نحو استثمار 39 مليار دولار في المحروقات بعث رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الخميس، رسالة بمناسبة الذكرى 66 لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، والذكرى 51 لتأميم المحروقات، قرأها نيابة عنه الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمان. هذا نصّها الكامل : بسم الله الرحمن والرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين، أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل، إنّ الشعب الجزائري يكون، في الرابع والعشرين من (24) فيفري من كل سنة، على موعد مع ذكرى مزدوجة، تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين في 1956 وتأميم المحروقات في 1971. وإنّنا عندما نقف بعزّة وشموخ، عند هذين الحدثين الوطنيين لنجدّد الوفاء والاستلهام من معاني التضحية، ونؤكد التعلق بالحرية والكرامة، نتذكر في هذه الوقفة بإكبار وتقدير تضحيات أجيال من أسلافنا، نذروا أنفسهم عبر نضالات مريرة، وكفاح شاق وطويل، متطلعين إلى الإنعتاق من نير الاستعمار، وبناء الدولة الوطنية المستقلة السيّدة. ففي تلك الأيام التي كان الشعب الجزائري يخوض حربا ضروسا ضد هيمنة الاستعمار الإستيطاني البغيض، انبرى وطنيون أفذاذ إلى جمع أولئك الرجال الطلائعيين، المناضلين الشجعان لتأسيس قلعة النضال النقابي تحت راية الإتحاد العام للعمال الجزائريين، بقيادة صفوة من رجالاته، وعلى رأسهم الشهيد عيسات إيدير. إطارات وقياديون شهداء للواجب الوطني وقد توارثت أجيال لاحقة من العاملات والعمال والنقابيين، ما تحلوا به هؤلاء الأفذاذ من روح وطنية عالية، واستمرت على نهجهم مثلما تشهد على ذلك مواقف المنظمة العمالية العتيدة، في مراحل صعبة، وأمام محن وتحديات عاشتها بلادنا وتجاوزتها، بل وانتصرت على من تربّصوا بالجزائر في أوقات الشدائد، بالروح النوفمبرية المتأصلة، وبالوفاء للشهداء الأبرار، ولقد كان للاتحاد العام للعمال الجزائريين، وهو الذي دفع من إطاراته وقيادييه شهداء للواجب الوطني، وعلى رأسهم الشهيد عبد الحق بن حمودة، سجلا مشرفا، في كل الظروف والأوقات التي استوجبت الدفاع عن مصالح البلاد، ورصّ الصفوف، وتقوية الجبهة الداخلية للوطن. وإذ من الواجب أن نقدر، في هذه الذكرى المزدوجة، تضحيات العاملات والعمال في كل المواقع، ونترحم معهم على أرواح شهداء الواجب، ومن فقدناهم جراء جائحة كوفيد-19، فإنّنا نؤكد من جديد عزمنا على مواصلة معالجة الآثار الاجتماعية والتكفل تدريجيا بإخوتنا وأخواتنا من المتضررين، بالسهر الدائم على متابعة السلطات العمومية، التنفيذ الصارم لكل الإجراءات والتدابير المتخذة الرامية إلى ضمان الحماية الاجتماعية، والقدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين. مضاعفة الإنتاج ثلاث مرات منذ 1971 أيّتها السيدات الفضليات أيّها السادة الأفاضل، إنّه لمن دواعي الإكبار والإجلال أن نستعيد في هذا اليوم، كذلك، هبة المهندسين والتقنيين والفنيين الجزائريين، الذين خاضوا التحدي وكسبوا الرهان، غداة إعلان تأميم المحروقات في 24 فيفري 1971، وبسط السيادة على ثرواتنا. لقد كانت عزائمهم أقوى من الصعوبات، ومكنوا بتجندهم قطاع الطاقة من الاستمرار في الإنتاج، ليتولى من خلفهم من كفاءات وإطارات وعاملات وعمال في القطاع مواجهة الرهانات، وما مضاعفة الإنتاج الوطني بثلاث مرات منذ 1971، ليبلغ اليوم حوالي 200 مليون طن معادل نفط، وخاصة بالنسبة للغاز الطبيعي، إلا تأكيد على تلك الإرادة الوطنية القوية التي ما فتئ يتحلى بها بنات وأبناء القطاع، الذين، بفضل جهودهم، تعزز دور الجزائر في السوق البترولية والغازية على المستوى الإقليمي والدولي. كما برهن قطاع المحروقات على استعداده للمساهمة في الأمن الطاقوي لشركائنا من الدول وهذا عبر تأمين التموين بالمحروقات، خاصة من الغاز الطبيعي، إذ سجل نمو الإنتاج الأولي ارتفاعا محسوسا في سنة 2021، قدر بنسبة 14 بالمائة