تعيش القضية الصحراوية أوج نشاطها الدبلوماسي بتحقيق انتصارات على المحتل المغربي بفضل نضالها على مدار نصف قرن، تمكّنت خلاله من حصد الاعتراف والدعم من دول عديدة، ومن شعوب العالم والمنظمات الحقوقية، والقرارات الدولية والإقليمية التي تنصفها وتدين الاحتلال المغربي، وتوّجت هذه الإنجازات بعقد المؤتمر السادس عشر لجبهة البوليساريو على مدار هذا الأسبوع، تميز بحضور كثيف لسياسيين ومنظمات دولية حكومية وغير حكومية. ورافق انطلاق اشغال المؤتمر ظرف دولي مغاير، وانكشاف فضائح نظام المخزن للتعتيم على أقدم القضايا العادلة في القارة السمراء، والتي رغم وضوح الحل فيها إلاّ أنها مازالت تعاني من ابتزازات سياسية، من إخراج المخزن ومخابراته الفاشلة، التي كان مصيرها الفضيحة في كل مرة. لتبدأ القضية الصحراوية مسيرة جديدة في مسار التحرّر كآخر مستعمرة في أفريقيا. وفود من 30 دولة حلّت ضيفة على مدينة الداخلة الصحراوية للمشاركة في فعاليات المؤتمر السادس عشر لجبهة البوليساريو، حسب تصريح الناطق الرسمي باسم اللجنة التحضيرية لمؤتمر البوليساريو، سلمى الداف. وشاركت الدول العربية والإسلامية ب15 وفدا من تركيا، فلسطين، لبنان، سوريا، تونس، السودان. ومثّل إفريقيا ما وراء الصحراء، 13 شخصية حكومية وحزبية وجمعيات من المجتمع المدني من خمس دول، هي جنوب إفريقيا، أوغندا، زيمبابوي، موزمبيق، تانزانيا. و13 شخصية من ستّ دول من أمريكا اللاتينية، أما العدد الأكبر فمثّلته الوفود الأوروبية، حيث شارك في المؤتمر أكثر من 78 شخصية حزبية وبرلمانية، وجمعيات من المجتمع المدني والحركة التضامنية مع القضية الصحراوية كفيدرالية جمعيات الصداقة الأوروبية مع الشعب الصحراوي، ورئيس وأعضاء من المجموعة البرلمانية للتضامن مع الشعب الصحراوي بالبرلمان الأوربي، ومن بلجيكا، وإسبانيا، وفرنسا وسويسرا، والسويد، والنرويج، وإيطاليا، وفيدرالية روسيا، والبرتغال وهنغاريا. هذا الحضور المتنوّع والممتد على أغلب القارات أعطى زخما للقضية الصحراوية، وينتظر أن يزيد من التعريف بها وبعدالتها، وبحقوق الشعب الصحراوي المنتهكة منذ نحو نصف قرن، حيث أعلنت كل الوفود المشاركة دعم ومساندة الصحراويين لاسترجاع حقوقهم وحريتهم المسلوبة. وذلك يزيد من قوة الموقف الصحراوي الشرعي والمشروع في كفاحه المسلح ضد المحتل المغربي. ظروف انعقاد المؤتمر انعقاد المؤتمر السادس عشر للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، جاء في ظرف دولي مغاير للمؤتمرات السابقة، فهو الأول بعد استئناف الكفاح المسلح ضد المحتل، الذي قرّر في 13 نوفمبر 2020، خرق هدنة دامت نحو 30 سنة، حيث وقّع الطرفان، الصحراوي والمغربي، اتفاقا لوقف إطلاق النار في سبتمبر 1991. ومما شجّع الاحتلال على هذا الخرق، هو موقف الولايات المتحدةالأمريكية خلال عهدة الرئيس السابق دونالد ترامب المتراخي إزاء المغرب، والذي أقرّ موافقته على طرح المخزن أحادي الطرف، حول الحكم الذاتي في الأراضي الصحراوية المحتلة، وتلا هذا الخرق اعتراف شخصي لدونالد ترامب عبر تغريدة على حسابه تويتر، يوم 10 ديسمبر 2020، قال فيها إنه وقّع اعترافا بسيادة المغرب المزعومة على الصحراء الغربية، وهو اعتراف خال من أي سند قانوني أو إلزام للدولة الأمريكية، على اعتبار أن الرئيس كان قد أنهى ولايته الرئاسية. وتزامن ذلك مع إعلان نظام المغرب التطبيع مع الكيان