توحيد الجهود تجسيدا لتعاون مشترك في شتى المجالات تؤشر القمة الأخيرة 36 لرؤساء لدول وحكومات الاتحاد الإفريقي، يومي 18 و19 فيفري، مرة أخرى، على أبعاد إستراتجية للدبلوماسية الجزائرية في القارة، وجدية تعاطيها مع التحديات الدولية ومعالجة مشاكل القارة في أطر إفريقية بحتة، بمقاربة تخدم مصالح الأفارقة، قاريا ودوليا. وسط ما يشهده العالم من أزمات وتداعيات وتحديات جديدة، وما خلفته جائحة كورونا والحرب الروسية- الأوكرانية وأزمات في العلاقات الدولية، ما نتج عنه من ظاهرة الاستقطاب وتزايد البحث عن الموارد، خاصة الطاقوية، تظهر معالم مقاربة جزائرية متكاملة في الدائرة الإفريقية. انعقدت القمة الأخيرة 36 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، بحسب المحلل السياسي رابح زاوي، في تصريح ل «الشعب»، في ظروف استثنائية غير مسبوقة تُحتم على دول القارة أن يأخذوا زمام المبادرة في معالجة الأزمات الأفريقية وحل المشاكل بعيدا عن الضغوط الخارجية، وتوحيد الجهود تجسيدا لتعاون إفريقي مشترك في شتى المجالات. برأي زاوي، هناك تقارب وتقاطع بين دول إفريقية بمقدورها قيادة مشروع إفريقي جدي، في صورة الجزائر وجنوب إفريقيا ودول أخرى، قطعت أشواطا كبيرة في مسار التنمية المحلية، «بإمكان هذه الدول أن تتكامل في معالجة مختلف الأزمات وحل المشاكل الإفريقية في إطار حلول إفريقية بحتة، ما يعطي مساحة أكبر للدول الإفريقية لتكون صاحبة قرار»، مثلما يقول. استعادة الدور القاري يتحدث زاوي عن أبعاد الدائرة الإفريقية بالنسبة للجزائر، في آخر 3 سنوات، من منطلق عمق استراتيجي وعلاقات متينة وقديمة مع دول إفريقية تحترم الجزائر وتنظر إليها كدولة مرجعية، بالنظر إلى تاريخ الجزائر السياسي والدبلوماسي: «الجزائر في فترة سابقة كانت مرجعا في السياسة الخارجية والدفاع عن قضايا التحرر ومسائل التنمية وهي تستعيد هذا الدور برؤية جديدة تتوافق ومستجدات الوضع الدولي الراهن». تشخيص الجزائر يُبنى على معطيات ووضع القارة الأفريقية التي مازالت تشهد ظواهر في بعض البلدان، مثل التبعية، وهي مشكلة عويصة، بينما تعيش دول أخرى اضطرابات سياسية وعسكرية، ومعدلات نمو أقل من الطبيعي، وتحاول تغيير، رفقة شركاء، الصورة الذهنية المرسومة عند الطرف الغربي، وفق المصدر. وتابع قوله: «حتى في الأدبيات الغربية التي تتناول مسائل الأمن والتنمية دائما ما يتم النظر إلى الضفة الجنوبية على أنها مصدر للتهديد، وهذا ينعكس حتى في طريقة التعامل. لما نتحدث عن ظواهر كالهجرة غير شرعية الفقر والأمراض، منبعها الأساسي غياب التنمية، لذلك يتعامل الطرف الغربي مع نتائج الظواهر الموجودة في القارة الأفريقية وليس مع أسبابها، ولا توجد مبادرات حقيقة من قبل الغرب أو أطراف أخرى، الكل يبحث عن مصلحته الخاصة». من هذا المنطلق، يعتقد رابح زاوي أن قمة الاتحاد الأفريقية تأتي في ظرف استثنائي يُحتّم على دول القارة أن تأخذ زمام المبادرة، والاستثمار في تقارب وجهات النظر وتقاطعها بين الدول الرائدة في صورة الجزائر وجنوب إفريقيا ودول أخرى قطعت أشواطا كبيرة في مسار التنمية. بالمقابل، يربط المتحدث عودة الجزائر القوية إلى الساحة الأفريقية، وطرح خطوات جادة ذات أبعاد متكاملة ترتكز بالأساس على الجانبين الأمني والتنموي، سبقته إعادة العلاقات مع بعض الدول الإفريقية إلى مستوي نوعي وتجلى هذا في حجم الزيارات