فلسطين على رأس أولويات قمم الجزائر منذ انضمامها إلى جامعة الدول العربية بعد أقل من شهرين عن استقلالها، استضافت الجزائر ثلاث قمم عربية في دورتين عاديتين وواحدة استثنائية طارئة، وامتازت مواضيع القمم العربية التي استضافتها الجزائر باهتمامها بالأمن القومي ودعم فلسطين ظالمة أو مظلومة، فملف القضية الفلسطينية لطالما تصدّر طاولة الاجتماعات الثلاثة السابقة، وها هو اليوم يتصدّر أجندة القمة ال 31 بعد أن سبقته قمة للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية على أرض مكة الثوار. أوضاعٌ حسّاسة استضافت فيها الجزائر القمم العربية السابقة، ولم تحد قمة نوفمبر 2022 عن هذه الميزة، فالظرف الذي تستضيف فيه الجزائر القمة العربية ال 31 يعرفه العام والخاص، فوسط أزمات عالمية اقتصادية وصحية وتوتّرات جيوسياسية وأمنية، ومرحلة مفصلية تعيشها القضية الفلسطينية تعود الجزائر لاحتضان القادة العرب على أرضها، وهي التي جمعتهم ثلاث مرات من قبل، أولها سنة 1973 يومها قرّرت 16 دولة عربية مشاركة في القمة إثر حرب أكتوبر، التمسك بانسحاب الصهاينة من جميع الأراضي المحتلة وفي مقدمتها القدس، مؤكدة دعمها للشعب الفلسطيني من أجل استعادة حقوقه الوطنية الثابتة. وفي جوان من سنة 1988، حرص القادة العرب برئاسة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد على دعم الانتفاضة الفلسطينية والتنديد بالاعتداء على سيادة ليبيا، ولم تمر سوى أشهر قليلة بعدها حتى أعلن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من الجزائر أثناء اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني عن وثيقة الاستقلال وقيام دولة فلسطين. ولم تكن الأوضاع التي أحاطت بقمة مارس 2005 ببلد المليون ونصف المليون شهيد أقل توترا من سابقيها، فغيّب الموت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أشهرا قليلة قبل انعقاد القمة، واهتزّ العالم والمجتمع العربي على وجه الخصوص لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
نوفمبر 1973..قمّة بتداعيات حرب أكتوبر قمّة الجزائر العادية نوفمبر 1973 هي القمة السادسة في تاريخ الجامعة العربية والأولى التي تحتضنها الجزائر، انعقدت بدعوة من الرئيس الجزائر الراحل هواري بومدين، وعرفت مشاركة 16 دولة عربية بمبادرة من مصر وسوريا عقب حرب أكتوبر، كما شهدت الدورة انضمام موريتانيا لأول مرة بجامعة الدول العربية. وانبثق عن القمّة قرارات تتعلق بتداعيات حرب أكتوبر، حيث تمّ إقرار شرطين للتهدئة، ويتعلق الأول بانسحاب الكيان الصهيوني من جميع الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها القدس، فيما يخص الثاني استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية الثابتة. بالإضافة إلى تقديم جميع أنواع الدعم المالي والعسكري للجبهتين لسورية والمصرية من أجل استمرار نضالهما ضد العدو الصهيوني، وشدّدت مخرجات القمة على استمرار استخدام سلاح النفط العربي، ورفع حظر تصدير النفط للدول التي تلتزم بتأييدها للقضية العربية العادلة، وتوجيه تحية تقدير للدول الأفريقية التي اتخذت قرارات بقطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني. واتّفق القادة العرب المجتمعين بالجزائر على القيام بإعادة تعمير ما دمّرته الحرب من أجل