أصدرت الأستاذة فاطمة الزهراء مالكي، من جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف، مقالا محكما بمجلة "المعيار" خصّصته لدراسة تسميات المدن الجزائرية، وقالت إن علماء الجغرافيا وأصحاب المصنفات الجغرافية الكبرى بحثوا عن أسماء المدن، لكنهم في الغالب لم يقدّموا غير أوصاف للمدن، وما قيل عنها من تسمية قيلت لهم، أو سمعوها، أو وجدوها في مؤلفات سابقيهم، كما لم يتعرّضوا للأصل اللغوي للاسم بالتفصيل، ولم ينسبوا أسماء الأماكن إلى معانيها الحقيقية، أو أصولها، وخاصة من خلال الجذر اللغوي للكلمة، أو بالتطرّق لكلمات مشابهة كانت في ذلك الزمن مشابهة للتسمية التي أطلقت على القرية أو المدينة، أو الإقليم عدا القليل جدا من المصادر التي أشارت إلى طريقة نطق الكلمات كياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان"، والحميري في كتابه "الروض المعطار" وغيرهما. وتقول الباحثة إن "معجم البلدان" لياقوت الحموي، من أهم ما ألّف في المدن والمناطق، فقد كانت رغبته الحقيقية: أن "يكتب في أسماء البلدان، وحتى الجبال والأودية والقيعان والقرى والأوطان، وأيضا البحار والأنهار"، وقد كان يرى في هذا العمل واجبا، وفرضا عليه. ومن جميل ما ذكره ياقوت الحموي عن المهتم بأسماء الأماكن وتصحيحها وضبط تسميات مختلف الأصقاع تواصل الباحثة - أنه من "ذوي الأبصار"، وأن الناس تفتقر إلى مثل هذا العمل. وقد ألّف قبل الحموي في أسماء البلدان كثيرون، ولكل منهم مقصد وهدف، والحموي نفسه يذكر أنه اعتمد عليهم، مثل المتقدمين من العرب وغيرهم كأفلاطون وفيثاغورس، وغيرهم كثير، وذكر أنه وقف على عدة مصنفات جهل أكثر الأماكن التي ذكرت فيها، وأن الكثير منهم اهتموا بتعيين المسافات، وبعضهم اهتم بالأقاليم، وهكذا، كابن خرداذبة المؤرخ الجغرافي مؤلف كتاب "المسالك والممالك"، وأحمد بن واضح اليعقوبي المؤرخ، والجيهاني محمد بن أحمد مؤلف كتاب "المسالك في معرفة الممالك"، وأبي زيد البلخي الجغرافي الموسوعي، وأبي إسحاق الإصطخري الجغرافي، وابن حوقل وهو جغرافي أيضا، والحسن بن محمد المهلبي المؤرخ الرحالة، وأبي عبيد البكري المؤرخ والجغرافي، وآخرون ذكروا الأماكن، وهناك كثيرون ذكروها لكن بأسماء غير مضبوطة، وألفاظ غير صحيحة، وقد حاول الحموي تصحيحها وتصويبها. أسماء كنعانية وتسميات قديمة من أبرز المدن التي لفت اسمها انتباه الباحثة، مدينة أشير التي ذكر الباحثون عدة شروح لاسمها، فمنهم من ذكر أنها لغة من أصل الكلمة الأمازيغية يشر، بمعنى المخلب وجمعها مخالب، وهي كناية عن موقع المدينة الحصين الذي يسمح لها بصد كل من تسوّل له نفسه المساس بها وبأمنها. وقالت إن واحدا من الباحثين ذهب إلى أن التسمية تشير إلى الأطلال وأن اسمها يَشير أو الأشير، وذلك من خلال دراسات أثرية عن دفاتر من المتحف الوطني للآثار من تقرير حفرية سنة 1993، العدد الثالث 1994م. ومن