منظمة العفو الدولية: المدعو نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة الجنائية    المدعي العام للجنائية الدولية يحث كل الدول على التعاون بشأن مذكرات الاعتقال بحق مسؤولين صهاينة    وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال من يسمى نتنياهو إذا زار روما    الرابطة الأولى موبيليس: شباب قسنطينة يفوز على اتحاد الجزائر (1-0) ويعتلي الصدارة    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    دعم حقوق الأطفال لضمان مستقبل أفضل    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    شايبي يتلقى رسالة دعم من المدير الرياضي لفرانكفورت    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من منطقة الأولياء الصالحين إلى عاصمة المياه المعدنية...جغرافيا أنصفت المكان والانسان تنكّر لها
''الشعب' تستطلع واقع السياحة في وهران، سيدي بلعباس وسعيدة
نشر في الشعب يوم 16 - 10 - 2012

ظلّت عالقة في ذهني تساؤلات لطالما بحثتُ عن إجابة مقنعة لها، بمجرد أن اطّلعت على المسار السياحي الذي حدّده الديوان الوطني للسياحة للصحافيين بمناسبة إحياء اليوم العالمي للسياحة المصادف ليوم 27 سبتمبر من كل عام.تساؤلات لم أعثر لها عن إجابة قبل انطلاق الرحلة الاستكشافية باتجاه المناطق الغربية للوطن الممتدة من ولاية وهران إلى سعيدة مرورا بسيدي بلعباس، فحسب معرفتي البسيطة بجغرافية المكان، المستمدة من الكتب المدرسية لجميع الأطوار، ليس بولاية سعيدة أو سيدي بلعباس أيّ سحر خاص يجعل المواطن البسيط يفكّر في زيارتها كسائح، فإلى وقت قريب كنت أعتقد أنّ لا شواهد حضارية ولا معالم تاريخية ولا مواقع سياحية بهذه المناطق، بل أكثر من ذلك اعتقدت أنّ الحياة تتوقّف عند حدود هاتين الولايتين المتجاورتين، لأنّ الباهية وهران غنية عن كل تعريف...
وهنا لا ألوم معلمتي بالمدرسة الابتدائية ولا حتى بالمتوسطة أو بالثانوية، لأنّ المقرر المدرسي مسؤول على إعداده وزارة بأكملها، وزارة تمنّيت وأنا أكتشف سحر المناطق الداخلية من وطني ''الجزائر''، لو فكّرت يوما في غرس الثقافة السياحية في عقول تلاميذ الابتدائيات، حتى تنشئ مستقبلا سائحا مسؤولا، ولم لا مستثمرا ناجحا يعي جيدا مكامن الجمال الموجود في الأرياف والمدن البعيدة، ويعرف كيف يحوّلها إلى مقاصد سياحية تجلب إليها أنظار العالم.
الطاقة الشمسية لتموين مركب الأندلسيات
قبل شدّ الرحال باتجاه وجهتنا السياحية المقصودة، كان يتعيّن علينا نحن الوفد الصحفي المشارك في الرحلة الاستكشافية تغطية النشاط الرسمي الذي نظّمته وزارة السياحة إحياءً لليوم العالمي للسياحة تحت شعار ''السياحة والطاقة المستدامة: محرك للتنمية المستدامة''، وقد حرص وزير القطاع محمد بن مرادي وهو يخاطب المشاركين في الاحتفال بفندق الأوراسي على ضرورة تكاثف جهود كل القطاعات المعنية والفاعلين في قطاع السياحة، إضافة إلى إعداد برامج ومخططات تربوية وإعلامية تستهدف ترقية الثقافة السياحية لدى المواطن، فالترسانة القانونية والتشريعية التي أصدرتها الدولة لتحقيق تنمية سياحية مستدامة لا تكفي، وتتطلّب إشراك ومساهمة الجميع، وبالتالي تحرّك جميع الفاعلين لمجابهة تحديات الألفية في مجال الطاقة المستديمة صار ضرورة حتمية، في عالم أنهكته الأزمات الاقتصادية.
