جاء المعرض الثنائي في الفنون التشكيلية "حروف وتراث" المنظم برواق محمد راسم، بحلية تراثية عانقت الأعمال الفنية فيه عمق الأصالة الجزائرية، حيث حاولت من خلاله كل من التشكيليتين وهيبة بضياف من مدينة الجسور المعلقة قسنطينة وإيمان مطري من جوهرة الغرب تلمسان، أن تقدّما تشكيلة من المواضيع الفنية بلمسات جد دقيقة تمازجت فيها الحروف بالروح الوطنية وصنعت جمالا عبر ما يناهز 60 لوحة فنية ستكون معروضة أمام زوار رواق الفنون محمد راسم إلى غاية 31 من ماي الجاري. جسّدت الفنانتان وهيبة بضياف وإيمان مطري لوحاتهما بتقنيات مميزة، حيث حاولت كل منهما أن تضفي على رواق الفنون محمد راسم، تجربتها في مجال الرسم والفن التشكيلي بصفة عامة، فلوحاتهما المعروضة تشمل جميع المدارس الفنية بما فيها المدرسة الواقعية والانطباعية والسيريالية والتجريدية والتكعيبية، واكتظت بالمكان تصاميم منها ما انعكس جماله على الزجاج، ومنه ما راق للوحات أن تستريح تحت ظل ألوان مشرقة. الرّسم على الزّجاج اعتبرت وهيبة بضياف خرّيجة الفنون الجميلة التي أحبّت عالم الرسم والألوان والتشكيل وتخصّصت في فن المنمنمات والزخرفة، أن مشاركتها في عرض أعمالها برواق محمد راسم، كانت فرصة كي يتعرف عليها الجمهور العاصمي من خلال أعمالها التي طغى عليها التعدد في المواضيع، لاسيما الاسقاط الاجتماعي والحياة اليومية البارزان بشكل لافت عبر لوحاتها المختلفة الأحجام وبتقنية التصميم على الزجاج. كونها معلمة رسم وزخرفة ومؤطرة لعدة ورشات ومدربة ورشات تطبيقية للأطفال والنساء، تذوّقت الفنانة فن الرسم على الزجاج، من خلال اهتمامها بالتفاصيل الناتجة عن تناسق الألوان في العديد من التحف الفنية، لاسيما الزخرفة التي غالبا ما تكون عفوية ومصاحبة لنقوش مغطاة بألوان ساحرة مصقولة على سطح منحوتات أو أعمال يدوية، ورغم أن التقنية يراها البعض نوعا ما معقدة، إلا أن وهيبة تراها بسيطة وسهلة، حيث من خلالها تستطيع أن توصل رسالة إلى أي شخص عادي يحب الرسم عموما. اختارت التشكيلية وهيبة بضياف أن تكون واجهة الرواق مخصصة للوحة مخلدة لإحدى أعمال عميد الفن التشكيلي الجزائري ورائد فن المنمنمات محمد راسم، بتقنية الرسم على الزجاج، حملت عنوان "سوق الجزائر"، تبرز من خلالها عادات وتقاليد ما تزال تمارسها العائلات الجزائرية إلى يومنا هذا كنوع من التكريم والعرفان من أحد المواهب التي تعلّمت على خطاه منهجية الرسم ومسك الريشة واختيار الألوان وإطلاق العنان لأبجديات الإبداع. حملت أعمال وهيبة بضياف العديد من العناوين، فعلى غرار اللوحة المخلدة لرائد الإصلاح في الجزائر الشيخ الإمام "عبد الحميد بن باديس "، نجد لوحة "الملاية القسنطينية"، "الجبة القسنطينية "، "السويقة "، "المرأة الجزائرية بلباس تقليدي في المنزل"، وتشكيلة من اللوحات تحت عنوان "حروفيات" جسّدت فيها جماليات الخط العربي المزخرف، أبرزها لوحة "بسم الله الرحمان الرحيم"، "اللّهم صلّ على سينا محمد صلى الله عليه وسلم"، "المعوذات"، على غرار أيضا لوحة توسّطت الرواق الخلفي مضيئة بشكل لافت انعسكت عبره آيات لسبع المثاني "سورة الفاتحة". لوحات مفعمة بالوطنية من جهتها كانت أعمال الفنانة إيمان مطري مفعمة بالروح الوطنية، فالمار بينها يكاد يسمع حنايا التاريخ ورمزية المقاومة وقدسية أرض الجزائر المسقية بدماء الشهداء، إلى جانب مكتنزات العادات والتقاليد الأسر التلمسانية، ولوحات لحروفيات بزخارف، تقول ما يعجز عنه لسان حال الواقف عليها. بدأت إيمان مشوارها بالزخرفة والمنمنمات، فتلقنت أصول الفن التشكيلي عبرهما، ثم تدريجيا اتجهت للتجديد في معالم الفن، مع المحافظة على الأصالة التي لمسناها عبر لوحاتها التي طغت عليها المعالم الأثرية والشخصيات التاريخية والزي التقليدي، إلى جانب ما اجتمع في حوالي 20 لوحة من حروفيات، مبرزة من خلالها جمال الخط العربي الذي كان حاضرا بقوة بكل رقي مزينا بألوان ذهبية تارة وبألوان فضية تارة أخرى. اشتغلت ذات الفنانة على التراث الإسلامي في أعمالها التي اختارتها في معرض "حروف وتراث"، فتفنّنت في تقديم روائع من الأعمال التراثية. وتعتبر إيمان واحدة من الفنانات التي حاولت إبراز التراث الجزائري بنكهة عصرية غير منفصلة عن الأصالة، حيث صوّرت المكنون الثقافي التراثي في لوحات تروي كل منها حكاية من الحكايات الشعبية، معتمدة على عدة تقنيات في رسوماتها، منها ما جاء على الخشب والورق والقماش والزجاج، حيث جاءت أغلبها في فن الزخرفة، أما المنمنمات فاعتمدت عليها في لوحات تبرز الزي التقليدي الجزائري، على غار لوحة "المرأة القسنطينية" التي جاءت بشكل متناسق وساحر.