أجمع معظم المتدخلين في قمة المناخ ال27 (كوب 27) التي انعقدت في شرم الشيخ المصرية، على خطورة الأزمة المناخية التي تهدد العالم، مشدّدين على ضرورة التّحرك، واتخاذ خطوات عملية من أجل خفض حرارة الكوكب، وخلال ذلك شدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش على أن الفوضى المناخية هي السبب الرئيس في الصراعات العالمية، ودعا إلى اتفاق بين الاقتصادات المتقدمة والنامية والناشئة من أجل البيئة ولصالح البشرية، مؤكدا على أهمية التخلي عن الفحم كمصدر رئيسي للطاقة وتجنب أضراره الخطيرة، والتوجه نحو تغيير النهج الاقتصادي وتوفير موارد مالية للحياد الكربوني والاعتماد على مصادر متجددة ونظيفة من بينها الهدروجين الأخضر. وبحسب تقرير حديث صادر عن منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول «أوابك»، فقد أبدت عدة دول اهتمامها بالهدروجين، وقام البعض منها بالشروع في إعداد وتطوير رؤى واستراتيجيات تقوم على تحديد أفضل الطرق لتوفير إمدادات الهدروجين، سواءً عبر الإنتاج المحلي أو الاستيراد، كما عملت بعض الدول على دراسة فرص الاستثمار بغرض التصدير إلى الأسواق المحتملة، وإبرام اتفاقيات أولية معها بما يضمن لها حصة في التجارة الدولية للهدروجين مستقبلاً. بحسب تقرير صادر عن «أوابك»، فقد ارتفع عدد الدول التي أعلنت عن استراتيجيتها الوطنية لاستغلال الهدروجين الأخضر إلى 18 دولة مع مطلع عام 2022، وهذا بعد انضمام كل من سلوفاكياوبلجيكا إلى القائمة. وكانت بلجيكا قد أعلنت شهر أكتوبر من سنة 2021 عن استراتيجيتها الوطنية للهدروجين، ووضعت هدفاً لإنتاجه باستخدام أجهزة التحليل الكهربائي بقدرة أولية تصل إلى 150 ميغاواط بحلول عام 2026، وبهذا، أصبحت القائمة النهائية للدول التي أعدت إستراتيجيتها الوطنية الخاصة باستغلال الهدروجين الأخضر، تشمل غالبية الدول الأوروبية مثل ألمانياوبلجيكا واسبانيا والبرتغال وفرنسا وهولندا، كما تضم دول في منطقة آسيا والمحيط الهادي، منها أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية. أما في منطقة الأمريكيتين، فتضم القائمة كل من كندا وتشيلي وكولومبيا، وبخلاف ذلك، ارتفع عدد الدول التي تعمل على الانتهاء من إعداد الإستراتيجية الوطنية للهدروجين إلى 9 دول بعد انضمام كل من الجزائر وأوزباكستان إلى القائمة، كما يوجد عدد لا بأس به من الدول التي أنهت، أو تعمل على إعداد خارطة طريق لاستغلال الهدروجين وهذا بإجمالي 13 دولة، وبذلك يصل عدد الدول التي بدأت تعمل على خطط واستراتيجيات خاصة بمصدر الطاقة النظيفة هذه إلى 40 دولة، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي الذي أعلن عن الإستراتيجية الأوروبية للهدروجين منتصف عام 2020. وفي شهر أكتوبر 2021 قامت وكالة الطاقة الدولية بإصدار تقرير بعنوان «مراجعة قطاع الهدروجين العالمي 2021»، الذي يشير إلى سرعة التوجه العالمي للاستفادة من مساهمة الهدروجين المحتملة في نظام الطاقة المستدامة، وبحسب التقرير، كانت استراتيجيات استخدام الهدروجين متبناة في عام 2019 من قبل عدد محدود من الدول وهي فرنسا واليابان وكوريا الجنوبية، أما في الوقت الحالي، فقد أصدرت 17 دولة استراتيجيات الهدروجين الخاصة بها، وأعلنت أكثر من 20 دولة أخرى أنها تعمل على تطوير استراتيجيات للهدروجين، كما تسعى العديد من الشركات للاستفادة من فرص الأعمال المرتبطة بمصدر الطاقة النظيف هذا. تطور مشاريع استغلال الهدروجين بحسب تقرير منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، فقد أبدت العديد من الحكومات والشركات اهتماما كبيراً بالاستثمار في مشاريع إنتاج الهدروجين الأزرق والأخضر، وتطبيقات استخدامه خاصة في قطاع النقل الذي ينتظر أن يشكل واعداً لمصدر الطاقة هذا، خاصة مع تسارع العديد من الدول في الإعلان عن خطط لتوسيع استعمالها للسيارات الكهربائية المشتغلة بخلايا الوقود (السيارات الهجينة). وبنهاية عام 2021، بلغ إجمالي عدد المشاريع المعلنة لإنتاج ونقل واستخدام الهيدروجين نحو 522 مشروعاً باستثمارات إجمالية تقدر بنحو 540 مليار دولار، وتتوزع هذه المشاريع في كل مناطق العالم تقريباً، لكن تستحوذ أوروبا على العدد الأكبر منها بما يعادل نحو 50% من إجمالي عدد المشاريع المعلنة، لتؤكد القارة العجوز على ريادتها المستقبلية في هذا المجال، تليها منطقة آسيا بنحو 23% من إجمالي عدد المشاريع المعلنة لإنتاج الهدروجين. وتعكس تلك الخطط والمشاريع المعلنة حجم الزخم والاهتمام الدولي من قبل الحكومات والشركات والمؤسسات الدولية للاستثمار في مجال الهيدروجين، وحسب ذات المصدر، سيصل إجمالي الطاقة الإنتاجية بحلول 2030 إلى 30 مليون طن في السنة، والتي ستعتمد بنسبة 50% على الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة لإنتاج الهدروجين الأخضر، والتي بدورها ستتطلب تركيب 93 جيغاواط من أجهزة التحليل الكهربائي، أما ال 50% المتبقية فستعتمد على أنواع الهدروجين الأخرى منخفض الكربون (مثل الهدروجين الأزرق). من جانب آخر، تطرق التقرير الصادر عن وكالة الطاقة الدولية، إلى الطلب العالمي على الهدروجين الذي وصل مستوى 90 مليون طن في عام 2020، وتركز الطلب بشكل رئيسي في صناعة التكرير والتطبيقات الصناعية، ويذكر أن سيناريو صافي الانبعاثات الصفرية لوكالة الطاقة الدولية يفترض نمو الطلب على الهدروجين بمقدار ستة أضعاف عن المستويات الحالية لتلبية 10% من إجمالي الطلب العالمي النهائي على الطاقة بحلول علم 2050. وأكد التقرير ذاته، أن دول العالم في حاجة إلى زيادة الطموحات ودعم الطلب على الهدروجين، فقد التزمت الدول التي اعتمدت عن استراتيجياتها، باستثمار ما لا يقل عن 37 مليار دولار، وأعلن القطاع الخاص عن استثمارات إضافية بقيمة 300 مليار دولار، ولكن من أجل وضع قطاع الهدروجين على المسار الصحيح لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، فإن الأمر يتطلب استثمارات بقيمة 1.2 تريليون دولار في إمدادات الهدروجين منخفضة الكربون واستخدامها حتى عام 2030. تزايد الاهتمام العربي بالهدروجين على الصعيد العربي، ارتفع عدد الدول المهتمة بالاستثمار في مشاريع إنتاج الهدروجين، وأعلنت عن خطط ومشاريع في هذا الصدد إلى 9 دول بعد انضمام دولة قطر، لتشمل القائمة النهائية كل من الجزائر والإمارات والسعودية، قطر، العراق، مصر، عمان، موريتانيا والمغرب. وبحسب التقرير الخاص بتطور الغاز الطبيعي المسال والهدروجين خلال الربع الرابع من عام 2021 الصادر عن منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول «أوابك»، فقد شهدت الفترة التي أعد فيها التقرير نشاطا ملحوظاً من جانب الدول العربية في سبيل تعزيز التعاون والشراكة الدولية في مجال الهدروجين، والسعي نحو تنفيذ مشاريع عملاقة، وتوقيع مذكرات تفاهم، منها ما يقوم على إنتاج الهدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، بينما يقوم البعض الآخر على التوسع في إنتاج الهدروجين الأزرق