كما شدّد ذات المسؤول، على ألاّ يبقى مفهوم التنمية المستدامة مجرد فكرة مجردة وإعلان حسن نية أو مجرد شعار تسويقي، بل لا بد أن يترجم إلى أعمال ملموسة وإجراءات شفافة وشجاعة يمكن لمسها والتحقق منها على أرض الواقع.
رسالة لم نكن لنعي معناها جيدا، ولا دوافعها إلاّ عندما بلغنا مركب الأندلسيات بولاية وهران، أول محطة في الرحلة الاستكشافية، وقد اختاره الديوان الوطني للسياحة المشرف على الرحلة، لأنّ المسؤولين المحليين عن قطاع السياحة بذات المنطقة أطلقوا مشاريع ومبادرات من شأنها تحقيق تنمية سياحية مستدامة، عن طريق استخدام الطاقة الشمسية.
فبمركب الاندلسيات بعين الترك، نصّبت ألواح الطاقة الشمسية بالعديد من الشاليهات، وقد تظهر للعيان بمجرد دخول المركب، حيث تبدو منتصبة للشمس تحاول مجتهدة تخزين كميات من أشعتها في النهار لاستعمالها في تسخين المياه.
وقد اعترف مدير السياحة لولاية وهران يحيى سبيح خلال لقاءه بممثلي وسائل الإعلام، أنّ استعمال الطاقات البديلة في قطاع السياحة ما زالت ''محتشمة''، فيما أرجع المسؤول التجاري لمركب الأندلسيات، العوائق التي تحول دون استغلال الطاقات البديلة، إلى ارتفاع تكلفة الألواح الشمسية المخزّنة للطاقة.
لم تدم إقامتنا طويلا بمركب الأندلسيات، ولم نتمكّن في تلك الليلة من رؤية معالمه ولا شكل هندسته، فالليل عندما وصلنا المكان قادمين من الجزائر العاصمة في رحلة برية، كان يدثر المدينة الساحلية المتوهّجة بنور المصابيح المختلفة الأحجام والألوان، وحجب عنّا رؤية الأشياء وحتى تضاريس المكان، فيما سرعت رذاذ أمطار الخريف دخولنا غرف نومنا، في انتظار ساعات الصباح الأولى التي تنتظرنا فيها رحلة أخرى باتجاه ولاية سيدي بلعباس.
قبل مغادرة ولاية وهران، باتجاه بلد الأولياء الصالحين، اقترح القائمون على الرحلة، الاطلاع على تجربة شاطئ مداغ (بوتليليس) الذي يتموّن بالكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية، وللوصول إلى الوجهة المحددة كان يتعيّن على الحافلة التي كانت تقلنا أن تسلك طريقا ضيقا، كثير الالتواءات والمنعرجات، يغوص في الجبال والمنحدرات تارة وفي أرض مسطحة تارة أخرى، زادت روعتها قطعان البقر والأغنام والماعز التي انتشرت في المراعي القريبة تبحث عن الكلأ لسد الجوع، وهو المنظر الذي استهوى فريق المصورين، حيث لم يفوّتوا الفرصة لتخليد المشهد بعدسات آلات التصوير والكاميرات، فيما ظهرت غابة مداغ المزيّنة بأشجار السرو، فاتحة ذراعيها للزوار، متحدية أيّ مار من المنطقة بألاّ ينزل من سيارته أو حتى يفتح نوافذها لاستنشاق الهواء العليل.
وأخيرا لاح من بعيد شاطئ مداغ، من على جبال عالية بدا نصف دائرة في جوف جبال شامخة شموخ هذا الوطن، شاطئ تعتقد للوهلة الأولى التي تقف على رماله الذهبية أنّ الجغرافيا تنتهي عنده، فالجبال تحيط به من الجهتين، في منظر طبيعي آخّاذ يعجز اللسان والكلمات عن تصويره، أمّا مياهه فتتميز بالصفاء إلى درجة أنّك إذا ما وضعت رجليك فيه حتى يبدو لك ما في قاعه، وهو ما جعل أحد الزملاء يعلّق حينما رأى صورة الطبيعة المبهرة ''عيب علينا نترك هذا الجمال ونبحث عن قضاء العطلة في دول الجوار''.
