ما زال قادة المؤسسة الأمنية الصهيونية ووسائل الإعلام العبرية، تتحدّث عن الكمين الذي نصبه القائد في كتائب شهداء الأقصى المقاوم عبد الرحمن فتحي خازم حول منزله في حي «الغبس» في مخيم جنين، والذي جهّزه بالألغام التي فجرها لحظة تقدم وحدات المستعربين الخاصة نحوه، فكان بينها كما قال المتحدث باسم الاحتلال «وبين الموت ولحظة الجحيم القاتلة ثواني معدودة، تلاها معركة اشتبك خلالها خازم ورفيقه محمد ألونة بعدما رفضا الاستسلام، حتى تمكنت وحدات المستعربين من تصفيتهما». ويعترف قائد الوحدة العسكرية التي قادت الهجوم، أنّ الخطة كانت تقضي بتنفيذ العملية خلال ربع ساعة قبل أن تنفجر ثورة «عش الدبابير»، كما يسمي الاحتلال المخيم، لكن المقاومة اكتشفت العملية وهبّت للقتال، وخاضت اشتباكات مسلحة عنيفة مع قوات الاحتلال التي لم تتمكن من إخراج الوحدات الخاصة، إلا بعدما استقدمت ثلاثة ألوية عسكرية. عمّت أجواء السخط والغضب في مخيم جنين، بعد إعلان الأطباء استشهاد خازم ورفيقه ألونة، اللّذان يتمتعان بعلاقة وطيدة مع الجميع، وازدادت شعبيتهما لدورهما النضالي في مقاومة الاحتلال، فبعد عملية الشهيد رعد خازم في تل أبيب، بدأ الاحتلال باستهداف والده وابنه والعائلة بشكل كامل. المطارد فتحي خازم.. لكن حكاية عائلة خازم مع الاحتلال، تعود لسنوات بعيدة، عندما التحق المناضل فتحي زيدان خازم في ريعان الشباب بصفوف حركة فتح، فذاق تجربة الاعتقال مرات عديدة، ويروي ابن شقيقه الأسير المحرر نضال، «أن عمه فتحي خازم حمل لواء النضال والثورة في مرحلة مبكرة من عمره، استهدفه الاحتلال مرات عديدة، كان أهمها خلال انتفاضة الحجر، فقد كان من قادة حركة فتح والقوات الضاربة، لذلك طارده الاحتلال حتى اعتقل وقضى قائداً للأسرى في سجن النقب الصحراوي على مدار 5 سنوات، وبعد تحرره انخرط في صفوف الأمن الوطني وتدرج حتى أصبح عقيدًا، وقائداً في الصفوف الأمنية حتى التقاعد». عملية رعد.. بين اعتقاله ورحلة حياته، رزق فتحي خازم بثمانية أبناء، أكبرهم رعد وثانيهم عبد الرحمن، وكباقي أسرتهم عاشوا حياتهم في جنبات مخيم جنين هناك، نشأوا وتعلموا وأكملوا مسيرتهم التي انتهت بالمحطة الفاصلة استشهاد رعد إثر تنفيذه عملية «ديزينغوف» التي أسفرت عن مقتل 3 صهاينة. ويقول نضال: «بعد العملية مباشرة، طارد الاحتلال عمي فتحي وابنه عبد الرحمن الذي اتهم بالضلوع في مساعدة رعد بالعملية وإيصاله إلى الداخل، ورغم الضغوط والتهديدات الصهيونية تمردًا ورفضًا الاستسلام، لتبدأ رحلة المطاردة والاستهداف لهما». الأسير والمطارد تلقّى عبد الرحمن تعليمه في مدارس الوكالة حتى أنهى المرحلة الإعدادية، ويوضّح ابن عمه نضال، «أنّه توجّه للعمل في عدة مجالات، ثم شارك في انتفاضة الأقصى، فتعرض للاعتقال الأول عام 2017 لمدة 17 شهراً، وتكرّرت اعتقالاته التي لم تنل من عزيمته وانتمائه الوطني الصادق لوطنه وشعبه». ويضيف: «عبد الرحمن صاحب شخصية مميزة، فهو شجاع وطيب القلب، ولم يكن يخاف أو يهاب الاحتلال، هادئ وملتزم وخلوق، كان صاحب ابتسامة وحس فكاهة ويحب المزاح، باراً بوالديه ومحب لهم وخاصةً شقيقاته». منذ عملية ديزنغوف، أدرج اسم عبد الرحمن ووالده ضمن قائمة المطلوبين لإسرائيل، فانضم كما يروي ابن عمه لصفوف المقاومة، واشترى قطعة سلاح من حسابه الشخصي، واستخدمها لتنفيذ عدة عمليات إطلاق نار على أهداف عسكرية، لذلك اشتدت مقاومة الاحتلال وملاحقته ولوالده».