أربع خطوات ما بين الجدار والجدار، أربعة أعمار أو أكثر بالانتظار. بين جدار وأفق تقف الأحلام. التوت شفتاه بابتسامة ساخرة: ينظر لعقارب الساعة، ماذا سيعني له الوقت بعد الآن؟ يفك حزام الساعة، يضعها بين قضبان النافذة الصغيرة الوقحة، تطل النافذة على جدار آخر بأربع خطوات وانتظار، يبتسم. يده على صدره، يربت على وجعه، يهدهد ثورة الخلايا المجنونة، يشعر بثورانها بقتلها لأنفاسه، يضغط عليها في محاولة عبثية لكبح جماحها، أو ربما لاستعطافها بالتأني قليلاً. الخطوات الأربع تتسع، تختفي الجدران، تحلّق طيور، يحلّق معها، لم ٌ تيبس أجنحته، وعيناه لا تذوي مع الأيام. المساحات تتلاشى، في رأسه تلتحم الأصداء: صوت أمه، ضحكات إخوته، هتاف الرفاق، أزيز الرصاص، آهات الأشجار، أرضٌ مصلوبةٌ وصرخات الأماكن. خطواتٌ في الرواق وصرير مفتاح، يضع يده على صدره، الخبيث يتفشى بين ضلوعه، عدوه الأخطر ورفيق زنزانته يخرج له لسانه من خلف عقارب الساعة، يسخر منه، من وجعه، يهز برأسه: سأهزمك قريباً! الباب موصد بينه وبين الشمس، يتنفس الكبرياء ويغني للوطن، يطلق الزفرات، الغيم رسول الصلوات والسنديانة تبكي، تغالب الحرية الموت فتغلبه وتهديه الابتسام فيسخر من الوقت وتخجل ساعته من الانتظار.