كان جليا بعد إخفاقها في إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر الماضي، أن ليبيا ستدخل في دوامة سياسية جديدة قد تحمل الكثير من المتاعب والتحديات لهذه الدولة التي غرقت في أزمة خانقة منذ أزيد من عشر سنوات دون أن تتمكّن من تجاوزها بسبب عراقيل تفرضها جهات خارجية وفواعل داخلية همّها الاستئثار بالسلطة والثروة. تأجيل الانتخابات الليبية نهاية السنة الماضية، كان متوقّعا، فكل الوقائع كانت تشير إلى أن اللاعبين السياسيين استحلّوا المراحل الانتقالية التي منحتهم السلطة والمناصب دون المرور عبر الصندوق، لهذا قد نشهد استمرارا في سياسة الهروب إلى الأمام من خلال التركيز على المسائل الثانوية وتجاهل القضايا الرئيسية وعلى رأسها تحديد موعد جديد للانتخابات وهندسة خارطة طريق أكثر فعالية،تؤطر العملية السياسية بالشكل الذي يضمن نجاحها. اليوم، وبدل التفاف الليبيين حول هدف واحد هو تحديد موعد جديد للاستحقاقات مع ضمان ظروف نجاحها، عاد الانقسام ليطفو إلى السطح، وأطلّت الخلافات برأسها منذرة بمرحلة صعبة مفتوحة على أسوأ الاحتمالات، فعوض التركيز على إتمام المسار الانتقالي، برز الجدل واشتدّ حول مستقبل الحكومة، حيث وضع البرلمان إقالة عبد الحميد الدبيبة كأولوية الأولويات، ما يعني أن ليبيا مرشّحة لتعود إلى زمن الحكومتين والسلطتين، بل وربّما لا قدّر الله - إلى مرحلة العنف والاقتتال. هذا الانزلاق الخطير، جعل المستشارة الأممية ستيفاني وليامز تدقّ ناقوس الخطر وتشدّد على أنّ ما يحتاجه الشعب الليبي هو أن يكون قادرًا على الذهاب إلى صناديق الاقتراع ليختار حكومة تمثيلية بالكامل ومنتخبة ديمقراطيًا. وتقود ويليامز، جهوداً كبيرة للبحث عن دعم إقليمي ودولي لخطّتها التي تقوم على تنظيم انتخابات في ليبيا قبل نهاية شهر جوان، لكنها تصطدم بواقع داخلي وتحالفات محليّة لا تضع الانتخابات كأولوية. وخلال الأيام الماضية، قامت بجولة إلى تونس وأنقرة وموسكو ثم القاهرة، في سبيل حشد دعم إقليمي ودولي من أجل الاستمرار في العملية السياسية والحفاظ على الزخم الانتخابي ضمن الإطار الزمني الأصلي لخارطة الطريق التي وضعها ملتقى الحوار السياسي وأقرّها مجلس الأمن الدولي، وتنتهي في شهر جوان من هذا العام. ليبيا، التي كادت تخرج من النفق المظلم، هل عادت لتغرق في ظلمته ووحشته، والمطلوب لإنهاء هذا الكابوس، التزام الإخوة الفرقاء بالعملية السياسية بما يتماشى مع خارطة الطريق لعام 2020 التي توسّطت فيها الأممالمتحدة، وغير ذلك فهي مراحل انتقالية تطول وتتمدّد، فيما الشعب يعاني في صمت من ضياع سنوات من عمره في أزمة يمكن حلّها في ظرف وجيز عبر صندوق الاقتراع، فمتى ينبلج الصبح الليبي؟