تحديد شروط واضحة لكيفيات التعاقد وإبرام الصفقات يأتي مشروع القانون المحدد للقواعد العامة المتعلقة بالصفقات العمومية، في بيئة اقتصادية دولية جديدة تتميز بالعولمة المتزايدة للتبادلات واشتداد المنافسة الدولية والتطور المذهل لتقنيات المعلومات والاتصالات، بحيث يهدف مشروع القانون إلى تأطير أفضل للصفقات العمومية بمراعاة التغيرات العميقة في الوضع الاقتصادي للبلاد، من خلال تعزيز كل من الإنتاج وأداء الإنتاج المحلي، ولاسيما المؤسسات الصغيرة أو الصغيرة جدا أو المؤسسات الناشئة الحاملة للعلامة والتي تقوم بأنواع مختلفة من النشاط. وتماشيا مع التغييرات الرئيسية في البيئة الدستورية والمؤسساتية، التي كرسها الدستور، تم رفع القواعد العامة المتعلقة بالصفقات العمومية إلى مستوى المجالات التي يحكمها القانون، من خلال إنشاء نظام يصادق عليه البرلمان يمتاز بسهولة أكثر في القراءة والوضوح والاستقرار القانوني. بحسب ما جاء في عرض أسباب مشروع القانون المحدد للقواعد العامة المتعلقة بالصفقات العمومية، فإن الحكم الراشد مضمون في نص المشروع، بشكل خاص من خلال مراعاة المبادئ الأساسية التي تحكم الطلب العمومي، ويتعلق الأمر بحرية الوصول إلى الطلب العمومي، والمساواة في المعاملة بين المرشحين، وكذا الشفافية في الإجراءات. وتشمل الشروط اللازمة لتحقيق هذه الأهداف شقين؛ الأول متعلق بإنشاء إطار تشريعي وتنظيمي مناسب، والثاني مرتبط بإنشاء قدرة مؤسساتية للتسيير الفعال. في هذا الصدد، تم تطوير وتفصيل المبادئ الأساسية التي تحكم الصفقات العمومية، التي تضمن الفعالية والاستعمال الحسن للمال العام، أكثر من التنظيم ساري المفعول، حيث ينص مشروع هذا القانون على أن الدعوة للمنافسة يمكن إجراؤها وفقا لإجراءات الاستشارة أو طلبات العروض أو الإجراءات الخاصة، ويعتمد ذلك على مبلغ أو طبيعة الخدمة المراد إنجازها، كما يمكن تعريفها بالنسبة للشروط أو اعتبارات خاصة. كما ينص على استخدام الإجراء التفاوضي المباشر والإجراء التفاوضي بعد الاستشارة، دون دعوة شكلية للمنافسة في حالات استثنائية وهي تحل محل التسميات الحالية؛ التراضي البسيط والتراضي بعد الاستشارة على التوالي، ويتوافق هذا التغيير مع الأهمية الكبرى للتفاوض في هذين الإجراءين. وفي إطار مكافحة الفساد، ودون المساس بالعقوبات الجزائية أو التدابير القسرية، نص مشروع القانون على إعداد مدونة للأخلاقيات والسلوك المهني من قبل الوزير المكلف بالمالية، موجهة إلى الأعوان والموظفين العموميين المشاركين في إبرام الصفقات العمومية وتنفيذها ومراقبتها، يطلعون على محتواها ويتعهدون باحتراسها. كما يتعين على المتعامل المتعاقد توقيع التصريح بالنزاهة. وفي إطار رقمنة إجراءات إبرام الصفقات العمومية، تنشأ بوابة إلكترونية للصفقات العمومية، وذلك تكريساً للإرادة الرامية لرقمنة الحكومة والإدارة من جهة وشفافية الإجراءات من جهة أخرى. كما ينص مشروع القانون على إنشاء هيئة لدى الوزير المكلف بالمالية مختصة في مجال الصفقات العمومية، ويتعلق الأمر بالمجلس الوطني للصفقات العمومية. وشرحاً للنقلة التي ينتظر أن يحدثها مشروع القانون الجديد في حوكمة نظام الصفقات العمومية، يؤكد الدكتور لخضر بريش، النائب بالمجلس الشعبي الوطني وعضو لجنة المالية والميزانية، أن المقصد الأساسي والرئيس من مشروع القانون هو إضفاء الشفافية في مجال الصفقات العمومية وتكريس آليات الحوكمة، من خلال تحديد شروط واضحة لكيفيات التعاقد وإبرام الصفقات العمومية، بدءاً