئيس الجمهورية. وتسهر وزارة الرقمنة والإحصائيات بالرغم من فتوتها في إطار برنامج عمل الحكومة الحالية في الفترة الممتدة بين 2021-2024، على رسم وتنفيذ ورقة طريق للسنوات المقبلة، لا سيما وأنّ مؤشر التنمية اليوم هو المؤشر التكنولوجي، فالتحول الرقمي يفرض الإتقان والتحكم في التكنولوجيات الحديثة الرقمية لمواكبة التطور الحاصل في العالم الرقمي والذي يعتمد بالأساس على الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات والدفع الالكتروني وغيرها من الأنظمة والبرمجيات. ومواصلة منها لتجسيد الحوكمة الالكترونية بالإسراع في رقمنة الإدارات من أجل تحسين الخدمات العمومية، قطعت وزارات أشواطا كبيرة في رقمنة إداراتها على غرار وزارة العدل، الداخلية، العمل، المالية مع وجود تفاوت بين قطاع وآخر، ولهذا يتم العمل حاليا للإسراع في إنجاز مركز بيانات حكومي ذي دخول واحد يكون قطبا يجمع بين كل الوزارات والإدارات، يوفر منصات مشتركة لتبادل الوثائق والبيانات، واستحداث شبكة الإنترنت الحكومية « RIG» لتأمين المعطيات التي يتشاركها العديد من الوزارات. ويبقى محو الأمية الرقمية تحد لابد من كسبه، سواء على مستوى الموارد البشرية أو المواطنين، وذلك لا يكون إلا بمعرفة كيفية استعمال الأدوات والخدمات الرقمية المتاحة والمعاملات وحدود استخدامه لها ما سيكسبه مهارة في الاستعمال، ناهيك عن التمكين وتعميم الاستعمال بنفس الكم والنوع والانتشار عبر التراب الوطني. تنصيب المجلس الوطني للإحصائيات وفيما يتعلق بتعزيز المنظومة الوطنية الإحصائية، تم تنصيب المجلس الوطني للإحصائيات، بعد صدور المرسوم الخاص به والذي سيتكفل برسم الاستراتيجيات والربط في المجال الإحصائي وجعلها فاعلا حقيقيا في اتخاذ القرارات ورسم السياسات، لا سيما ما تعلق بقراءة البيانات والاستشراف. وكان الوزير الأول قد دعا إلى تطوير إستراتيجية وطنية لتطوير منظومة إحصائية فعالة تكون في مستوى البرنامج الطموح المسطر لتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، من خلال العودة إلى الأعمال المغيبة، منذ سنوات لتوجيهها نحو الاستجابة الفعالة للاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية. إطلاق خدمات التصديق والتوقيع الالكترونيين وفي إطار الإستراتيجية المتكاملة لتسريع عصرنة النشاط الإداري والارتقاء بأداء المرافق العمومية، تم إطلاق خدمات التصديق والتوقيع الالكترونيين بداية بأول مبادرة عملية في تبسيط الإجراءات الإدارية ذات البعد الاقتصادي. وتبرز هذه الإجراءات من خلال مشروع شهادة المنشأ الالكترونية للغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة والتي تمثل وثيقة رسمية تثبت جنسية المنتج والتي غالبا ما تكون مطلوبة للاستيراد من قبل المصالح الجمركية بالدول المستقبلة للمنتوج، لتتوالى مثل هذه الخدمات بباقي القطاعات من بينها القطاع الفلاحي. الانتقال إلى المضمون الرقمي مرهون بتدفق عال للانترنت وفي المقابل، لا يمكن الحديث عن الرقمنة أو تطوير الاقتصاد الرقمي من تجارة الكترونية والدفع الالكتروني، وتحضير المناخ للبنوك العمومية والخاصة للانخراط التام في هذا المسعى، والتعليم عن بعد دون محتوى وطني وتكوين المورد البشري ونقل البرامج إلى المضمون الرقمي، دون تدفق عال للانترنت، ولهذا تم رفع سرعة التدفق الأدنى للانترنت إلى سرعة تتراوح ما بين 4 إلى 8 ميغا، بهدف تمكين المواطن من الاستفادة من خدمات ذات قيمة مضافة والتصفح المريح على الواب بعدما كانت 2 ميغا، وكضرورة ملحة أمام الاستهلاك المتزايد للشريط العابر في البلد. وفي إطار الربط بالانترنت عبر الشبكة الثابتة باشرت الجزائر بتعزيز الشريط العابر الدولي، حيث تمّ إنهاء الأشغال المتعلقة بمشروع الكابل البحري أورفال/ألفال (وهران-فالنسيا) و(الجزائر-فالنسيا)، وتشغيل النظام بشكل فعلي بطاقة قد تصل إلى 40 تيرابايت، أي ما يعادل 20 مرة الحاجيات الحالية للبلد تضاف إليها الوصلات البحرية الثلاثة الأخرى التي شرع في استغلالها. وبخصوص عصرنة وتكثيف شبكة الاتصالات والنفاذ والنقل فقد تم تعزيز العمود الفقري الوطني بإنجاز 7 46,93 كم من الألياف البصرية، وإقامة 182 موقعا من الحزم الهرتزية الرقمية، ناهيك مشروع توسيع الوصلة المحورية من خلال إنجاز وصلتين محوريتين شرق وغرب، حيث تتمثل أهدافه في تأمين شبكة النقل وتحسين نوعية الخدمة ورفع عرض النطاق الترددي للولايات المعنية.