رفع الروح النضالية عند الشعوب العربية. ويرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عبد الرزاق صاغور، أنّ العالم العربي قبيل القمة العربية السادسة سنة 1973، كان على اتفاق بالدور الكبير الذي لعبته الجزائر في حرب أكتوبر، إى جانب الدول العربية المشاركة في الحرب ضد الكيان الصهيوني. ومنحت حرب أكتوبر 1973 مصداقية أكبر للجزائر وسمعة طيّبة بالوطن العربي، من خلال التنسيق الكبير الذي أشرفت عليه قبيل الحرب، وجهودها في احتضان الاجتماعات بين القادة العرب على الأراضي الجزائرية، سواء مع الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز آل سعود، أو الرئيس السوري حافظ الأسد، والرئيس المصري أنور السادات. وفي ذات السياق، يؤكّد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، الدكتور عبد القادر سوفي، أن ذكر القمة العربية الأولى التي احتضنتها الجزائر يرتبط ارتباطا وثيقا بحرب أكتوبر1973، والقفزة النوعية في الدبلوماسية الجزائرية سنة من بعدها. وأضاف الأستاذ سوفي أنّ القمة العربية الأولى على أرض الثوار جاءت على ضوء ظروف استثنائية ميزتها ظاهرة يمكن تسميتها بتمرّد الكيان الصهيوني على النظام الدولي وبمعية دول كانت يفترض أنها تحمي القانون وميثاق هيئة الأممالمتحدة، ومن هذا المنطلق استجابت الجزائر للنداء المقدس وسعت بكل ما لديها من دعم سياسي ومادي وعسكري. وأشار محدثنا إلى بروز سلاح الطاقة الذي استعملته الدول العربية في حرب «73»، وأثره على المجتمع الدولي والنظام الدولي، وهنا ظهرت بوادر القوة الحقيقية التي يمكن أن يستغلها العرب يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وبالإضافة الى هذا الوضع الذي أحاط بالقمة العربية التي استضافتها الجزائر يذكر الأستاذ عبد القادر سوفي بإدخال القضية الفلسطينية الى هيئة الأممالمتحدة والمناداة بنظام دولي اقتصادي جديد، وكل هذه المحطات التي أحاطت بقمة «73» أعطت لها بعدا دوليا وإقليميا مهمّا مثلما هو الحال اليوم لقمة نوفمبر. جوان 1988..أوّل قمّة استثنائية على أرض الجزائر بعد خمسة عشرة سنة عن أول قمة بالجزائر، يَحّل تاريخ جوان من سنة 1988 ليدوّن احتضان الجزائر قمّة عربية ثانية، وتميّزت القمة بكونها قمة استثنائية طارئة هي الخامسة من نوعها في تاريخ القمم العربية حتى تاريخ انعقادها الذي أتى بمبادرة من الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد من أجل بحث مستجدات الأوضاع في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة آنذاك وإدانة الاعتداء على الجمهورية الليبية الشقيقة، وهي القمة التي سبقت إعلان قيام دولة فلسطين من على أرض الجزائر الطاهرة لتكون القمة مقدمة لبزوغ فجر الدولة الفلسطينية، وهو ما دفعت ثمنه الجزائر لاحقا بعشرية عرفت بالمأساة الوطنية خرجت فيها الجزائر ككل مرة منتصرة على فلول الإرهاب. وجاء البيان الختامي لقمة جوان 1988 مُشبّعا بقرارات تمحورت حول دعم القضية الفلسطينية، والتنديد بالاعتداء على ليبيا دعم الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، وتعزيز فعاليتها وضمان استمراريتها، بالإضافة إلى المطالبة بعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط تحت إشراف الأممالمتحدة، وتجديد التزام المؤتمر بتطبيق أحكام مقاطعة