في مدينة الأولياء الصالحين
من شاطئ مداغ بدأنا نتجه صوب الجنوب الشرقي لولاية وهران، حيث تختفي زرقة البحر وتبدأ خضرة الأشجار بالغابات والجبال، بالمرتفعات والسهول والسهوب الممتدة على طول الطريق الوطني رقم 95، باتجاه بلدة الأولياء الصالحين، سيدي بعباس التي سميت باسم ولي صالح، واشتهرت منذ نشأتها بتهيئتها العمرانية المتميز ما جعل نليون الثالث عندما زارها في ماي 1865 يصيح مدهوشا: ''إنّها باريس الصغرى''، حيث تحمل المدينة في هندستها المعمارية كل الأنماط ذائعة الشهر في النصف الثاني من القرن ال 19 إلى القرن ال 20، وهو ما جعلها تعتبر بمثابة متحفا حقيقيا تحت سقف مفتوح، حيث يتزاوج الأسلوب الكلاسيكي الحديث بفنونه العصرية وفنون التزيين والديكور الحديث.
لكن هذه المدينة الغنية بتاريخها ومعالمها الحضارية، لا زالت تتطلّع اليوم إلى مزيد من الاهتمام، حيث تبدو شوارعها ومساحاتها الترفيهية بحاجة إلى إعادة تأهيل وتنظيف بعد أن فقدت الكثير من رونقها وجمالها بفعل يد الانسان، باستثناء المساحات الكبرى حيث مازالت محافظة على ازدهارها، فقد أولت السلطات المحلية الاهتمام لها، وعزّزتها بالبنايات الزجاجية الكبيرة كموقع الولاية، في تصميم جديد للمباني الرسمية يعكس ذوق ومهارة الانسان البلعباسي في الهندسة المعمارية، يضاف إليه الموروثات عن العهد الاستعماري على غرار القبة السماوية غير البعيدة عن مقر الولاية والتي شيّدت سنة 1954 لاستغلالها كسوق الجملة للخضر والفواكه، قبل أن تحوّل إلى مركز التوجيه والاعلام السياحي، وتصبح بذلك منارة للباحثين، المستثمرين والسائحين.
بحيرة سيدي محمد بن علي وجبال تسالة...تنمية للسياحة الجوارية
لا يمكن لأيّ زائر لولاية سيدي بلعباس أن يغادرها، دون أن يعرج على بحيرة سيدي محمد بن علي التي تحمل بصمات الانسان، وهي بحيرة اصطناعية تسهم بشكل كبير في إثراء المشهد الطبيعي، فعلاوة على نشاطات الاستجمام والرياضة التي بالإمكان ممارستها بالقرب من البحيرة، تمنح فرصة لهواة الصيد باصطياد كل أنواع السمك من الشبوط الفضي، الشبوط المحلي، السمك البني والبرعان، وحتى البط الذي يعتلي قائمة الطرائد.
وتخضع البحيرة حسب ما لا حظناه بعين المكان إلى إعادة تأهيل، حيث رصد غلاف مالي ضخم للتكفل بعملية إنجازات محلات، ومقاهي، وتهيئة مساحات للممارسة الرياضة، وشق مسالك إلى داخل البحيرة، فضلا عن إنجاز موقف للسيارات.
وتعرف البحيرة الاصطناعية إقبالا منقطع النظير خاصة أيام العطل أو في نهاية الأسبوع، وأحصى مدير السياحة والصناعة التقليدية لولاية سيدي بلعباس رابح قربوعة، دخول 3473 سيارة إلى البحيرة في يوم واحد، وكلّهم من الباحثين عن لحظات من الهدوء والراحة.
كما كان لتواجد ضريح الولي الصالح سيدي محمد بن علي بالقرب من المكان، أحد الأسباب في رفع عدد الوافدين إلى البحيرة، حيث يقصده سكان الولاية والمناطق المجاورة للتبرك، وتنظيم ''الوعدات'' وهو تقليد دأب أهل سيدي بلعباس على القيام به منذ القديم، خاصة يوم الجمعة.
