تجدد الجزائر العهد دوما مع القارة الإفريقية، حاملة هموم الشعوب الإفريقية التي لاتزال تعاني التأخر في اللحاق بركب الدول ذات الاقتصاديات المتطورة، خاصة من ناحية التنمية، ففي آخر تصريح لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، شدد على أن جزائر الثوار وكعبة الأحرار، لا ولن تدير ظهرها لإفريقيا، لتتكرس مقولة أنّ الجزائر "حقيقة إفريقية" وتتجسد فكرة أن الجزائر تحقق الإستراتيجية الشاملة للدبلوماسية الاقتصادية والدفاعية التي ترتكز في انشغالاتها على إحلال الأمن والسلم حتى خارج حدودها، من خلال تنمية القارة السوداء التي لطالما كانت موقعا خصبا لنهب ثرواتها و«لتفريخ" كل المظاهر السلبية. بإعلان رئيس الجمهورية، أول أمس خلال إشرافه على افتتاح الطبعة الأولى ل "الوسام الشرفي للتصدير"، عن عديد الإجراءات الاقتصادية تجاه إفريقيا، خاصة فتح خطوط جويّة مباشرة تربط الجزائر بأهم العواصم الإفريقية وتأكيده على أن الجزائر لن تدير ظهرها لإفريقيا، يتأكد من جديد التزام الجزائر الدائم أمام الدول الإفريقية بالتعاون في شتى المجالات، وما حثّه على تسريع عملية فتح المناطق التجارية الحرة على مستوى عدد من الولايات الحدودية مع كل من موريتانيا ومالي والنيجر، الا دليل على ذلك، ويترجم الاهتمام بالدول المتاخمة لنا وحمايتها من كل الآفات والظواهر السلبية، على غرار تفشي التهريب والمخدرات والإرهاب، في إطار الدبلوماسية الدفاعية التي تنتهجها الجزائر من خلال احتواء مصادر الخطر عبر حدودها، علما أنه لا تنمية من دون ضمان الأمن والاستقرار. تقاليد الجزائر الراسخة والثابتة التي يشهد عليها تاريخها الحافل بالبطولات، كانت قبلة كل المستضعفين في القارة السمراء وكعبة لثوار العالم، واستمرت على نفس النهج على الصعيد الاقتصادي من خلال دعم التنمية الاقتصادية لتلك البلدان، مظهرة حسن النوايا من خلال عدم ممارسة أي ضغوط سياسية أو مطالب دبلوماسية تجاه تلك البلدان، مجددة وفاءها أمام القارة الإفريقية، حيث يتجلى ذلك من خلال عبارة الرئيس التي أكد فيها " لنا تقاليد منذ 1962 في التبادل الحر في المواد الفلاحية، تعزز دوما بفتح المعابر الحدودية البرية أو البحرية، حيث تم فتح خطوط بحرية بين الجزائروموريتانيا والسنغال لدعم التبادل التجاري القاري ودعم للصادرات الوطنية، وكذا الافتتاح المرتقب لبنوك وطنية في عدد من العواصم الإفريقية"، وهذا في انتظار فتح خطوط جوية مباشرة تربط الجزائر بأهم العواصم الإفريقية، مؤكدا على أهمية "الربط المباشر بين الجزائر والقارة الإفريقية"، حسب تصريحات رئيس الجمهورية. وخير دليل على ذلك، فقد مسحت الجزائر خلال فترة سابقة ديون بعض الدول الإفريقية خاصة دول الساحل، ويتعلق الأمر بديون 14 دولة إفريقية، بقيمة 902 مليون دولار وبلدين عربيين بقيمة 504 مليون دولار، ويدخل هذا الأمر في إطار استعمال وسيلة من الوسائل التي تسعى الجزائر لتحقيقها في عدد من البلدان الإفريقية للمساهمة في تنميتها الاقتصادية. وبذلك تسعى الجزائر بأن تجعل دول القارة الإفريقية، أراض خصبة لمشاريع الاستثمار، من خلال توسيع الأسواق الوطنية، وترقية حجم المبادلات التجارية، عبر فتح فروع للبنوك هناك، بالإضافة إلى ما يعزز التعاون التجاري مع تلك البلدان، وخير دليل على ذلك مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء الذي يربط نيجيريا بأوروبا مرورا بالجزائر، والذي يعد مشروعا ناجعا وذا مردودية أيضا. ولم تكن هذه المرة الأولى التي تولي فيها الجزائر الجديدة اهتماما بالقارة السمراء، حيث كان رئيس الجمهورية، قد خصص مليار دولار أمريكي لفائدة الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية موجهة لتمويل مشاريع تنموية في الدول الإفريقية، في فيفري الماضي، حيث أكد بالمناسبة أن هذه الخطوة تأتي "قناعة من الجزائر بارتباط الأمن والاستقرار في إفريقيا بالتنمية، لا سيما منها تلك التي تكتسي طابعا اندماجيا أو تلك التي من شأنها المساهمة في دفع عجلة التنمية في القارة". وقد أعلن الرئيس سابقا أن الجزائر استطاعت استرجاع مكانتها في إفريقيا، ما يبرز عودة الجزائر للتموقع من جديد، من خلال استغلال كل العوامل المحيطة بإفريقيا، حتى أنه أعلن نهاية سنة 2022 عن التوجه نحو تشجيع الابتكار لمعالجة إشكالية التشغيل بالقارة الإفريقية لمواجهة التحديات التنموية هناك. وفي فيفري 2020، أكد رئيس الجمهورية، أن الجزائر "ستساهم دوما ودون هوادة في تعزيز الجهود الهادفة إلى تحقيق السلم والأمن في إفريقيا"، معتبرا أن حل الأزمات في القارة "يجب أن يقوم على الحل السلمي والحوار الشامل والمصالحة الوطنية"، وهذا بغية حماية المجتمعات الإفريقية من التآكل والانحلال، على ضوء تنوع مصادر التهديد هناك خاصة ما تعلق بظاهرة الإرهاب والتهريب وكل ما من شأنه أن يفتح شهية التدخلات الخارجية لدى البلدان الإفريقية، وكلها عوامل تعزز الفقر والهجرة غير الشرعية.