الكيان الصهيوني. وعبّرت القمّة عن الوقوف إلى جانب لبنان في إزالة الاحتلال الصهيوني من جنوبلبنان، بالإضافة إلى تجديد التضامن الكامل مع العراق، وإدانة الاعتداء على ليبيا، وتأييده لسيادة ليبيا على خليج سرت. وفي ذات السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر -03- الدكتور عبد القادر سوفي، أنّ القمة العربية الاستثنائية التي استضافتها الجزائر سنة 1988 جاءت أيضا على ضوء ظروف استثنائية وفي مرحلة فيصلية في تاريخ العلاقات الدولية، واستطاعت الجزائر في وقت صعب ميّز منطقة شرق أوروبا عرفت بمرحلة «بيريسترويكا»، وتعني إعادة الهيكلة وهي برنامج إصلاح اقتصادي أطلقه رئيس الاتحاد السوفياتي آنذاك، عقد قمة استثنائية تستهدف دعم القضية الفلسطينية وكل ما يهم الأشقاء العرب. وأضاف الأستاذ سوفي أنّ العالم كان يعيش آنذاك مرحلة الغليان، والتحول بعد نهاية الحرب الباردة وتصدع الاتحاد السوفياتي سنة من قبل موعد قمة الجزائر الاستثنائية، واستقبلت الجزائر الإخوة الفلسطينيين وحصنت المجال الجوي والبري من أجل تمكينهم من إعلان عن قيام دولة فلسطين في الجزائر وعاصمتها القدس الشريف. وأشار محدثنا إلى أنّ الأوضاع المحيطة بالقمة الاستثنائية سنة 1989، كانت تبدو بالنسبة للكثير أن التهديد يأتي من قبل الكيان الصهيوني، لكن في الحقيقة كانت بوادر النظام الدولي على وشك الانتهاء وانتهاء الثنائية القطبية ونحو الأحادية القطبية أين دفعت الجزائر عقبها الثمن في مرحلة التسعينيات، والتي تعتبر قمة 1988 من بين المواقف التي دفعت ثمنها الجزائر. مارس 2005 قمّة المصالحة العربية سبعة عشرة سنة بعد ثاني قمة استضافتها الجزائر وفي الذكرى الستين لتأسيس جامعة الدول العربية، استضافت الجزائر مرة ثالثة القمة العربية العادية في مارس 2005 من أجل مواصلة إيجاد حلول للقضايا العربية الشائكة، وأبرز ما ميّز هذه الدولة غياب حامل الغصن الأخضر وبطل الثورة الفلسطينية ورئيس دولتها المعلنة على أرض الجزائر ياسر عرفات، فأبو عمّار توفي قبل أربعة أشهر من انعقاد قمة الجزائر مارس 2004. وما ميّز القمة الثالثة على أرض الجزائر، تداعيات اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، بالإضافة الى الغزو الأمريكي للعراق وتداعياته التي ألقت بظلالها على سيادة العراق في تلك الفترة، فكان لوقع ووزن القمة العربية المقامة على أرض الجزائر للمرة الثالثة أثر وصدى انتظره الجميع، فتمخّضت عنها عدة قرارات أبرزها تمسّك الدول الأعضاء بالتضامن العربي، ممارسة ومنهجا بما يكفل صون الأمن القومي العربي، واحترام سلامة كل دولة عربية وسيادتها وحقها في الدفاع عن مواردها ومقدراتها وحقوقها، ومنع التدخل في شؤونها الداخلية أو استخدام القوة أو التلويح بها. بالإضافة إلى التأكيد مجدّدا على التمسك بالسلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط كخيار إستراتيجي لحل الصراع العربي الإسرائيلي، التشديد على أن عملية السلام كل لا يتجزّأ، وأن السلام العادل والشامل الذي تتطلع إليه شعوب المنطقة لن يتحقق إلاّ بعودة الحقوق العربية كاملة غير منقوصة إلى أصحابها. كما اتّفق القادة العرب على إعلان الدعم الكامل والمساندة التامة للشعب الفلسطيني في تعزيز وحدته الوطنية، وصلابة جبهته الداخلية والإعراب عن التأييد لجهود