صناعة القنابل والمتفجرات... قاعدة خلفية لثورة نوفمبر أدى الشهيد مختار كريتلي، المدعو «سي بن يوسف»، ابن مدينة قرواو- شمال البليدة، دورا فعالا في الإعداد للثورة من خلال التحضير لصناعة البارود والقنابل والمتفجرات، وفق شهادات لمجاهدين من رفقاء دربه في النضال. أوضح 18 مجاهدا من المنظمة الوطنية للمجاهدين، في وثيقة شاركوا في ضبطها عن الشهيد سي بن يوسف، تحصلت وكالة الأنباء الجزائرية على نسخة منها، أن هذا الأخير قام «بدور فعال في الإعداد للثورة، حيث شارك في تحضير مركز لصناعة البارود والقنابل والمتفجرات ولم يدخر جهدا في سبيل الإعداد للثورة، لأنه كان يؤمن بأن وقت الجدل السياسي قد مر ولا بد من استعمال العنف، لأنه اللغة التي يفهما الاستعمار». كما كان لسي بن يوسف دور فعال في الفاتح نوفمبر 1954 بالمتيجة، حيث نفذ عدة عمليات أثرت في قوات الاستعمار، لأن المنطقة كانت تحت مراقبته المباشرة، وفق ذات الوثيقة التي ضبطها كل من المجاهدين أحمد بوشعيب وامحمد فتال ومصطفى عائد وبوعلام قانون وعبد القادر رابح وسليمان الطيب وبوعلام بوقرعة وبوعلام بورقعة وعبد القادر خالي واحمد بلهوان وقدور معسكري والمحفوظ عوشة ومحمود عيسى الباي ومحمد العمراوي ومحمد حميدوش وعمر عبد الرحمن ومحمد مساري والطيب برزالي. من جهته، أكد المناضل عمر عزي، في شهادة أدلى بها للمجاهد محفوظ سليمان، ضمن سلسلة كتب «أبطال البليدة، تبعا لشهادات رفقاء الكفاح وعائلات الشهداء»، أن سي بن يوسف أشرف على تنظيم العمليات الأولى لاندلاع الثورة في ليلة الفاتح نوفمبر 1954، حيث شارك في الفوج الذي قام بالهجوم على المجمع الهاتفي ببوفاريك. وقبيل اندلاع الثورة، كان الشهيد سي بن يوسف مسؤول التنظيم بالمتيجة، حيث قام بتأسيس أولى كتائب الجهاد وأفواج الفداء في البليدة وضواحيها فكان يعمل على استقطاب الرجال وتنظيمهم وتكوينهم حتى أصبحوا فيما بعد قادة عظماء يقودون الجهاد على خطى قائدهم الأول مختار كريتلي. ومن بين الزعماء الذين كانوا تحت قيادته بوجمعة سويداني وسي زبير وبوعلام نمديل وحسين دودو وعلي برزالي وعلي بن قربان وبوعلام قانون ومحمد ملاح ومصطفى سي جحا. وقبل اندلاع الثورة، كان سي بن يوسف أيضا مسؤولا لقسمة الصومعة، في الوقت الذي كان رئيس بلدية هذه القرية العقيد أستي، مستشار الحاكم العام بالجزائر، يسعى لمسخ الفرد الجزائري وجعله مسخّرا لخدمة الاستعمار. غير أن سي بن يوسف وقف أمام العقيد أستي وأحبط كل أساليبه ومخططاته التي كانت تهدف الى دفع الجزائري إلى الاستسلام والخضوع للاستعمار. كما كان كريتلي مختار بالمرصاد لهذه الأساليب الجهنمية، فنظم اجتماعات في الدواوير والغابات والبيوت وفضح أهداف الاستعمار ورئيس بلديته ودعا المثقفين والمناضلين في حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية من البليدة والجزائر لإلقاء المحاضرات وتنظيم النقاشات مع المناضلين لرفع مستواهم السياسي والعقائدي، حيث استطاع هؤلاء المناضلون، بفضل مخطط سي بن يوسف، أن يتغلبوا على أبواق السياسة الاستعمارية التي انكسر أتباعها وانحسروا في جماعة قليلة لا تتجاوز العشرة أشخاص فقط التفوا حول العقيد أستى. كما شهدت بلديات الصومعة وبوينان وبوفاريك، انضمام شبابها لنفس الحزب، حيث أصبحت القسمة بهذه المنطقة مثالا يحتذى به على المستوى الوطني، رغم سياسة البطش التي مارسها الاستعمار والذي لم يكن يقبل أبدا بأن يحدث مثل هذا التنظيم القوي في قلب المتيجة. واستنادا لما ذكره رفيق دربه المجاهد محمد مفتاح، في حصة إذاعية مسجلة، فقد كان سي بن يوسف يحمل القضية الجزائرية في قلبه وسعى إلى تنظيم عدة اجتماعات هي أشبه بالمهرجانات، شارك فيها مناضلون من خارج القسمة وحضرها مسؤولون على المستوى الوطني، مثل اجتماع سيدي المهدي سنة 1950 واجتماع قرواو سنة 1951 ووادي الخميس سنة 1952 وغيرها... لبث الروح الوطنية في نفوس المناضلين تحضيرا للثورة. وجاء في الوثيقة المذكورة سابقا، أن سي بن يوسف كان أول من سعى الاستعمار في طلب اعتقاله، صبيحة أول نوفمبر 1954، وبفضل يقظته المستمرة نجا بأعجوبة من الشرطة الفرنسية. كما كان له الفضل في مد النظام خارج المتيجة لصلته النضالية القديمة والمتينة بكل جهات الوسط، فاتصل بالشهيد الطيب الجغلالي بناحية بني يعقوب (المدية) الذي نشر النظام بكل ناحية المدينة واتصل بمناضلي مليانة والخميس (عين الدفلى) وتم اختيار الشهيد عليلي (سي البغدادي) للاتصال بمنطقة الشلف والونشريس وجبال الظهرة. وفي 18 أوت 1956، أثناء توجهه من المتيجة الى سباغنية (نواحي حمام ملوان) للمشاركة في مؤتمر الصومام، بوغت الشهيد بعملية عسكرية قام بها العدو فاستشهد يومها، لتفقد المنطقة أحد قادتها الذي كان لهم الفضل الكبير في نشر الثورة وتدعيمها. وأطلق اسم الشهيد مختار كريتلي على أحد أكبر شوارع مدينة الورود وعلى العديد من المؤسسات التربوية والأحياء السكنية. كما شيد له نصب تذكاري بمسقط رأسه بقرواو تخليدا لروحه الطاهرة.