«الانقلاب»، «الانقسام»، «الحسم العسكري»، «استعادة السيطرة». أسموه ما شئتم واطلقوا عليه من المصطلحات ما أردتم. لكن عليكم أن تعلموا جيداً أن الخامس عشر من حزيران/يونيو عام 2007 كان يوماً أسودا في تاريخ الشعب الفلسطيني، وشكّل بداية لمرحلة خطيرة، حيث أحدث انقساماً حاداً، مازالت القضية الفلسطينية مثقلة بآثاره السلبية، ومازلنا كشعب فلسطيني نعاني تداعياته وندفع ثمن استمرار بقائه وخاصة في قطاع غزة. مخطئ من يعتقد أنّنا كمحرّرين بمنأى عن تداعياته، ومخطئ من يظن كذلك أن «الانقسام» لم يمتد إلى الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وأنّ آثاره وتداعياته الخطيرة لم تتسلّل إلى صفوفهم ولم تُنهك قواهم وتمزق وحدتهم. فالأسرى جزء وجزء أصيل من الشعب الفلسطيني، وهم امتداد طبيعي لتنظيماتهم وللنسيج الوطني والسياسي والاجتماعي الفلسطيني. يُؤثرون ويَتَأثرون. لذا فالانقسام الذي مزقّ الوطن، وفتت وحدة النسيج الاجتماعي، امتد وتَخطى الجدار الشاهقة وخدش وحدة الأسرى داخل السجون، بل ومزقها أحياناً وقد ظهر ذلك في تجليات عدّة، وانعكس سلباً على طبيعة العلاقات الداخلية، وأدى الى تراجع مسيرتهم النضالية، وأضعف من قدرتهم على مواجهة السجان، وما الخطوات الفردية أو الحزبية الضيقة إلا انعكاس لهذا الواقع المرير. لهذا لم نعد نرى إضراباً شاملاً يخوضه كافة الأسرى بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية، على الرغم من أنّ الحركة الأسيرة مثقلة بالهموم وهي أحوج ما تكون لهذه الخطوة في ظل اتساع حجم الجرائم وتصاعد الانتهاكات والإجراءات القمعية بحقهم من قبل إدارة السجون في السنوات الأخيرة، ومصادرة أبسط حقوقهم واستمرار الاستهتار الإسرائيلي بحياة الأسرى وأوضاعهم الصحية لاسيما المرضى منهم. وممّا لا شك فيه، فإنّ إدارة السجون اقتنصت الفرصة وصعّدت من قمعها واجراءاتها التعسفية وأقدمت على اتخاذ خطوات تغذي «الانقسام»، وتضعف وحدة الأسرى والمعتقلين، فاستفردت بهم وعززت من الفصل فيما بينهم وفقاً للسكن تارة، والانتماء الحزبي تارة أخرى، دون أن نرى خطوات احتجاجية أو نسمع مطالبات جادة لإنهاء هذا الفصل والعودة للعيش في أقسام موحدة وغرف مشتركة كما كان الحال في الماضي. وهذا أدّى ويمكن أن يؤدي إلى مزيد من التفاهمات الثنائية والمنفردة مع ادارة السجون، بعيداً عن الاجماع الوطني. وبسبب «الانقسام» وتداعياته، تمزقت وحدتنا خارج السجون، ولم تعد معاناة الأبناء في سجون الاحتلال توحد الآباء والأمهات وأفراد عائلاتهم. كما ولم تعد آلام المحرّرين ومعاناتهم توحد خطواتهم وأولوياتهم. ورأينا كذلك مؤسّسات تُعنى بالأسرى وقد أغلقت، ووسائل إعلام وقد تأثّرت، وعراقيل وضعت أمام الأنشطة المساندة، وأسرى محررين قد فقدوا وظائفهم وقوت أسرهم، وآخرين اُعتدى عليهم وزج ببعضهم في السجون الفلسطينية، وغيرها. هذه هي الحقيقة المرّة التي يجب أن ندركها، ونعمل على تغيير الصورة المؤلمة، التي أضحت جزءا من حياتنا منذ أن حدث «الانقلاب» وما تبعه من «انقسام» عام 2007، وحيث ما زلنا نعاني تداعياته وآثاره المؤلمة على مجمل مناحي الحياة الفلسطينية، فإنّنا بتنا نخشى «الانفصال»، ونأمل أن تتغير الأوضاع جذرياً، وأن نطوي صفحة «الانقسام» وأن تُعالج كافة الملفات الداخلية، وخاصة تلك التي لها علاقة بالأسرى والمحررين بما يعيد لقضية الأسرى والمعتقلين هيبتها ويعزز مكانتها، وبما يضمن للحركة الأسيرة وحدتها ويُعيد لها قوتها، وبما يكفل للأسرى والمحررين وعوائلهم مستوى لائق من الحياة الكريمة. إنّ رسالة الأسرى والأسرى المحررين، كانت وستبقى دوما: «الوحدة الوطنية أولا، والوحدة الوطنية ثانيا، والوحدة الوطنية ثالثا»، وهم من استشعروا الخطر مبكراً، وحذروا مراراً من تداعيات الاقتتال الفلسطيني - الفلسطيني الذي سبق «الانقسام». ولأنّهم الطليعة والأكثر قراءة للواقع والحاضر والمستقبل، أصدروا «وثيقة الوفاق الوطني» التي شكلت لاحقاً أساساً قويا للحوار الفلسطيني - الفلسطيني، ومقدمة مهمة يمكن الاستناد إليها لاستعادة الوحدة الوطنية. فالأسرى والمحررين، هم وقود الثورة وبناة الدولة وعماد الوطن، وهم من ناضلوا وأفنوا زهرات شبابهم وسنوات طويلة من أعمارهم خلف القضبان من أجل وطن واحد، وعلم واحد وشعب موحّد. لا من أجل وطن ممزق يغيب عنه علم الجميع لصالح تعدد الرايات الحزبية، وشعب يتخاصم فيه الإخوة ويتقاتل فيه المقاتلون. واليوم وكما في كل يوم مضى من عمر «الانقسام»، فإنّ عيون الأسرى والمعتقلين وعوائلهم، وعيوننا جميعا كأسرى محررين ترنو إلى قاهرة المُعز، ونتطلع الى مًزيد من الجهود المصرية وكثير من التجاوب الفلسطيني بما يضمن إنهاء «الانقسام» وطي صفحته السوداء واستعادة وحدة الشعب الفلسطيني، بما يخدم مسيرته الكفاحية في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها القضية الفلسطينية في الوقت الراهن وخاصة مدينة القدسالمحتلة. فقوّتنا تكمن في وحدتنا، وبوحدتنا نمضي نحو تحقيق أهدافنا الوطنية وتطلعات شعبنا المشروعة في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. عن المؤلف: عبد الناصر عوني فروانة: أسير محرَّر، ومختص بشؤون الأسرى، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، ورئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين، وعضو لجنة إدارة هيئة الأسرى في قطاع غزة. ولديه موقع شخصي اسمه: فلسطين خلف القضبان.