خلال البحث في المعجم والقاموس الأمازيغيين نجد أن إيشارن تعني ظفر، وذكرت في القاموس بإسكر وإسكارن أيضا، ويذكرها الأمازيغ إيشر وجمعها إيشارن أي أظافر، وهناك من يقول اشار واشارنيو، وتعني كلمة إيشيري الابن وإيشران الأبناء أيضا. كما نجد ياشر وأشير بمعنى واضح ومباشر، وهو سفر ذكر في يشوع ، وهذا السفر هو كتاب منسوب يشوع بن نون عليه السلام، وهو شخصية تناولها علماء اليهود والنصارى والمسلمين، وقد أجمعوا على صلاحه وفضله، وسفر ياشر يعرف أيضا بسفر أشير أو ياصار أو اليسير أو المستقيم، وهو أيضا الأبرار، وياشر وهياشار، وهو سفر مفقود، ويعتقد أنه مجموعة قصائد قدّم له بديباجة نثرية وتتخلله تفاسير وشروحات نثرية، ويظن كذلك أنه كتب بعد عصر سيرته وحياته، ولا يُعلم من صنفه، ولا زمن تصنيفه بدقة. ومن خلال المصادر، لا نجد أي إشارة بأن زيري بن مناد أطلق اسم "أشير" على المدينة بعد إعمارها، بل ذكرت جميع المصادر أنه أعاد بناءها، وأن الموضع كان معروفا قبل فترة البناء؛ ومن المصادر التي سمت الموقع ياقوت الحموي أيضا، فقد ذكر أن زيري بن مناد الصنهاجي أول من عمرها، وقال إنه رأى أشير وهو موضع خال وليس به أحد فبني به مدينته، وقد يكون واضحا من خلال قول الحميري أيضا عن مدينة أشير: "وإنما بنى زيري سورها وحصنها وعمرها فليس في تلك الأقطار أحصن منها، وهي بين جبال شامخة محيطة بها، وداخل المدينة عينان لا يبلغهما غور ولا يدرك لهما قعر من بناء الأول ".. مدينة أشير إذن، موضع قديم بقي محتفظا بتسميته القديمة كذلك. ونجد الاسم الكنعاني يتكرّر في ولاية المدية، فبوشراحيل تسمية بمقطعين، بوش وتعني القوم أو الكثرة من الناس والجماعة الكبيرة المختلطة أو العيال، وراحيل وهو اسم والدة النبي يوسف عليه السلام. ومدينة بجايةالمدينة القديمة التي سماها الفينيقيون والكنعانيون صلداي أو صلداء، وبقيت بهذه التسمية حتى العهد الإسلامي، وبعده عرفت ببجاية، وكلمة صلداء مأخوذة من صلد أي صلب، والتسمية مطابقة لموقع منارة كربون الصخرية، والغريب ليس في التسمية الفينيقية أو الكنعانية، بل في أصل التسمية التي يمكن إرجاعها للأصل العربي من كلمة صلد، فيقال حجر صلد أي أملس وصلب، ومنه كلمة الصلخدي وهو القوي الشديد والصلخدم وهو الصلب أيضا، ويقال أيضا أصلد وجمعه أصلاد، والصلداء والصلداءة في اللغة الأرض الغليظة الصلبة. أسماء أمازيغية الكثير من المدن الجزائرية تحمل تسميات أمازيغية واضحة، ومنها ما يعود أصلها إلى اللغة الأمازيغية لكنها حورت، ويمكن تقسيم المعاني حسب التأثيرات الموجودة في المنطقة إلى تسميات أُطلقت على المناطق سواء كانت قرى أو مدنا، أو أقاليم بمسميات تضاريس كالجبال وغيرها، وتسميات تنسب لأشخاص، وكثير منها مختلف فيه، وأخرى تسميات بسبب الحيوانات. بالنسبة للمدن ذات التسميات التي تتعلق بالتضاريس، نذكر مدينة أدرار، وتعني كلمة أدرار الجبل باللغة