توّجت سنة 2012 بقرارات جريئة تعد الأولى من نوعها على الصعيد الإقتصادي أسفر عنها لقاء شركاء الثلاثية مؤخرا، أهمها الاتفاق على الشروع في إعداد عقد للنمو، حيث تكون فيه المؤسسات الإقتصادية العمومية والخاصة معنية على حد السواء، من أجل تفعيل النسيج الصناعي وترقية الإنتاجية والإنفتاح أكثر على الإستثمار الحقيقي خاصة بالشراكة الأجنبية وفق قاعدة 49-51 وتجاوز سقف 700 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة. ومما لاشك فيه، فإن السير نحو التأسيس لعقد نمو وطني في مدة أقصاها سنة بحيث لا تتعدى شهر ديسمبر 2013 ، من شأنه أن يبرز جميع التحديات التي يفترض أن يتعاون الفاعلين في الحياة الإقتصادية على مواجهتها عن طريق تجند المؤسسة الإقتصادية العمومية والخاصة من أجل ترقية آدائها وإيجاد أحسن الطرق للإنفتاح بشكل واسع وعميق على الاستثمار المنتج. وتأتي إرادة الحكومة ممثلة في مسؤولها الأول السيد عبد المالك سلال في اتخاذ جميع الإجراءات من أجل تسهيل مناخ الأعمال وتسريع وتيرة النمو الإقتصادي من خلال إضفاء المرونة على جميع الآليات التي يمكنها أن تجسد ذلك على أرضية الميدان. ولا يخفى على أحد أن الوزير الأول الذي نادى بعقد النمو بدا حريصا على تهيئة جو حقيقي وفعلي من أجل إنجاح إقلاع إقتصادي مازالت الجزائر تحلم بتحقيقه في ظل توفر جميع الشروط من أموال وعقارات وثروة باطنية وبشرية، حيث أطلق عبارة توحي بإستغلال جميع ما هو متوفر لإعادة الإعتبار للنمو خارج قطاع المحروقات حيث قال: “.. ساعدونا على مساعدتكم.." ويبدو أن عقد النمو الذي أطلق تصوره الوزير الأول سلال ورافع عليه كخطة عمل واستراتجية تجاوز مرحلة بطء النمو وضعف الآداء الإنتاجي الراهن سيرتكز على الإستثمار الفعلي المدر للثروة والمستحدث لمناصب الشغل والمحفز للتصدير خارج قطاع المحروقات، إلى جانب تطهير وإنعاش مناخ الأعمال القادر على تحريك عجلة التنمية التي بقيت رهينة ما تدره ثروة النفط. وينتظر من عقد النمو أن يسمح بتجنيد المؤسسة الجزائرية المنتجة في معركة الإقلاع الإقتصادي برؤية جديدة تقوم على الإنفتاح على الشراكة لجلب التكنولوجيا واستغلال الثروة البشرية والابحاث العلمية وبراءات الإختراع بالشكل المطلوب، وبالموازاة مع ذلك ينتظر المتعاملون الإقتصاديون أن تترجم إرادة الحكومة وحرصها على إنجاح معركة التنمية المقبلة تجسيد القرارات على أرض الواقع بعيدا عن البيروقراطية خاصة ما تعلق بالنية في إعداد قانون جديد من شأنه أن يسمح بتسهيل التسيير البنكي. ورغم أن الاتفاق تم بين جميع الشركاء من أجل تقاسم مهام إرساء عقد النمو إذا الكرة في مرمى المؤسسة الإقتصادية والمتعامل الإقتصادي وكذا الإدارة من أجل تسهيل مناخ الأعمال عن طريق محاربة جميع السلوكات القديمة التي تسببت في الإنغلاق على الاستثمار، ومن ثم انفتاح المؤسسة الجزائرية على التكنولوجيات الجديدة في إطار خطوات عصرنة النظام الاقتصادي الجزائري، لأن آخر الإحصائيات تكشف عن عدم تجاوز المؤسسات الإقتصادية الجزائرية التي تستعمل شبكة الأنترنيت حدود 15 بالمائة، وفي الوقت الذي يغيب استغلالها لشبكات الأنترنيت في عملية التسويق توجد 9 بالمائة فقط من المؤسسات الجزائرية الإقتصادية التي لديها بريد إلكتروني..؟؟ ويعنى عقد النمو بإشراك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للمساهمة في تجسيد برنامج الإستثمارات العمومية خاصة ما تعلق بمشروع إنجاز المليون وحدة سكنية واستكمال شبكة الطرقات الضخمة ويتعلق الأمر بطرقات الجنوب والهضاب العليا، عن طريق ربط شراكات مع المؤسسات الأجنبية التي يجذبها محيط الإستثمار الجزائري. يتفق الخبراء بأن الجزائر أمام فرصة جوهرية للإقلاع الإقتصادي، قد لا تتكرر من جديد، داعين إلى ضرورة استغلالها حيث لا توجد مبررات الفشل خاصة وأن الحكومة انتبهت إلى المعوقات التي تحول دون إرساء إستثمار حقيقي والجميع مدعو ومسؤول عن النجاح أو الإخفاق خاصة الفاعلين في الحياة الإقتصادية، فهل يتمكن عقد النمو من تحقيق ما عجزت عنه جميع السياسة التي جربت من قبل.