بتحديد وبصورة دقيقة الأطراف ذات الصلة وذات المصلحة بالصفقة العمومية، وصولاً إلى محتوى دفتر الشروط الواجب التقيد به. ويضيف الدكتور بريش، أن مشروع القانون المحدد للقواعد العامة المتعلقة بالصفقات العمومية، يكرس مبدأ المنافسة والإنصاف ويعزز آليات الرقابة، محاربةً لكل مداخل الفساد، انطلاقاً من النص على ضرورة التزام الموظف العمومي أو العون العمومي بمدونة سلوكيات وأخلاقيات مهنية، وانتهاءً باعتماد مختلف أشكال الرقابة والمساءلة، الموضحة في قائمة المواد من 92 إلى المادة 96 من مشروع القانون. وفي ذات السياق، يرى الدكتور عمر هارون، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة المدية، أن مشروع قانون الصفقات العمومية الجديد، يساير احتياجات الإدارات العمومية في المرحلة الحالية، ويرفع من درجة الشفافية وحوكمة العمليات على مستوى الإدارات، خاصة لانفتاحه على الصحافة الإلكترونية وطرحه لأول مرة مقاربة رقمنة الصفقات العمومية، من خلال إجبارية الإعلان عن الصفقة في بوابة إلكترونية للصفقات العمومية، ما سيرفع من شفافية التعاملات ويقضي على أي اعتبارات غير سليمة. كما أن تأكيد مشروع القانون على حرية الوصول للطلب العمومي والمساواة بين المرشحين، بالإضافة لشفافية الإجراءات، عامل آخر يؤكد على النظرة المتميزة لهذا المشروع، الذي يعطي الفرصة الكاملة للشركات الصغيرة والصغيرة جدا والمؤسسات الناشئة الحاملة للوسم، للاستفادة من امتيازات تخول لها المنافسة في سوق قد تكون صعبة عليها، خاصة في ظل قدرتها على تقديم خدمات متميزة، وهي عملية ستساهم في تطور هذه المؤسسات وتحقيقها للتميز. بدوره يوضح الخبير الاقتصادي أحمد طرطار، في تصريح ل "الشعب"، أن الصفقات العمومية هي اللبنة الأساسية لغالبية الاستثمارات، خاصة في القطاع العمومي، باعتبار أن غالبية الأموال تدار من خلال آلية الصفقات العمومية، ومنه فإقرار الحوكمة في تسييرها، يقتضي أن توفر الشفافية والإفصاح، ما يضمن بالتالي المساواة والإنصاف في معالجة الملفات المرتبطة بالصفقات، وعليه سيعمل مشروع القانون على إحكام النجاعة التسييرية للصفقات العمومية من خلال آليات جديدة للإعلان عنها ومتابعتها وإبرامها، وكذا بمعالجة مختلف الإشكالات القائمة التي لها علاقة بتفتيت الصفقة أو بطرق منحها، وقفاً لكل التصرفات وإنهاءً لكل الثغرات التي تفتح بابا على أية ممارسات منقوصة النزاهة. من جهته يفيد أحمد مولاي، العضو القيادي بالمنظمة النقابية لأرباب العمل والمقاولين الجزائريين، المكلف بولايات الغرب، في تصريح ل "الشعب"، أن مشروع القانون الخاص بالصفقات العمومية يعطي دفعة إضافية للمؤسسات الناشئة، الصغيرة والمتوسطة ويفتح أمامها آفاقا استثمارية واعدة لم تكن تتوفر عليها في التنظيم السابق، كما يفتح أمامها مجالات أوسع لخوض غمار المنافسة وبالمقابل تطوير قدراتها التنافسية. ويضيف أحمد مولاي، أن هذا المشروع القيم وذا البعد الإيجابي، يأتي تجسيداً للرؤية الاقتصادية الإستراتيجية لرئيس الجمهورية، الذي لطالما دعا إلى دعم النسيج المؤسساتي الوطني الناشئ والصغير، وإضفاء مزيد من السلاسة على المعاملات الاقتصادية، مع ضمان الشفافية في تسيير المال العام. وعليه، فإن مشروع القانون يمنح ضمانات صريحة من حيث وضوح الإجراءات المعتمدة في إبرام الصفقات العمومية، خاصة ما ارتبط بالعلاقة بين الإدارة العمومية والمؤسسات الاقتصادية، التي تكون محكومة بآليات مرقمنة تتمثل أساساً في بوابة إلكترونية للصفقات العمومية.