الأمازيغية، مفردها أدرار والجمع إدرارن، أو تدرارن أو تدورار، وأدرارا بألف بعد الراء تعني في الأمازيغية الانشقاق، وأدرار جبل مستطيل ينحرف نحو الشرق والجنوب الشرقي، ويحيط به من الغرب حائط صخري متوسط الارتفاع، ولكنه شديد الوعورة، وبه ممر واحد وتحيط به الكثبان الرملية، وبالتالي من الواضح جدا تأثر سكان المنطقة في تسميتهم لمدينتهم بشكلها وطابعها التضاريسي الجبلي. مدينة تيزي وزو أيضا تسميتها تبين مدى تأثر القاطنين فيها قديما بشكلها الطبيعي، إذ تعني كلمة تيزي الأمازيغية الفج بين الجبال الشامخة، وجمع كلمة تيزي، تيزا وتيزوين. مدينة عين تموشنت هي الأخرى بنفس معنى تيزي، إذ لها معنيان، أحدهما له علاقة بالطبيعة. وكلا المعنيين يمكن أن ينطبق على المدينة فتموشالن تعني الفجج، وتيموشلا وتعني الفج أو الفجاج والفُجَّة بين الجبال مثلها مثل كلمة تيزي. أما تاغزوت، وهي بلدية في البويرة، وتعني البطن من الأرض بين الجبال، ونرى تأثر السكان أيضا بالواحة، ومنه جاءت تسمية توات، ومعناه الواحات وتقع بأدرار، وتوات تعبير يدل على الجمع ومفرده توات أيضا، مثل قولهم "تواتن" عبوا، ومعناه واحة الماء ، ومنهم من يقول أنها بربرية ومعناها حدائق النخيل، وهناك من أشار إلى أن كلمة التوت، الفاكهة المعروفة، فسموهم بأهل الأتوات وكلمة أتوات جمع، وبالعودة إلى "لسان العرب"، نجد ابن منظور يذكر أن التوت هو الفرصاد، وواحدته توتة وأنها تنطق بالثاء، وأن الكلمة فارسية. ويظهر التأثر بالطبيعة المحيطة في مختلف التسميات، فمنطقة تاوغريت أو تاوقريت بالشلف الواضح أنها تسمية أمازيغية معناها التل أو الجبل، وجمعها تيورار ويقال أيضا تيوريرين. تسميات تتعلّق بالنبات والشجر منها مستغانم، وتعني تسميتها نبات القصب بالأمازيغية، ويسمى أغانيم وجمعه تغانيمن والواحدة من القصب تاغانيمت وجمعها تيغانيمين، ويقال لقصبة السلق تاغانيمت وضار، ويقال للأرض القصبة أو الأرض المقصاب تامورت م وغانيم" أو "تامازيرت وغانيم". ونجد تسمية تادمايت - وهي بلدية بتيزي وزو - أيضا تدل على الاهتمام بالنبات والتأثر بالطبيعة، ومنها تادمايت أو تادموت. وجمع الكلمة تيدوماد وهي نوع من الشجر، ومثلها تسمية مدينة أفلو من تقلولا، بمعنى تفتح الزهر أو البراعم وتقال بالمصطلحين تفلولا وأفلولو. تسميات عن الحيوانات يشاع أن معنى تيارت من تيهرت، اللبؤة بالأمازيغية، وبالعودة للمعجم الأمازيغي نجد معنى لبؤة تايرات وجمعها تييرادين وأيضا تيزمت وجمعها تيزماوين، وفعلا كانت منطقة تتواجد فيها الأسود، فقد ذكر ياقوت الحموي أن تاهرت كانت في موضع "غيضة أشبة" وأنه في أحد الأيام بعد صلاة الجمعة كثر الصياح بسبب أسد ظهر، فقتلوه هناك. والمعروف بين الناس أن مثل هذا المكان الكثيف الشجر المسمى بالغيضة، يتخذه الأسد عرينا له؛ وبالنسبة لتسمية تيارت هناك من الباحثين من يشير إلى تسمية أخرى، ولكن