الحوار الوطني الفلسطيني، ودعم صموده في مواجهة ممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلي. ويمكن تسميتها - حسب المحلل السياسي الدكتور عبد الرزاق صاغور - بقمة المصالحة العربية بعد انقسام العرب إثر حرب العراق على الكويت إلى ثلاث كتل، ولم يتفق العرب ويتصالحوا بالشكل الذي بلغوه في قمة الجزائر 2005 التي أعادت الأشقاء الى أجواء التوافق الى حد بعيد، والى المصالحة والنقد الذاتي. ومن جهته، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبد القادر سوفي «دائما ما نربط القمم العربية بالأحداث الدولية، وقمة الجزائر سنة 2005 جاءت عقب ما يعرف ب «حرب الخليج الثالثة» والتدخل الأمريكي في العراق سنة 2003، الذي أدى إلى تفكيك الكتلة السوسيولوجية وإضعاف العراق، وربط ظاهرة الإرهاب ببعض الدول». وأشار الأستاذ سوفي إلى بوادر أخرى صار فيها من الصعب على أي دولة أن تحافظ على قرارها السياسي، وتستطيع أن تقوم بأي فعل خارج الإيعاز الغربي، خاصة وأن الاعتداء على العراق شكّل خرقا واضحا لسيادة الدول على أراضيها، كما أن حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني ألقت بظلالها هي الأخرى على الظروف المحيطة بقمة الجزائر 2005. نوفمبر 2022..لمّ الشّمل العربي وتوحيد الفصائل الفلسطينية تمر 17 سنة لتعود الجزائر من جديد الى واجهة القمة العربية باحتضانها القمة ال 31 في تاريخ الجامعة العربية، والرابعة على أرض المليون ونصف المليون شهيد، حاملة أجندة ثقيلة ووسط ظروف لم تحد عن ما أحيط بالقمم السابقة التي استضافتها أرض الثوار الوفية للقضية الفلسطينية، فكانت المصالحة التاريخية بين الفصائل الفلسطينية على أرض الجزائر أبرز حدث يسبق قمة نوفمبر، ناهيك عن الظروف الدولية الاقتصادية والجيو سياسية التي يشهدها العالم. فبعد أزمة صحية عالمية أرجأت اجتماع القادة العرب في القمة العربية لثلاث سنوات متتالية، تعود القمة العربية للانعقاد بالجزائر بدعوة من رئيسها عبد المجيد تبون، إذ يتزامن تاريخ انعقادها مع ذكرى عزيزة على كل عربي، وخاصة شعب الجزائر الذي يصادف ذكرى ثورته المجيدة. تاريخ الفاتح من نوفمبر شاهد على اندلاع أعظم ثورة في سنة 1954، وها هو يعود بعد 68 سنة ليشهد على عهد جديد في العلاقات العربية ولمّ شملها لمواجهة تحدّيات الراهن العالمي، فصانع القرار بالجزائر اليوم يستشرف المستقبل من خلال هذه القمة، يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبد القادر سوفي. وأضاف الأستاذ سوفي أنّ العالم اليوم يشهد تحولا نحو تعددية الأقطاب والعرب بإمكانهم نيل مكانة في هذه الأقطاب، خاصة وأن إعادة إحياء لعب ورقة الطاقة يبرز مثلما حدث سنة 1973، بالإضافة إلى استغلال الموقع الجغرافي الذي يتوسط العالم ويمتد على مساحة تقارب 14 مليون كيلومتر مربع، وبتعداد سكاني يقارب 400 مليون نسمة، وبقدرة إنتاجية لأهم موارد الطاقة تتجاوز 26 مليون برميل يوميا، ما يعني ثلثي إنتاج العالم. وأشار الأستاذ عبد القادر سوفي إلى أنّ القمة العربية أظهرت بوادر النجاح قبل لقاء قادتها في الفاتح نوفمبر الداخل، من خلال لقاء تقريب وجهات النظر بين الدول العربية، والاتفاق التاريخي للفصائل الفلسطينية، وإعلان الجزائر هو بمثابة خارطة الطريق لمدة سنة من أجل التنفيذ النهائي للاتفاق.