ومشتقاته مثل الأمونيا الزرقاء، علاوة على إعلان أول خارطة طريق وطنية للهدروجين. وفي ضوء هذه التطورات المتسارعة، ارتفع عدد مشاريع إنتاج واستخدام الهدروجين المعلنة في الدول العربية إلى 34 مشروعاً، غالبيتها لإنتاج الهدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء بإجمالي 23 مشروعاً، بينما خصصت 9 مشاريع لإنتاج الهدروجين الأزرق والأمونيا الزرقاء، ومشروعين لاستخدام الهدروجين كوقود في المركبات العاملة بالوقود التقليدي الأحفوري. إستراتيجية الجزائر لاستغلال الهدروجين في الجزائر، كانت شركة ENI الإيطالية قد أعلنت نهاية 2021 عن تأسيس كيان جديد باسم NewCo يكون مسؤولا عن إدارة تشغيل خط نقل الغاز بين الجزائر وإيطاليا بحصة 50.1% لشركة Eni التي تنازلت عن الحصة المتبقية وقدرها 49.9 % لشركة Snam، وهي خطوة اعتبرتها شركة Snam أنها ستعزز أمن إمدادات الطاقة إلى أوروبا، ويمكن استغلال البنية التحتية في شمال افريقيا لتكون مصدراً للهدروجين الأخضر إلى الأسواق الأوروبية، وعلى صعيد الخطط والاستراتيجيات، فقد تم تشكيل اللجنة الوطنية لإعداد الإستراتيجية الوطنية للهدروجين والتي تسمح للجزائر بإطلاق مشاريع إنتاج الهدروجين مع الأخذ بعين الاعتبار كل مقدرات وإمكانات الدولة، إضافة إلى التطورات التي تحدث على المستويين الإقليمي والدولي في مجال إنتاج الهدروجين وبالأخص الأخضر. وفي بداية شهر ماي 2022، كان وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، قد أكد خلال كلمة ألقاها بمناسبة اليوم ال26 للطاقة، أن الجزائر قادرة على لعب دور إقليمي بارز في مجال إنتاج الهيدروجين، بحيث أن المعلومات الأولية تظهر أن الجزائر تملك إمكانيات كبيرة تسمح لها بتأدية دور إقليمي بارز في هذا المجال، فهي تمتلك مقومات كبيرة ومزايا تنافسية تؤهلها للدخول في صناعة الهيدروجين، مشيرا على وجه الخصوص إلى توافر مصادر الغاز الطبيعي لدعم إنتاج الهيدروجين الأزرق، واعتبر عرقاب أن الهيدروجين الأزرق (ينتج انطلاقا من الغاز مع احتجاز الانبعاثات الكربونية) يعد «مهما» على المديين القصير والمتوسط حتى يمكن إنتاج الهيدروجين الأخضر (ينتج انطلاقا من الطاقات المتجددة) ب»فعالية وجدوى اقتصادية عالية». ويستدعي تطوير الهيدروجين في الجزائر توفير مجموعة من المتطلبات الأساسية ورفع عدة تحديات من أجل إنشاء بيئة اقتصادية مناسبة، حسب الوزير عرقاب، ويتعلق الأمر تحديدا بإعداد إطار تشريعي وتنظيمي ملائم، لتحديد القطاعات ذات الأولوية لاستعمال الهيدروجين، تحضير وتأهيل رأس المال البشري والبحث العلمي، إنجاز الدراسات اللازمة لبناء مشاريع تجريبية، البحث عن طرق التمويل وكذا تطوير علاقات وفرص التعاون الدولي من جهة أخرى، سبق لمحافظ الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية، نور الدين ياسع، أن أكد في حوار أجراه مع وكالة الأنباء الجزائرية، أن الجزائر بفضل إمكاناتها الكبيرة من الطاقة الشمسية، ومواردها الكبيرة من الغاز الطبيعي والبنى التحتية المرافقة، تعد في وضع جيد لإنتاج الهيدروجين الأخضر وربما الأزرق (انطلاقا من الغاز الطبيعي مع التقاط الكربون وتخزينه) بتكاليف جد تنافسية، وأشار ياسع إلى أن العديد من الدراسات التي أجراها مركز تنمية الطاقات المتجددة وهيئات بحثية وطنية ودولية أخرى، أظهرت بوضوح المزايا الهامة جدا التي يمكن للجزائر الاعتماد عليها في التحول نحو استغلال الهيدروجين، وخاصة الأخضر، كناقل للطاقة النظيفة.