الصهيوني يوم 10 ديسمبر 2020، وإخراج العلاقات التي ظلّت سرية إلى العلن، اعتراف على حساب القضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في الحرية، مقابل وعد واهٍ باعتراف صهيوني بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهو ما لم يحدث إلى يومنا هذا، ما جعل المخزن يشحت اعترافا من الصهاينة الذين لم يعروه اهتماما، بعدما حصلوا على مرادهم بانضمام دولة أخرى إلى اتفاقات أبراهام المشؤومة. مواقف دولية تتمسّك الدول الكبرى الفاعلة على الساحة الدولية، الولايات المتحدةالأمريكيةوروسياوالصين، بالقرارات الأممية فيما يتعلق بإنهاء النزاع في الصحراء الغربية. وقال وزير خارجية روسيا الاتحادية قبل أشهر، إنه من الضروري التوصّل إلى "حل عادل ومقبول من طرفي النزاع" في الصحراء الغربية، ولم تؤيد الولايات المتحدةالأمريكية إلى الآن القرار الانفرادي للرئيس السابق دونالد ترامب في نهاية عهدته بالاعتراف بسيادة المغرب المزعومة على الصحراء الغربية، ونشر الرئيس جو بايدن في تغريدة على تويتر خريطة للعالم تبين أن الصحراء الغربية منفصلة عن المغرب، وهو ما اعتبر عدم اعترافه بقرار ترامب. بينما قالت الصين إنها تدعّم القرارات الدولية فيما تعلق بالقضايا الدولية ومنها القضية الصحراوية. إلى جانب هذه القوى، نجد فرنسا التي رغم دعمها المكشوف للرباط في كلّ صغيرة وكبيرة، فهي رسميا تؤيّد الحل الأممي وتدعّم استئناف المفاوضات بين المغرب والصحراء الغربية، من أجل التوصّل إلى حل سياسي عادل ودائم يقبله الطرفان، ويتماشى مع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهذا ما أكدته الوزيرة الفرنسية لأوروبا والشؤون الخارجية خلال زيارتها للمملكة المغربية نهاية السنة الماضية. وفي سبتمبر الماضي اتخذ مجلس الدولة الفرنسي قرارا بوقف صادرات المغرب الزراعية من الصحراء الغربية، وإحالة الملف على محكمة الاتحاد الأوروبي لتصدر قرارا بشأنه، وكانت هذه الأخيرة أصدرت قرارات تقضي ببطلان اتفاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي، كونها تستغل ثروات الشعب الصحراوي دون موافقته. إسبانيا، المستعمر السابق للصحراء الغربية، والتي تسبّبت في تقسيمها بعد طردها الثوار الصحراويين، حيث اقتسمت الأراضي الصحراوية بين المغرب وموريتانيا، قبل أن تنسحب هذه الأخيرة بضغط مغربي وتخليَ مكانها لصالحه، وبقيت (أي اسبانيا) على موقفها الداعم للقرارات الأممية، لكنها غيّرت موقفها في خطوة مفاجئة إزاء القضية الصحراوية، وقال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس في 19 مارس 2022 أمام الصحافيين في برشلونة: "تعتبر إسبانيا أن مبادرة الحكم الذاتي الاستعمارية المُقَدّمة في 2007، هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع" بين الرباط وجبهة بوليساريو. وجاء الإعلان على خلفية كشف الديوان الملكي المغربي رسالة سرية بعث بها رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز تحمل الموقف نفسه. وأثار القرار حفيظة الكثير من مؤيدي القضية الصحراوية والحلول الأممية، خاصة وأن إسبانيا تملك كل الوثائق حول الملف الصحراوي، سيما ما تعلّق بتعداد السكان في الإقليم غداة طردها منه. وهو عنصر مهم جدا لتنظيم استفتاء تقرير المصير؛ لأنه يكشف العدد الحقيقي للسكان الأصليين الصحراويين، ويفضح محاولات المخزن تغيير التركيبة