تفضيل الحوار والمصالحة بعيدا عن التدخل في الشؤون الداخلية سجلت الجزائر نجاحها الكامل بعد عودة شغل سوريا لمقعدها في الجامعة العربية بعد غياب 12 سنة، وهي خطوة مهمة تستكمل مسعى "لمّ الشمل العربي" الذي أطلقته الجزائر في القمة العربية التي جرت على أرضها في غرة نوفمبر الماضي، وتساهم في توحيد الصف العربي في ظرف إقليمي ودولية يفرض على الشعوب العربية تعزيز تلاحمها وتضامنها. غلبت الجزائر صوت "الحكمة والتبصر"، في قضية سوريا، لصالح هذه الأخيرة ولشعبها، ولصالح عودة شغل مقعدها، في الجامعة العربية، بعد 12 سنة من الإبعاد، ولا أحد يمكن أن ينكر الدور الفاعل الذي أدته الجزائر قبل وبعد انعقاد القمة العربية في دورتها ال31 على أرضها، من أجل عودة سوريا إلى حضنها الطبيعي مثلما قال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في إحدى لقاءاته الإعلامية مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية. والجزائر، عملت منذ الأول على أن تكون عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية، وفق توافق كامل مع الدول العربية، وانتهجت أسلوب الحوار الهادئ مع كافة رؤساء الدول العربية، من أجل تحقيق التوافق حول حل أزمة سوريا، وتجاوز حالة التشرذم التي جعلت الدول العربية تقف عاجزة أمام التهديدات الدولية، بينما يفترض به مواجهتها بتحالفات واتحادات مثلما هو حال الاتحاد الأوروبي. وتبنت الجزائر مقاربة، الحل السلمي للأزمات الداخلية دون تدخل أجنبي، وباحترام السيادة الداخلية لكل دولة، وتفضيل خيار المصالحة، لإنهاء النزاعات والتوترات، وهو ما اقتنعت به عديد الدول، لأن التجربة أثبتت أن السماح بالتدخل الأجنبي لا يزيد المنطقة إلا دمارا وتخريبا، وتشتيتا للصفوف، واستنزافا للمقدرات والثروات المادية والبشرية. وقد أكد رئيس الدورة ال31 لمجلس جامعة الدول العربية، عبد المجيد تبون في خطابه أم قادة العرب نوفمبر الماضي، أن التحدي أصبح اليوم أكثر إلحاحا، بشكل يتطلب وضع منهج جديد لمعالجة القضايا العربية بكل مسؤولية وانطلاقا من الواقع الراهن، كما أصبح من الضرورة الإسراع بإصلاح منظمة العمل العربي المشترك حتى تتمكن الجامعة العربية من الاضطلاع بدورها في العمل المشترك ومجابهة التحديات ومواكبة التطورات الحاصلة. وفي هذا الشأن، شدد في ملف الأزمات التي تشهدها بعض الدول العربية من بينها، سوريا واليمن وليبيا، التي مازالت تبحث عن حل، على ضرورة تفضيل جميع الأطراف الحوار الشامل والمصالحة الوطنية بعيدا عن التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول لرسم مستقبلها في حرية وكرامة، ودعا إلى الحكمة والتبصر لاستعادة زمام المبادرة الكفيلة بحقن الدماء ولم الشمل العربي. ورحّب قادة العرب، بمبادرة "لمّ الشمل" لرئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون، إدراكا منهم، للظروف الدقيقة والتطورات المتسارعة على الساحة الدولية وما تنبئ به حالة الاستقطاب الراهنة من بوادر إعادة تشكيل موازين القوى، مع كل ما يحمله هذا الوضع من مخاطر على الأمن القومي العربي وكيانات أوطان العربية واستقرارها، وما يمليه الظرف من حتمية توحيد الجهود بغية الحفاظ على المصالح العربية المشتركة والتموقع كفاعل مؤثر في رسم معالم نظام دولي جديد يقوم على العدل والمساواة السيادية بين الدول. واتفقوا مثلما حمله "إعلان الجزائر" على تعزيز العمل العربي المشترك لحماية الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل وبكل أبعاده السياسية والاقتصادية والغذائية والطاقوية والمائية والبيئية، والمساهمة في حل وإنهاء الأزمات التي تمر بها بعض الدول العربية، بما يحفظ وحدة الدول الأعضاء وسلامة أراضيها وسيادتها على مواردها الطبيعية ويلبي تطلعات شعوبها في العيش الآمن الكريم، ورفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية والتمسك بمبدأ الحلول العربية للمشاكل العربية عبر تقوية دور جامعة الدول العربية في الوقاية من الأزمات وحلها بالطرق السلمية، والعمل على تعزيز العلاقات العربية-العربية. وفي هذا الإطار، ثمن المجتمعون في قمة الجزائر، المساعي والجهود التي تبذلها العديد من الدول العربية، بهدف تحقيق التضامن العربي، وأكدوا القيام بدور جماعي قيادي للمساهمة في جهود التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ومعالجة كل تبعاتها السياسية والأمنية والإنسانية والاقتصادية، بما يضمن وحدة سورية وسيادتها ويحقق طموحات شعبها ويعيد لها أمنها واستقرارها ومكانتها إقليميا ودوليا. وفي اختتام أشغال القمة العربية، في دورتها ال31، حسم الأمين عام الجامعة العربية، الجدل بشأن غياب سوريا عن اجتماع الجزائر، وقال إن "سوريا لم تشارك بهذه القمة، لكن كان الحديث عنها مهما للغاية"، مؤكدا أن القمة "اهتمت بطبيعة الحال بدول الأزمات، سواء سوريا وليبيا واليمن، وهي دول معرضة لأزمات على مدى العقد الأخير". ولم تتوقف مساعي الجزائر، لإعادة سوريا الى حضنها الطبيعي، عند حدود، أشغال القمة العربية، بل واصلت المسعى الذي كانت قد بدأته منذ أكثر من عام، حيث شكلت عودة شغل سوريا لمقعدها في الجامعة العربية، محور محادثات وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف منذ تعيينه، أكثر من مرة مع نظرائه بعدة دول عربية، تم التأكيد فيها على مواصلة المساعي الرامية للمّ الشمل العربي، واسترجاع الجمهورية العربية السورية مكانتها على الصعيدين الإقليمي والدولي. وتعد الجزائر من بين الدول العربية، الذي ظلت تسعى لعودة سوريا إلى حضنها العربي، وبقيت محافظة على موقفها الثابت إزاء رفض الحل العسكري، والتدخل الأجنبي لحل الأزمة في هذا البلد، بل رفضت قطع علاقاتها مع سوريا مع بداية الأزمة التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية. وسبق أن تحفظت الجزائر على قرار تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية عام 2011، في وقت هرولت بعض الدول لقطع علاقتها، وأوصدت أبوابها مع شعب أعزل. الرئيس السوري يشكر فضل الجزائر بعد 24 ساعة من صدور قرار عودة شغل سوريا مقعدها في الجامعة العربية، عاد الرئيس السوري بشار الأحد إلى الجزائر، شاكرا رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في اتصال هاتفي، على جهوده الدؤوبة التي بذلها من أجل استعادة سوريا مقعدها في ظل الرئاسة الجزائرية للقمة العربية. وجاء في بيان رئاسة الجمهورية أن "الرئيس تبون تلقى مكالمة هاتفية من أخيه رئيس الجمهورية العربية السورية الشقيقة، بشار الأسد، عبّر له فيها عن شكره وتقديره البالغين للجهود الدؤوبة التي بذلها الرئيس من أجل استعادة سوريا في ظل الرئاسة الجزائرية للقمة العربية، لمقعدها في جامعة الدول العربية، متمنيا للشعب الجزائري المزيد من التقدم والازدهار". وأضاف البيان: "بدوره أعرب رئيس الجمهورية لنظيره السوري عن تقديره وترحيبه لعودة الشقيقة سوريا إلى الجامعة العربية، متمنيا للشعب السوري الشقيق اطراد التقدم والمناعة وللعمل العربي المشترك تحقيق ما تصبو إليه الشعوب العربية من مناعة واستقرار وتنمية". وأكد نفس المصدر أنه "تم الاتفاق بين قائدي البلدين على تبادل الزيارات وتحديد برامج عمل مكثف، يشمل كافة القطاعات من أجل التعزيز المستمر للعلاقات التاريخية المتميزة القائمة بين البلدين الشقيقين". اتصال الرئيس السوري بالجزائر مباشرة، يعبر حسب متابعين عن دور الجزائر البارز في دعم القضية السورية بشكل خاص والقضايا العربية بشكل عام، ووقوفها إلى جانب الحق والشعوب المضطهدة، مهما كانت الاكراهات والضغوطات، فقد كانت لها طوال الأزمة مواقف متميزة ومتقدمة على جميع الدول العربية، وحتى متضامنة مع سوريا، وكانت السباقة التي حذرت مما تتعرض له من حرب مخطط لها مسبقا.