الأقرب هو اللبؤة. وتسمية مدينة عين تموشنت ربما تكون مأخوذة من تسمية الذئب وهو وشن، وأنثى الذئب وبالتالي نستنتج أن الكلمة كانت ربما تعني عين الذئبة، أو ربما عين في مكان تظهر فيه الذئاب خاصة أن المنطقة تعاني لليوم من تواجد الذئاب، إلى جانب التسمية السابقة الفج، ولا يمكن تقدير أي التسميتين أقرب لكون كليهما مناسبة. وسواء كانت تسمية المدينة تدل على الطبيعة أو الحيوان، فما هذه إلا ترجيحات لمعنى الاسم. ويوجد في اللغة العربية أيضا معنى آخر غير المعنى الأمازيغي، فالوَشْنُ هو ما ارتفع من الأرض، ويقال في وشن بمعنى غليظ، والأَوْشَنُ ما يتزين به الرجل، والوَشْنَان هو من الحمض؛ ومع وجود معنى للكلمة في اللغة العربية غير أنه لا توجد قرينة واضحة تدل على أن تسمية المدينة تسمية عربية. تسميات ذات معاني أخرى: هناك كثير من المدن التي تحوي أسماؤها عدة معان، ومنها تسمية مدينة المدية التي أُختلف فيها فمنهم من ذكر أنها تسمية رومانية، القرية، وهناك من يرى أن معناها العلو أو الأرض المرتفعة، ومنهم من ذكر تسمية لمبديا، وتشير ترجمة لمختار بن عياش عن كتاب ليون كورتيس أن اسم المدية يعود إلى الأصل اللاتيني ميديا أو ميدياس، وأن الأصل الحالي ربما عربي، وهو القول الأقوى لأن العرب أطلقوا في كل عصور حكمهم على كل من يسكنها المداني مصطلح المدني، ومنها المداني، ولم يرد لدى الباحثين المعنى الأمازيغي للكلمة، إذ هناك عدة كلمات مشابهة لكلمة المدية ربما تكون أصلا لها، ومنها أمديا وتعني المثال وجمعها لمذياتن أي المثالي، وقد أختلف كثيرا حول تسمية المدينة لأنها قديمة جدا، والمصادر حولها قليلة، غير أننا لا نستبعد المعنى الأمازيغي، وأنها تعني طبيعة المنطقة لما تمتاز به، فهي جميلة وذات هواء نقي وقد اختار الإنسان تسميات من بيئته ومنها تسمية الباب، وهي ربما معنى لمدينة، ومن ذلك مدينة تقرت، وهذا اسم يمكن أنه أخذ من الأمازيغية.. تاكورت هي مرادفة لتيفلوت وتعني باب. اسم شرشال هو الآخر قد يكون مشتقا من أشارشار وتعني عين الماء، وهي تنطق في بعض المناطق أشرشور، وهناك تفسير عربي للكلمة، فبعد خروج الرومان من المدينة، قيل إن الشر شال، أي زال الشر ، وربما سماها الأندلسيون بالمدينة ذات الشأن شأنها شأن، وتحولت بمرور الأيام، والواضح أن الكلمة أمازيغية خاصة أن كثير من الأماكن في المنطقة ذات أسماء تحمل مدلولات أمازيغية مثل إط وامان وتعني عين الماء، وهي مدينة حجرة النص بتبازة حاليا، وثلا أندريوش وتعني ينبوع دريوش؛ ونجد أيضا قورايا وتنسب لامرأة صالحة كانت تسمى جورايا، ويُقال إن قبرها في أعلى قمة جبل قورايا اليوم ببجاية، واسم جورايا كلمة جورا الوندالية وتعني الجبل؛ وبعيدا عن أسطورة المرأة قوريا أو جوريا، وبالعودة للمعجم الأمازيغي نجد أن تسمية الجبل أقرب للصواب من خلال الكلمة ثقور وتعني صلب وصلد وأقورار وتقورارن ومعناها الصلود.