السكانية للصحراء الغربية بغرض التشويش على نتائج تقرير المصير وتحويلها لصالحه في حال أجري الاستفتاء، على اعتبار أن المواطنين المغربيين الذين استُوطِنوا فيها سيختارون الالتحاق بالمملكة. عزلة المخزن.. من العوامل التي تصبّ في صالح القضية الصحراوية وعدالتها، الفضائح المدوية التي تفجّرت مؤخّرا في وجه المخزن، إذ تعيش دبلوماسيته سنواتها العجاف، وخابت الآمال التي علّقت على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني مقابل اعتراف الأخير بسيادته المزعومة على الصحراء الغربية ولم تزده إلا عزلة، وباعتراف الفاعلين السياسيين الداخليين الذين اعتبروا أن المغرب أصبح ملحقا للمحتل الصهيوني، حيث أوضحت الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، في بيان لها بمناسبة مرور سنتين على التطبيع أنه "تسبّب في إنهاك الاقتصاد الوطني المغربي، وتدمير القطاع الفلاحي عبر صفقات بذور مشبوهة، واستنزاف الثروات المائية، ونشر سلالات من النحل المتوحّش، وتجريب فيروسات وأمراض تدمر النباتات، وربط سوق المغرب المالية والصناعية بكيان ذي اقتصاد عسكري محدود السوق ومحدود الموارد، رهين للمؤسسة العسكرية ووزارة الحرب الصهيونية. ارتفاع مؤشرات الفساد يضاف إلى ذلك استشراء الفساد داخليا، وهو ما تضمنته تقارير حول تبييض الأموال، فهو واحد من خمس دول أفريقية وضعتها منظمة "غافي"، في فيفري 2021 تحت الرقابة بسبب عدم اتخاذ الإجراءات المنتظرة ضد تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. (و"غافي" منظمة حكومية دولية مقرها في العاصمة الفرنسية باريس، أسست سنة 1989م، وتهدف لمحاربة تزوير العملات وتمويل الإرهاب، ولديها 37 عضواً في المنظمة)، وزار منتصف الأسبوع الجاري المغرب وفد من المنظمة، للنظر في ملاءمة البلاد مع المعايير الدولية ومع الممارسات الفضلى على الصعيد الدولي وتعزيز فعاليتها، ورفع وتيرة التنسيق الوطني بين سلطات إنفاذ القانون وسلطات الإشراف والمراقبة والأشخاص الخاضعين والقطاع الخاص. وفي تقرير أخير، كشفت الهيئة الوطنية للمعلومات المالية بالمغرب، عن ارتفاع وتيرة حالات الاشتباه في جرائم غسيل الأموال بالمملكة مقارنة بالسنوات الماضية، ولفت التقرير إلى أن الهيئة تلقت 3409 تصاريح بالاشتباه، تتعلق بحالات مرتبطة بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب سنة 2021، من بينها 3363 تصريحا مرتبطا بغسيل الأموال، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 59 في المائة مقارنة مع سنة 2020. وفي حين تشير الأرقام المقدمة من هيئة رسمية حكومية إلى كمّ فساد مهول، يصرّ نشطاء مكافحة الفساد على أن التقارير المقدمة تظل بعيدة عن الواقع. ناهيك عن الزوبعة السياسية والاجتماعية التي أثارها امتحان الكفاءة المهنية لمزاولة مهنة المحاماة، حيث نجح في المسابقة أبناء مسؤولين في الحكومة، على حساب أبناء الشعب. «مغرب غيت".. رشاوى وفضائح وعلى الصعيد الدولي، ارتبط نظام المخزن بفضيحة مدوية، عرفت ب« مغرب غيت"، حيث تورط في تقديم رشاوي لنواب بالبرلمان الأوروبي، لتغيير قرارات تتعلق بحقوق الشعب الصحراوي لصالح المغرب، وحرمان الشعب الصحراوي منها، وقال تحقيق قضائي أوروبي إن أرشيف الاتحاد الأوروبي أوضح أن المغرب أحبط عدة تعديلات من بين 147 تعديلا أوروبيا سنة 2018 يتعارض والمصالح المغربية بشأن الصحراء الغربية. وهي