بسوق 5 جويلية، ببلدية باب الزوار، بالعاصمة، وفي جولة التي قادتنا إلى هناك جمعتنا الصدفة "فتيحة"، امرأة في عقدها الخامس، لمحناها من بعيد وهي جالسة أمام قفة كبيرة سوداء اللون، مغطاة بمنديل كبير، اقتربنا منها ، لتكون ضيفتنا لعدد اليوم، صانعة "الديول" ومختلف المعجنات "كالمطلوع والكسرة"، التي تبيعها وتسترزق منها منذ سنوات عديدة، خاصة وأن الطلب عليها كبير، وملفت للانتباه في رمضان، بحكم أن العائلات الجزائرية لا تستغني عن "البوراك"، الذي يرافق أطباق الشوربة طيلة ثلاثين يوما من هذا الشهر. قابلتنا ضيفتنا بابتسامة، وترحاب قائلة "صح رمضانكم، ان شاء الله ربي يتقبل منا صيامنا وقيامنا، والحمد لله على كل شئ، أنا فتيحة 51 سنة، متزوجة وأم لأربعة أطفال، أقطن بباب الزوار، بالعاصمة بحثت عن عمل ولم أجده فقررت أن أسترزق من "الديول"، وبعض العجائن فبالنسبة لي "ناكل من عرق جبيني خير ما نمد يدي يا ختي". وعن بداياتها مع هذه المهنة أفادت محدثتنا، أنها امتهنت حرفة صناعة "الديول"، منذ أن كان عمرها لا يتعدى العشر سنوات، حيث قالت "أذكر أنني عندما قررت تعلم صناعة الديول، لم تكن بنية البيع و الاسترزاق مطلقا، حيث كنت أراقب خالتي وهي تصنعها، فقررت أن أتعلمها حتى أصنعها بنفسي لأفراد أسرتي، خاصة وأن تلك التي كانت تباع في الأسواق لم تكن ذات جودة عالية، فطلبت من خالتي أن تعلمني الحرفة، فأطلعتني على الطريقة التي من خلالها يمكنني أن أصبح صانعة "ديول"، وبعد عدة محاولات، أصبحت أصنع "دزينات" منها، التي نالت إعجاب عائلتي كثيرا. وبالنسبة لكيفية انتقالها من صنع "الديول" للعائلة إلى بيعها في الأسواق، أكدت لنا أن الفكرة جاءت بطريقة عفوية، فبعد أن وقفت على الطلب الكبير خلال شهر رمضان، قالت"فكرت في تجريب بيعها، وأذكر أنني عندما دخلت السوق واتفقت مع الباعة بالطاولات على الكمية التي أصنعها، كانت "دزينة ديول" تباع ب 25 دج، بعدها ارتفعت إلى 30دج، واليوم بلغ سعر الدزينة الواحدة 70 دج، وبعد نجاح التجربة، قررت أن أمتهن هذه الحرفة، خاصة بعد أن أتقنت الصنعة. وعن حرفتها قالت "الحمد لله خدمتي عجبت الناس في الحي اللي نسكن فيه"، فقررت أن أوسع نشاطي فلم أعد أكتفي بصناعة "الديول" وبيعها بالأسواق الشعبية، بل أصبح لدي زبائن من العائلات بحي باب الواد الذي أسكن به، يطلبون مني يوميا إعداد مقدار معين من "الديول"- تضيف- وفي إجابتها حول سؤالنا، عن مدى إمكانية زوال هذه المهنة، خاصة في ظل المنافسة التي تفرضها مصانع "الديول الاصطناعية"، ابتسمت وقالت "في الحقيقة، لا أظن أنها تنافس الديول التقليدية "صنعة جداتنا "لأنه عندهم "بنة" وحدها بشهادة زبائني والجميع، بل بالعكس الكثيرون يتساءلون لماذا لم تعد هذه المهنة متداولة مقارنة بالأعوام الماضية ويطالبون بعدم تركها لأنها تدخل ضمن الصناعات التقليدية القديمة، حيث كانت صنعة جداتنا وأمهاتنا في السابق". وبخصوص تنظيمها لوقتها خاصة وأنها ربة بيت ولديها الكثير من المسؤوليات، أجابت "فتيحة"، "بالطبع لدي العديد من المسؤوليات تجاه عائلتي ، لذلك كان لزاما علي أن أنظم وقتي، حيث أخصص الفترة الصباحية لإعداد طلبات السوق، وفي الفترة المسائية أتفرغ لإعداد طلبات العائلات، ثم بعد ذلك أتفرغ للطبخ لعائلتي الصغيرة وتساعدني ابنتي الكبرى في ذلك". وفي نفس السياق أطلعتنا ضيفتنا على سر تعتمده لإنجاح "الديول"، قائلة "تعد صناعة الديول من أسهل الحرف التقليدية، لأنها تعد بأدوات بسيطة، يكفي أن يتوفر لديك السميد "الدقيق"، الماء، الملح والصينية النحاسية التي تطهى عليها، وسر نجاح "الديول" التي أصنعها إلى اعتمادي على مادة الدقيق، يعتقد البعض أنها تعد بالفرينة، وهذا خطأ، لأن القطع التي تعد من مادة الفرينة معرضة للتلف، على عكس تلك التي تصنع من الدقيق، ولعل هذا ما جعل الديول التي أعدها ذات جودة عالية ترضي زبائني. وعن الأرباح التي تجنيها من هذه المهنة، أوضحت ضيفتنا أن صناعة الديول من بين أكثر المهن التقليدية التي تدر على صاحبها دخلا وفيرا ،هي وكذلك "المطلوع"، لأن الطلب عليها يبلغ ذروته في رمضان، وتحديدا خلال الأيام الأولى من شهر الصيام، فعلى الرغم من الأعداد الكبيرة التي باتت تبيع "الديول" اليوم، إلا أن الطلب في بعض الأحيان يفوق العرض، وفي الأخير ودعتنا ضيفتنا بكلمات الطيبة، وشكرتنا على هذه الدردشة معها قائلة" أولا أشكركم كثيرا نتمنى كل التوفيق لكم ولجريدتكم المحترمة، كثر خيركم، وصحا عيدكم، وكل عام والشعب الجزائري بألف خير ان شاء الله"