للمحروقات و23 بالمائة للغاز، تماشيا مع عودة الحركية الاقتصادية العالمية. وفيما يتعلق بتثمين المحروقات، فإنّ الجزائر اكتسبت قدرات هائلة، حيث أصبحت تتوفر على منشآت صناعية كبيرة في مجال عمليات تكرير النفط، والصناعات البتروكيماوية والنقل بالأنابيب وكذا التصدير، لاسيما من خلال خطوط الأنابيب التي تربط بلادنا بقارة أوروبا، وقدرات تمييع الغاز الطبيعي وكذلك ناقلات الغاز الطبيعي المسال إلخ. تخفيض الواردات من المشتقات البترولية وقد كللت هذه المجهودات بتخفيض الواردات من المشتقات البترولية بما يفوق 50 بالمائة، خلال سنة 2021 مع التطلع إلى التوجه إلى التصدير في السنوات القليلة القادمة، كما لم تستورد أيّ كمية من الوقود في سنة 2021. أما بالنسبة لتوفير مصادر الطاقة للساكنة، فإننا نفتخر اليوم بأننا حققنا قفزة نوعية ومستويات من بين الأعلى في المنطقة، بل وفي العالم، بربط أكثر من 99 بالمائة من المنازل بالكهرباء و65 بالمائة منها بالغاز الطبيعي، وتبقى الجهود مستمرة لربط المناطق النائية والمعزولة عبر التراب الوطني بما فيها المحيطات الفلاحية ومختلف المستثمرات من أجل تحسين ظروف معيشة السكان وتعزيز الديناميكية الاقتصادية. وبهذا الخصوص، فإنّني أولي بالغ الاهتمام لمواصلة تعزيز الدور المحوري لقطاع الطاقة والمناجم في تنفيذ استراتيجية الدولة في مجال الإنعاش الاقتصادي والانتقال الطاقوي، من أجل الرفع من قدراتنا الإنتاجية لتلبية حاجيات البلاد من الطاقة على المديين المتوسط والبعيد، من خلال تطوير الطاقات الجديدة والمتجددة. إنّ هذا الإهتمام نابع من إيماننا العميق بالأهمية البالغة التي يكتسيها قطاع الطاقة والمناجم كمحرك لتطوير القطاعات الأخرى للاقتصاد وتسريع سياسة تنويع مصادر الدخل، وهو ما تعهدت به عند تولي مسؤولية رئاسة الجمهورية بالسعي إلى بناء اقتصاد وطني قويّ، ومتنوّع مدرّ للثروة، ومولّد لمناصب الشغل وصانع للرفاه الاجتماعي، بما يعزّز أمننا الغذائي ويحصّن الأمة من التبعية القاتلة للمحروقات، وجعل هذه الأخيرة محركا للنمو ومصدرا لتنويع الاقتصاد. استكمال وملاءمة الإطار القانوني للاستثمار وفي هذا السياق، أؤكد حرصي على ضرورة استكمال وملاءمة الإطار القانوني للاستثمار، في كل من قطاعات المحروقات، والمناجم، والطاقات المتجدّدة لتشجيع الاستثمارات، وضمان الأمن الطاقوي للبلاد على المدى الطويل. ولهذا الغرض، فإنّ الحكومة التي استكملت جميع النصوص التطبيقية الخاصة بقانون المحروقات، تعكف حاليا على استكمال وضع الإطار القانوني الذي سيسمح بإعادة بعث الاستثمار وتسهيل وتبسيط الإجراءات الإدارية المرتبطة به، بما يتماشى مع البيئة الاقتصادية الحالية وترقية وجهة بلادنا للاستثمارات الأجنبية المباشرة. وسيظل الهدف الرئيسي يتمثل في الحفاظ على قدرات الإنتاج والتصدير وتعزيزها، بالموازاة مع تكثيف جهد الاستكشاف، وتحسين مراحل الاستخلاص في حقول الإنتاج، وتحقيق التشغيل الأمثل، والرقمنة، وتطبيق التقنيات المتقدمة وخفض التكاليف. 70 بالمائة من الاستثمارات للاستكشاف ومن أجل تحقيق هذا المسعى، فإنّ الدولة يحذوها العزم على مواصلة جهودها في الاستثمار في القطاع، إذ ستصل قيمة الاستثمارات في السنوات الأربعة (4) القادمة إلى أكثر من 39 مليار دولار، منها 70 بالمائة ستخصّص للاستكشاف والتطوير لاسيما تحسين معدل الاسترجاع وخاصة في حقول حاسي مسعود وحاسي الرمل. أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل، تشير معظم توقعات منظمة «أوبك» إلى أنّ المحروقات، من نفط وغاز، ستبقى على مدى الخمسة وعشرين (25) سنة القادمة، مهيمنة على مشهد الطاقة العالمي، كما أنّ المعركة الحقيقية عالميا، في السنوات القادمة، ستكون ضد الفحم كمصدر طاقة، وهو ما جعل المجموعة الدولية تسعى جاهدة للتقليل من الاعتماد عليه في إنتاج الطاقة، نظرا لكونه مصدرا رئيسيا للتلوث وللغازات. الغاز يمنحنا الأفضلية ل30 سنة وفي خضم التحوّل نحو الطاقات