إلى جانب المسطّحات المائية، تتميّز تضاريس سيدي بلعباس بتنوعها واتّساع رقعتها من الشمال إلى الجنوب، وبقدر تباين تضاريسها ومناخها الذي يتراوح من شبه جاف إلى جاف، تحوز سيدي بعباس على تنوع طبيعي لافت، من شأنه خلق عدد من النشاطات المرتبطة بالسياحة الطبيعية أو البيئية، تؤهّل لنجاح أكيد لتنمية سياحية جوارية، ترتكز على البيئة وتنظيم الرحلات ونشاطات الصيد، وهو ما وقفنا عليه بجبال تسالة الغنية بالمناظر الطبيعية التي لا تخلو من التنوع الحيواني والنباتي، ما يجعلها موقعا ملائما لتنظيم جولات النزهة سيرا على الأقدام وإنشاء مخيمات للمبيت، كما تشكّل تضاريس الأرض الجبلية على علو أكثر من 1000 متر فرصة لخلق نشاطات التزحلق على الثلج، وعلاج مرضى الربو.
سعيدة...مدينة المياه المعدنية تبحث عمّن ينعشها
قبل أن أصل إليها رفقة الوفد المشارك في الرحلة الاستكشافية والمشكّل من 40 صحفيا، إلى جانب ممثلة الديوان الوطني للسياحة نصيرة حماني، والمستشار لدى وزير السياحة سعيد بوخلفية عميد إطارات السياحة، لم أكن أعرف عنها سوى اسمها الذي يطلق كذلك على اسم ماء معدني اشتهرت به منذ عقود من الزمن، والجملة الشهيرة لمغني الراي ابن المنطقة الشاب مامي ''سعيدة بعيدة والمشينة غالية''، وطول الطريق ظللت رفقة زملائي المشاغبين نردّدها، فأغلبنا كان يجهل الولاية ''السعيدة'' في اسمها.
وحسب الروايات كانت سعيدة تحمل الاسم الأمازيغي
''تيرسيف''، كما حملت اسم زوجة عبد اللّه بن رابي عمّ مهدي العبد، وهو الخليفة الذي حكم المنطقة في القرن 09 ميلادي، كما سميت ''حاز سعيدة'' ويعود للمياه المعدنية الساخنة لسيدي عيسى وذلك في عهد الفاطميين، كما سميت العقبان لوجودها في وسط الهضاب العليا ولانتشار طائر العقاب بها، أيضا سمّاها الأمير عبد القادر سعيدة نظرا لما حققه بها من قوة وهو الاسم الذي بقيت عليه لليوم.
سعيدة التي مرّت بها العديد من الحضارات، وتزعّمها العديد من الملوك، وكانت ملجأ الأمراء، تشكو اليوم نقص الاستثمارات سواء في القطاعات الصناعية أو السياحية رغم توفرها على العديد من المؤهلات التي تجعلها في مصف المناطق المنتجة للثورة، فإلى جانب أنّها ولاية فلاحية، تحتوي على العديد من المنابع المعدنية التي يشكّل استغلالها فرصة لبعث السياحة الحموية، غير أنّ نقص الهياكل الفندقية يبقى أحد النقاط السوداء والعائق الأكبر لفتح الأبواب للسياح، فالولاية بحجم مساحتها الواسعة لا تتوفر سوى على 5 فنادق، اثنان عموميان وثلاثة ملك لخواص، بقدرة استيعاب تصل إلى 600 سرير، وهو عدد ضعيف مقارنة بما تستقطبه الحمامات المعدنية الموجودة بالولاية.