ويكمل: «شارك عبد الرحمن في التصدي للاحتلال خلال كافة الهجمات التي تعرض لها مخيم جنين، وبعدما هدم منزل شقيقه رعد، أكمل المشوار وبدأ يستعد لخوض المزيد من المعارك مع الاحتلال حتى أصبح يتمنى الشهادة وهو يقاوم». العملية والكمين أمام التهديدات الصهيونية والكمائن، يوضّح نضال، «أنّ ابن عمه عبد الرحمن أخلى شقته بالمخيم وقام بتفخيخها، ونصب كمين فيها للاحتلال في حال تعرضه لأي هجوم، وعندما حاولت الوحدات الخاصة الوصول إليه فجر المنزل وقاوم حتى استشهد». ويقول: «فجر يوم الأربعاء، أدى عبد الرحمن ورفيقه محمد صلاة الفجر في مسجد الشهيد محمود طوالبة قرب المخيم، وعاد للمنزل لنيل قسط من الراحة، لكنه كباقي أهالي المخيم لم يكن يعلم أن وحدات المستعربين والقناصة تسللوا إلى حي الغبس الذي يقع فيه منزله، واحتلوا المنازل المجاورة، ونشروا فرق القناصة داخلها».ويضيف: «قبيل الساعة 9 صباحاً، وصلت سيارتان تحملان لوحة ترخيص فلسطينية، توقّفتا بسرعة أمام البوابة الرئيسية وحاصر أفرادها المنطقة، وبلمح البصر اقتحموا منزلنا وشاهدناهم في كل مكان، وسرعان ما تبين أن عبد الرحمن شاهدهم عبر كاميرات المراقبة وقام بتفجير العبوات حول المنزل الذي قصفه جنود الاحتلال، وقد كانت الطائرات المسيرة ترصد المنطقة، وحركتهما». ويكمل: «خلال الانفجارات ووسط إطلاق نار كثيف من عبد الرحمن ومحمد، حاولا الانسحاب وشق طريق لهما نحو أزقة المخيم، لكنهما فوجئا برصاص القناص الذي استهدفهما وأصابهما بشكل مباشر». خيّمت أجواء الرعب والقلق بالمنطقة ولدى عائلة خازم، بعدما زجّ الاحتلال العشرات من الجنود إلى المنطقة بدعم الوحدات الخاصة التي أصبحت محاصرة برصاص المقاومة، ويقول نضال، «أمام الانفجارات وإطلاق الرصاص أصبح مصيرهما مجهولاً، واعتقدنا أنّهما أصيبا واعتقلا، وبعد 3 ساعات وانسحاب الاحتلال شاهدنا جثتيهما مددتا في الشارع، وتبين أنهما استشهدا في بداية العملية». أهازيج الفخر.. «سلم على أخوك رعد والشّهداء»، هكذا خاطب الوالد المطارد خازم فلذة كبده في لحظة الوداع الأخير بشموخ وكبرياء، بينما تعالت أهازيج النسوة وسط التكبيرات وأزيز الرصاص، وقالت عمّته أمل: «دومًا أحب الشهادة وطلبها، رغم أنّنا كنّا نتوقّع استشهاده لم نكن نعلم أنه سيكون بهذه السرعة، تألمنا كثيراً لفقدان عبد الرحمن البطل صاحب القلب القوي والحسّاس جداً، والذي لا يعرف الخوف، لم يكن يقطع فرض صلاة ويحرص على تأديتها بالمسجد». وتضيف: «رغم مطاردته كان يصر أن يتواجد في منزله، ويرفض الاختفاء ولا يعرف الخوف من الاحتلال، وكان يردد «ما كتبه الله سنراه». أمّا شقيقته وعد فعبّرت عن اعتزازها رغم تألمها الكبير، وقالت: «شعور الفقدان مؤلم، لكننا كنا نعلم أنه سيستشهد في أي لحظة، وما خفّف عنّا أنّنا ودعناه ونحن مهيئين لهذه المكرمة التي منحه إياها رب العالمين، البشرى كانت في وجهه المبتسم، وكأنّ ربّنا بشّره وشاهد درجته في الجنة، وخلال وداعه شاهدنا وجهه يشع نوراً». ووالده المطارد فتحي خازم الذي استقبله وودّعه بإرادة ومعنويات عالية صبرت الوالدة أم رعد وهنّأته بالشّهادة، وقالت شقيقته شيماء: «إنّ والدتي لم تبكِ وعبّرت عن رضاها بالقضاء والقدر، لأنّها على يقين بأن مثواهم الجنة، ونحن فخورين أنّنا نقدم لفلسطين التي وهبناها أبناءنا دون حزن، لمعرفتنا بمكانة الشهداء عند الله». وتكمل شقيقتها ماريا: «قبل استشهاد رعد لم نكن نتخيّل أن يحدث هذا، ولكن بعد هذا كله لا نخاف، فواحدة والدها أبو رعد، وشقيقها من أرعب تل أبيب، لا تعرف الخوف، بل نرفع رؤوسنا بوالدنا وشهدائنا». وتستدرك: «لم أشعر بفخر طوال حياتي كما شعرت به اليوم، أبارك للشهداء الجنة، ونسأل الله أن يحمي والدنا الذي ربّى أبناءه على كلمة الحق، وكان دوماً ناصراً للحق، مقبلاً غير مدبّر، وأبناؤه ساروا على نهجه، ربّنا أعطاه فخر الدنيا والآخرة، اللّهم اجعله من الصّابرين».