التي عرفتها الجزائر، في آخر 3 سنوات، من قبل دول افريقية ومشاركتها في عديد التظاهرات، وتركيز الجزائر على بعدين هامين وهما ثنائية الأمن والتنمية في إفريقيا. ثنائية الأمن والتنمية في هذا السياق، يقول رابح زاوي: «من الصعب الحديث عن التنمية في غياب الأمن، مثلما يستحيل الحديث عن الأمن في غياب التنمية، هما بعدان مرتبطان بخصوصيات القارة الأفريقية التي تعاني عدم استقرار مرتبط بهيمنة قوى استعمارية تقليدية على صناعة القرار في بعض الدول». بالمقابل، يُشير إلى ارتفاع موجات رافضة لهذا التواجد الخارجي في الفترة الأخيرة في دول بعينها، وهي مطالب متزايدة لفك الارتباط مع القوى الاستعمارية التقليدية: «الكثير من الدول الأفريقية أدركت أن بداية تقدمها مرتبط بفك الارتباط مع قوى استعمارية مازالت مهينة». على ضوء ذلك، يتجلى تركيز الجزائر، وفق زاوي، على ثنائية الأمن والتنمية من خلال مقاربة متكاملة: «هنا يقتضي أن نشير إلى أن الجزائر نجحت في حلحلة أزمات أفريقية ومشهود لها بذلك مثل الأزمة في مالي». الحديث عن لعب الجزائر دور ريادي في القارة الأفريقية والمبادرة بمقترحات توحد الأفارقة وتخلصهم من مآسي الفقر والأمراض والأزمات الاقتصادية، لا يقتصر في السنوات الأخيرة على مجرد الشعارات والتصريحات الدبلوماسية، وإنما يتجسد في خطوات ميدانية، بداية من ما تبذله الجزائر لتفعيل الشراكة الاقتصادية والتعاون في مجالات كثيرة مع دول الجوار. من جهة أخرى، يبرز المتحدث أنه في ظل ما يعيشه العالم من تحولات، تشهد القارة الأفريقية كثيرا من التجاذبات واهتماما متزايدا من قوى أوروبية وآسيوية، وأوضح ما يقصده بقوله: «أعتقد أن ظاهرة الاستقطاب لها حدان؛ جانب إيجابي يوفر فرصا وبدائل حقيقة من أجل إحداث توازن وفك الارتباط مع القوى التقليدية، لكن لا يجب الوقوع في فخ قوى أخرى، نتحدث عن منافسة بين قوى تبحث عن مصالحها في سوق واعد وموارد كبيرة للمواد الأولية». ..خطوات ميدانية كما يعود المتحدث إلى التقرير الذي رفعه رئيس الجمهورية أثناء انعقاد القمة الاستثنائية لمجلس الاتحاد الإفريقي بغينيا الاستوائية، السنة الماضية، وتناول مسائل جوهرية مثل الإرهاب، والذي حظي باهتمام كبير من قبل رؤساء الدول والوفود المشاركة في أعمال هذه القمة، ويقول: «خطاب الرئيس تبون في مالابو بشكل أعطى الكثير من المؤشرات وشكل خارطة طريق بالنسبة للأفارقة». وحول تخصيص مليار دولار أمريكي لفائدة الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، موجهة لتمويل مشاريع تنموية في الدول الإفريقية، يرى المصدر أن الجديد في العودة القوية للجزائر في الساحة الأفريقية مساهمتها بمشاريع مبادرات ومقترحات وأيضا بخطوات ميدانية، في وقت تعاني اقتصاديات الدول الأفريقية من التضخم والانكماش الاقتصاديين، والبطالة وضعف معدلات النمو. وأضاف: «الجزائر تحاول قدر الإمكان المساهمة في تجسيد مقاربة متكاملة لتحقيق التنمية في إفريقيا، وتخصيص مليار دولار موجهة لتمويل مشاريع تنموية في الدول الإفريقية يمثل عودة الجزائر إلى وضعها الطبيعي بحكم تاريخها ومبادئها ورؤيتها لما يجب أن تكون عليه القارة الأفريقية مستقبلا». ويواصل: «القارة الإفريقية تحتاج إلى مشروع حقيقي، أعتقد أن في قادم الأيام تتضح مبادرة الجزائر أكثر، حتى المناخ الدولي يوفر حاليا للجزائر فرصا حقيقة لتزيد من تموقعها القاري».