وأقرّ رئيس مصلحة السياحة بمديرية السياحة والصناعة التقليدية بولاية سعيدة قادة قايد، أنّ سعيدة بشكل خاص، والجزائر بشكل عام تملك طاقات هائلة في السياحة، ولكن في غياب جرد وإحصاء للأماكن والمواقع السياحية بكل ولاية لا يمكن الوصول إلى تنميتها، قبل أن يضيف أنّ إنشاء بنك معلومات سياحي دقيق، ضرورة حتمية لتحديد الطبيعة السياحية لكل بلدية وولاية، ووضع مخططات واقتراحات لمشاريع سياحية تتناسب وطبيعة كل منطقة، وكذا الترويج للمقصد السياحي الجزائري داخليا وخارجيا.
وتمتلك سعيدة منطقة توسع سياحي واحدة بمقر الولاية، وهي سعيدة القديمة كما يحلو للسعيديين تسميتها، تعتبر من المناطق الخلابة حيث ترسم الطبيعة فيها لوحات فنية رائعة تستحق المشاهدة، بغاباتها وأجرافها التي تصلح لممارسة التسلق، كما تمتاز بعيونها العذبة التي تغذّي واد سعيدة الذي يمر عبرها، كما توجد ثلاث مناطق أخرى خارج بلدية سعيدة بمساحة إجمالية تقدّر ب 965 هكتار، واحدة منها في طور التصنيف بمساحة 113 هكتار.
حمام ربي أم حمام الحاخام...رحلة البحث عن التسمية الصحيحة
شدّتني تسمية الحمام الذائع الصيت في ولاية سعيدة، كما شدّت زملائي الصحافيين، ''حمام ربي'' أحد الحمامات المعدنية الثلاثة الموجودة على مستوى ولاية سعيدة (حمام ربي، سيدي عيسى، سخونة)، يبعد عن مقر الولاية ب 12 كلم، تقول إحدى الروايتين بخصوص تسميته أنّه كان موجودا منذ الحقبة الرومانية، وعند مجيء المستعمر الفرنسي كان يعرف باسم حمام الربيع، ولأنّ اللغة الفرنسية لا ينطق فيها حرف العين سمي باسم حمام ربي بدل الربيع، أمّا الرواية الثانية فتقول أنّ رِبي بكسر الراء تعني حاخام يهودي، وقد سمي قديما باسم حمام اليهودي نظرا لأنّ منطقة سعيدة عرفت لعدة سنوات تواجد اليهود فيها، كما أنّ معنى ربي في قاموس ''لاروس''، لا تعني الإله أو الرب، وإنما اليهودي مثلما أبرزه مدير فندق المياه المعدنية حمام ربي بسعيدة، عبد القادر بختاوي، الذي تساءل حول حقيقة الاسم كون أنّه لا توجد أيّ مؤسسة دينية في الجزائر تحمل اسم ربي، وهو ما دفعه إلى مراسلة وزارة الشؤون الدينية والسلطات المعنية للبحث عن أصل التسمية وتغيير اسم الحمام، مثلما فعلت عندما غيّرت اسم مدينة الأصنام إلى الشلف، وحمام المسخوطين إلى حمام دباغ.
ويعدّ حمام ربي، من أهم المناطق السياحية التي يقصدها السياح والمرضى على حد السواء من داخل ومن خارج الولاية، حيث يوفّر لزائريه العلاج بالمياه المعدنية، وذلك في الجناح الطبي الذي يسهر عليه مختصين وأطباء، إضافة إلى الراحة النفسية وهذا نظرا للقيمة البيولوجية لمياهه التي ينصح بها للتدواي من بعض الأمراض الجلدية، والروماتيزم.
ويتوفر المركّب على هياكل استقبال لزوّاره، تتمثل في بنغالوهات ومطعم مصنّف، وجناح مخصص للرجال، وآخر للنساء.
وتؤكّد الطبيبة بوزار أم جيلالي، أنّ الزائر للمحطة المعدينة سيجد كل الراحة والآهتمام، حيث سخّرت إدارة المحطة كل الأجهزة سيما تلك المستعملة في تدليك مرضى الروماتيزم، مشيرا إلى أنّ سعر الحصة العلاجية الواحدة تتراوح من 400 إلى 800 دينار جزائري، سواء في حوض الاستحمام ''جاكوزي''، أو في جناح العلاج بالماء، أو في غرفة النضح بالمياه النفاثة.