فضيحة مازالت تسيل الكثير من الحبر، وتكشف كل يوم عن مستجدات لمساع دنيئة، ومخابرات فاشلة لم تستطع الحفاظ على سرية عملها. وصرّح مسؤولون أوروبيون رفيعو المستوى بعدم إفلات المغرب من الحساب، وأكد ممثل الاتحاد الأوروبي السامي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، في زيارة قادته إلى الرباط، إنه "لن يكون هناك أي افلات من العقاب" في فضيحة الفساد التي هزّت البرلمان الأوروبي والتي كان المغرب طرفا فيها. من جهتها وعدت رئيسة البرلمان الأوروبي، روبرتا ميتسولا، بمحاربة ظاهرة الفساد بصرامة داخل مؤسستها التي أضحت صورتها مشوّهة مؤخرا بسبب تورط مؤكد للعديد من أعضائها في فضيحة "مغرب غيت"، وأضافت خلال افتتاح الدورة الأولى للجلسة العلنية السنوية للبرلمان الأوروبي، الاثنين: "سنتخذ إجراءات قصد تعزيز محاربة الفساد ووسائل مواجهة التدخلات الخارجية"، مبرزة أن "أحداث الشهر الماضي أثبتت ضرورة إعادة بناء روابط الثقة مع المواطنين الأوروبيين الذين نمثلهم". انتهاكات حقوقية تحت المجهر ومن المقرّر، أيضا، أن يناقش البرلمان الأوروبي ويصوت على لائحة بخصوص حرية الصحافة وأوضاع حقوق الإنسان في المغرب، اليوم الخميس 19 جانفي، في سابقة هي الأولى منذ نحو ربع قرن. ويستند البرلمان في مشروع القرار المطروح للمناقشة والتصويت على المادة 144 من نظامه الداخلي. ويقرّ المشروع بأن وضع حرية الصحافة في المغرب قد تدهور باستمرار على مدى العقد الماضي، حيث انخفض إلى المرتبة 135 في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2022، وتعرض العديد من الصحفيين للمضايقة القضائية والترهيب وحكم عليهم بالسجن لآجال طويلة بسبب عملهم، كما أن السلطات المغربية وسعت إجراءاتها القمعية ضد الصحافة خارج حدودها، وذكر مشروع القرار حالة الصحفي الإسباني إغناسيو سيمبريرو، إلى جانب الصحفي المغربي عمر راضي، الذي تعرض لانتهاكات حقوقية جسيمة قبل أن يحكم عليه القضاء المغربي بالسجن ست سنوات. ويؤكد مشروع القرار أنه وفقا للجنة حماية الصحفيين، فقد استعملت السلطات المغربية الجرائم الجنسية منذ عام 2018 ضد العديد من الصحفيين المستقلين لاستهداف مقالاتهم الصحفية، حيث ناشدت منظمة مراسلون بلا حدود في عام 2020، إلى جانب المنظمة النسوية خميسة والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد المرأة، فيما يتعلق بإساءة استخدام التهم الجنسية لتشويه سمعة الصحفيين. النضال الصحراوي في الطريق الصحيح ما أشرنا إليه سابقا حول تدهو الوضع في المغرب وفضائحه، يعد مكسبا ثمينا لمسار نضال الشعب الصحراوي، الذي حُرم من حقوقه بسبب الاعتداءات المغربية والرشى المقدرة بملايين اليورو، لشراء ذمم نواب بالبرلمان الأوروبي. ولعلّ هذه الفضيحة تضعف القرارات والتعديلات السابقة التي رفضها البرلمان، وقد تتم إعادة النظر فيها، من جهة، ومن جهة أخرى تجعل البرلمان أمام مسؤولية تاريخية في إنصاف القضية العادلة، بفرض حظر شامل على الصادرات المغربية ذات المنشأ الصحراوي، وإعطاء مساحة أكبر للأصوات المؤيدة للقضية الصحراوية تحت قبة البرلمان الأوروبي. وهي نقاط تنتصر للموقف الصحراوي وتفضح أكثر المحتل المغربي، في المؤتمر السادس عشر للبوليساريو، الذي عرف مشاركة نوعية وكمية لممثلين عن دول وحكومات ومنظمات حكومية وغير حكومية، ومنظمات المجتمع المدني من مختلف بقاع العالم.