أتعجّب كثيرا من الذين استغربوا موقف إسبانيا تجاه القضية الصحراوية، الذي أعلنه رئيس حكومتها بيدرو سانشيز الجمعة الماضية، ذلك أنّ إسبانيا اليوم هي نفسها التي خانت الشعب الصحراوي في منتصف سبعينيات القرن الماضي عندما باعت «حقوق» الاحتلال للمغرب، وقبضت في المقابل امتيازات ما زالت تدرّ عليها مكاسب كثيرة سواء تعلق الأمر بالحصول على حصة الأسد من فوسفات الصحراء الغربية أو ثروتها السمكية، فبعدما التزمت مدريد بتنظيم استفتاء لتقرير مصير الصحراويين، وأجرت إحصاءً سكانيا للغرض، أدارت ظهرها لالتزامها ونكثت عهدها، وقرّرت عقد صفقة باعت من خلالها المستعمرة التي ظلت تحتلها منذ 1884 لاستعمار جديد، هو نفس الاستعمار الذي تدعّمه اليوم، وتزكّي احتلاله من خلال دعم خيار ما يعرف ب «الحكم الذاتي»، الذي فصّله الاحتلال المغربي على مقاسه، ويريد أن يفرضه غصبا على الصحراويين الذين يتمسكون بحل يستند الى استفتاء لتقرير المصير يشمل ثلاثة خيارات، وليس خيارا واحدا كما يريد المخزن وهي الاستقلال التام، الضم أو الحكم الذاتي. قرار إسبانيا الجديد لم يحمل جديدا في واقع الأمر، فهو يكرّر نفس خطيئة الماضي التي جسّدتها اتفاقية مدريد الموقعة في نوفمبر 1975، ويكرّس نفس سياسة تجاهل الشرعية الدولية التي ظلت مدريد تمارسها في الخفاء بينما في العلن تتظاهر بدعم الحل الأممي، الذي يقر بحق الصحراويين في استفتاء حر ونزيه يفضى إلى الاستقلال. إسبانيا لم تفاجئنا ولم تصدمنا بقرارها الأخير لأنّها ببساطة هي نفسها التي سلّمت قبل 47 عاما الصحراء الغربية على طبق من ذهب للاحتلال المغربي، الذي يبدو أنّه يريد توجيه الرأي الداخلي نحو قضية الصحراء الغربية من أجل تخفيف الضغط الاجتماعي والاقتصادي الذي يمضي به نحو الانفجار، وحتما لن نجانب الصواب بالقول أن للتقارب المغربي الصهيوني دوره في الخطيئة الاسبانية الجديدة. يبقى فقط التذكير، بأنّ حل القضية الصحراوية لن يحدّده أحد غير الصحراويّين، فلا خيار المغرب الأحادي الجانب يمكن فرضه بالقوة على الصحراويين، ولا الموقف الاسباني الداعم لهذا الخيار، ولا حتى اعتراف ترامب بسيادة المغرب المزعومة على الصحراء الغربية، فالجهة الوحيدة المخولة للفصل في النزاع الصحراوي هي الأممالمتحدة، والكلمة الفاصلة للصحراويين، فكفى عبثا بالشرعية ودوسا على حقوق الشعوب.