غير بعيد عن حمام ربي، وعلى بعد 13 كلم شمال ولاية سعيدة، يقع حمام سيدي عيسى، ثاني محطة معدينة معروفة بالمنطقة، يتواجد ببلدية سيدي اعمر، يسير بالطريقة التقليدية ويضم 56 غرفة استحمام، وفّرتها إدارة الحمام للزائرين والباحثين عن علاج للأمراض الجلدية، التنفسية، وأمراض الروماتيزم.
محيط الحمام غير مؤهّل للأسف الشديد، فالطريق إليه طوبية، يصعب المرور عليها في فصل الشتاء حيث يتحول إلى بركة من الوحل، وقد سعى مسيّره حسين غوث إلى توسعته وإعادة تأهيله وفق المعايير الدولية، غير أنّ ملفه قوبل بالرفض لأكثر من 10 مرات. وبرّر رئيس مصلحة السياحة بمديرية السياحة والصناعة التقليدية هذا الموقف بكون المستثمر لا يملك الأرضية لتجسيد مشروع التوسعة، حيث تعود ملكية الأراضي المحيطة بالحمام إلى خواص، وهنا الدولة لا تموّل المشاريع السياحية إلاّ إذا كانت الأرض ملكيتها عمومية أو كانت لصاحب المشروع.
تيفريت...جوهرة سعيدة المنسية
عندما قدم مدير السياحة لولاية سعيدة دعوة لنا لتناول وجبة الغذاء بمنطقة تيفريت، التي تقع شرق مدينة سعيدة بحوالي 30 كلم لم نع سر الإلحاح في تلبية الدعوة دون الاستفسار عن المكان الذي نقصده، اكتفى بالقول: ''سنتناول وجبة الغذاء بأروع مكان يتواجد في سعيدة''، وعندما وصلنا المنطقة زادت حيرتنا إلى درجة أنّ البعض منّا تساءل عن سبب القدوم إلى قرية تظهر عليها علامات البؤس، والتأخر في ركب قطار التنمية...قرية لا يظهر منها سوى مسجدها الملون بالأخضر الفاتح، وبعض الأكواخ المبنية بالقرب من قمة الجبل القريب منها، والتي بدت لنا أنّها للماشية، حيث بنيت بطريقة عشوائية تعكس المستوى المعيشي لسكان المنطقة...سكان تبدو على وجوههم وأنت تلقي النظرة الأولى عليهم آثار الطيبة والكرم، ولكن عندما تتابع خطواتهم المثقلة تنكشف عنهم ما يخبؤونه من مشاكل وهموم، فالقرية تقع تحت سفح جبل في مساحة صغيرة من الأرض، يبلغ عدد سكانها 1500 نسمة، تهدّد حياتهم الصخور المتساقطة من الجبل، والفيضانات في الأرض، ومع ذلك ينتظرون بشوق إنهاء برنامج 201 الجاري إنجازه بالقرب من قريتهم، للتخلص نهائيا من التهديدات المحيطة بهم.
تيفريت رغم موقعها النائي، إلاّ أنّ خدمات الدولة بدأت تصل إليها، حيث تتوفر على مدرسة ابتدائية وربطت بالطريق رقم 94 الرابط بين سعيدة وتيارت، ويتطلع سكانها لأن تصنّف القرية كمنطقة للتوسع السياحي، فتيفريت تعد من المناطق الساحرة بولاية سعيدة، حيث تعرف بمغاراتها ومياهها المتدفقة في شكل شلال، حوّلت الجبال إلى منحوتات صخرية رائعة الجمال، وهو ما جعلها مقصدا للعائلات والسياح خلال كل فصول السنة، وسيما في فصل الربيع، حيث تتزيّن المنطقة بغطائها النباتي الذي يكسبها روعة وجمالا، ترسم فيه الطبيعة لوحات فنية رائعة، تجعل من المنطقة مكانا جميلا من الصعب مفارقته، فهل تلتفت السلطات المعنية إلى هذه الجوهرة يوما ما؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.