ليست سوقا موازية ولا نشاطا غير شرعي، إنما عادات تجارية وطدتها سنوات متتالية، لتجعل من شهر رمضان موعدا لانتشار تجارة المنتجات التقليدية ومن حواف الأرصفة أماكن لتسويقها، لتصبح نشاطا عائليا بامتياز، يخضع لمبدأ «أفيد واستفيد». فبعيدا عن أسواق المدن الكبرى، تسوق الخضر والفواكه والمنتجات التقليدية المصنعة بالمنازل. فهنا السلع تجسد مبدأ «من المنتج إلى المستهلك». اتسم شهر رمضان الكريم طيلة أعوام خلت ولازالت تتوالى، بأجوائه الخاصة التي تجمع بين التوافق والتناقض، فإن كان شهرا تكثر فيه المصاريف وتنفق خلاله ميزانيات، استغرق رب العائلة شهورا لجمعها، لتلبية أذواق تسيل اللعاب، ليس عند الرؤية، بل حتى عند الحديث عن نوع من أنواع المأكولات، فكل شيء صار طيبا ومثيرا للشهية بمجرد الامتناع عن تناوله. كذلك، هو شهر تغتنمه العائلات البسيطة بكل أفرادها، لكسب بعض المال في عملية اقتناص للفرص، فربات البيوت لا تفوت فرصة وفاء العائلات الجزائرية للمأكولات التقليدية، من بوراك وقطايف وكسرة وحساء السمك بالنسبة لقاطني المناطق المطلة على البحر التي تشهد اكتظاظا غير مسبوق من مرتادي الموانئ، بحثا عن سمك ودع لتوّه أعماق البحر، ليستقر بأرصفة الميناء، حيث يصطف أطفال وشباب من مختلف الأعمار يحاولون إقناع المارة بإغرائهم عن طريق تعداد محاسن سلعهم المعروضة، مثل ما هي الحال بمينائي بوهارون وتيبازة اللذين يعرفان حركية كثيفة خاصة قبيل المغرب، مستضيفين السيارة الذين جاؤوا خصيصا من أجل قضاء يوم طويل بالنسبة لمدمني السجائر وعديمي النشاط، وكذلك من أسرى اللهفة على كل أنواع الأطباق. على حافة الأرصفة بميناء تيبازة، إلى جانب ما جاد به البجر والنهر من أسماك الأحواض والمياه العذبة، يتنافس أطفال في الظفر بزبائن من أجل تسويق بضاعتهم المصنعة بالمنزل، المتمثلة في حبات من بوراك الجمبري بسعر 200دج/الحبة، وحساء السمك بسعر 200دج/العلبة وسلطة الإخطبوط بنفس السعر. ولدى العودة، استوقفتنا طوابير من الأطفال يحملون بين أيديهم خضرا طازجة من سبانخ وسلطة وطماطم وغيرها من خضر وفواكه، كونها غادرت للتو تربتها. فرصة لا يضيعها المارة، ممن يتوقفون بدافع اقتناء ما يحتاجون بعيدا عن أسواق المدن الكبرى، وما تكبدته الخضر والفواكه بها من عناء التنقل بين أسواق الجملة وشاحنات النقل ونقاط بيع أسواق التجزئة. فعلى أرصفة الطريق السيار، وبمحاذاة البساتين المثمرة، تتجسد فعلا مقاربة من «المنتج إلى المستهلك». نشاط آخر أصبح أكبر مدعم لراتب رب العائلة، أمام مشاق الحياة ومتطلبات أطفال لن يهدؤوا حتى يكتسبوا كسوة العيد.. إنها الكسرة المنزلية، وما أكثر الطلب عليها في رمضان، لدرجة أصبح أصحاب المساحات التجارية يستعملونها طعما لاستقطاب الزبائن الذين ألفوا ارتياد المكان يوميا، بحثا عن كسرة قامت ربات البيوت بالاتفاق على تموين صاحب المحل، من أجل إن يعرض سلعتهم، وغالبا ما تكون هذه النسوة من الأقارب أو الجيران، كخدمة يسديها صاحب المحل لهن. وأي خدمة فقد وصل سعر الخبزة الواحدة إلى 50 دج، في حين وصل سعر دزينة الديول، التي نافست بشدة الديول الاصطناعية محتكرة قائمة المشتريات، إلى 120 دج.