الجديدة، سيحتل الغاز، مستقبلا مكانة أساسية في أعلى هرم المصادر الطاقوية الأولية، وهو ما يمنحنا الأفضلية، ضمن مسارات التحوّل الطاقوي، على الأقل خلال الثلاثين (30) سنة القادمة. كما تكمن هذه الأفضلية في إمكانية انخراطنا في أكثر الحلول المناخية نجاعة، وهو الهيدروجين، لكون استخداماته تتميز ب»صفر تلوث»، بحيث يمكننا، اليوم، الانخراط كفاعل أساسي في المشاريع العالمية والإقليمية للهيدروجين الأخضر. والحمد لله على فضله، فبلادنا تمتلك أفضل الخيارات عالميا في هذا المضمار بفضل العديد من الميزات والإمكانيات التي تتوفر عليها، من إمكانات شمسية هائلة، وشبكة كهربائية واسعة، ومساحة كبيرة، وبنى تحتية وطنية ودولية لنقل الغاز الطبيعي، ونسيج صناعي، لاسيما ذلك المرتبط بإنتاج الأمونياك والهيدروجين، وكذلك الشبكة الواسعة من الجامعات ومراكز البحث. وفي هذا الصدد، فإنّ بلادنا تعكف، على أساس هذه المزايا المقارنة، على وضع استراتيجية وطنية لتطوير الهيدروجين، بما في ذلك الهيدروجين الأخضر، من أجل تمكينها من الاندماج الكامل في الديناميكية العالمية المرتبطة بالانتقال الطاقوي والبيئي. ترشيد الاستهلاك وفعالية الاستخدام أيّتها السيّدات الفضليات، أيّها السادة الأفاضل، إنّ هذا التوجّه يندرج ضمن سعي الدولة إلى تعبئة جميع مواردها وتثمينها، لاسيما الطاقات المتجدّدة، خاصة وأنّ الجزائر، كما أسلفت، تتمتع بإمكانيات هائلة من الطاقة الشمسية ومصادر أكيدة للهيدروجين الأخضر. فضلا عن ذلك، فإنّ أولوياتنا تتمثل كذلك، في التركيز على ترشيد استهلاك الطاقة وفعالية استخدامها مع مساهمة الطاقات المتجدّدة وتنويع مزيج الطاقة، من أجل توفير حلول شاملة ومستدامة للتحديات البيئية وكذا للحفاظ على موارد الطاقة الأحفورية وتطويرها، ممّا يمكننا من توفير موارد إضافية يمكن توجيهها للتصدير. من جهة أخرى، فإنّ إعادة إطلاق تطوير قطاع المناجم وتثمين الثروات المنجمية تعدّ هي الأخرى إحدى أولويات الدولة، بالنظر إلى إمكاناتنا من الموارد المنجمية، من خلال تطوير مناجم الحديد والزنك والفوسفات، التي ستساعد في تقليل اعتمادنا على الواردات، وفي تمكيننا من خلق الثروة وفرص العمل، وتنويع صادراتنا خارج المحروقات. دور ريادي ل «سوناطراك» وأغتنم هذه المناسبة لأحيي الجهود الكبيرة التي تقوم بها الشركة الوطنية سوناطراك من أجل أن تكون رائدة في مجال الطاقة، لاسيّما في ظل التحوّلات الطاقوية العالمية المتسارعة وكذا المنافسة الدولية، التي تستوجب عليها تطوير نشاط الإستكشاف في الجزائر وفي الخارج، كما يجب أن تلعب دورا رياديا في مسار الإنتقال الطاقوي. وحتى تلعب دورها كاملا، عليها تكثيف الجهود من أجل عصرنة أساليب تسييرها وفقا للمعايير الدولية مع تعزيز ديناميكية التكوين وتطوير تسيير الموارد البشرية وفق المقاربة بالكفاءة والنجاعة. كما يتطلب الأمر من كلّ الفاعلين في قطاع الطاقة والمناجم المساهمة في رفع التحدي الخاص بتراكم المعرفة والمهارة، وكذا وضع الخبرة المكتسبة في خدمة الصناعة الوطنية في مختلف سلاسل القيمة، بغية الرفع من نسبة الإدماج وتحسين التحكم في عمليات التشغيل والهندسة الصناعية. أيّتها السيّدات الفضليات، أيّها السادة الأفاضل، لا يفوتني في هذه الأجواء الإحتفائية، ونحن على مقربة من الاحتفال بالذكرى الستين لاسترجاع السيادة الوطنية، أن أشيد بتضحيات ووفاء العاملات والعمال الذين استلهموا على الدوام، معاني التضحية والمجد، والنصر من الأسلاف الأمجاد، وهم، اليوم، يواصلون بقناعة وإخلاص من مختلف المواقع، وعلى كافة المستويات، المساهمة في بناء جزائر صاعدة وسيّدة. فإلى عاملات وعمال قطاع الطاقة، وإلى كافة العاملات والعمال في كل القطاعات، أتوجّه بالتهنئة والتحية، وأدعوهم إلى العمل سويّا على ما يحقّق لوطننا العزيز المزيد من النمو والازدهار والرفعة. عاشت الجزائر حرّة أبية .. والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار».