نتذكر قبل عام بالتمام والكمال، وتحديدا في بداية نوفمبر ,2007 تلك الضجة التي أحدثها المغرب، إثر قرار الملك الاسباني »خوان كارلوس« زيارة مدينتي » سبتة« و»مليلية« المغربيتين المحتلتين. الضجّة والصخب اللذين أحدثهما العرش المغربي، كان مجرد جعجعة بلا طحين، ومجرد حركة استعراضية لامتصاص غضب الشعب المغربي الذي لم يعد يستوعب صمت قيادته منذ الاستقلال قبل ستة عقود، وإحجامه عن التحرك الجدي لاستعادة المدينتين والاكتفاء من حين لآخر بحركات تمثيلية هي مجرّد فرقعات فارغة تذهب مع الريح. لقد أثارت زيارة الملك الإسباني العام الماضي، استنكار العرش المغربي الذي هزّ الأرض واستدعى سفيره بمدريد، وندّد وشجب واستنكر، ثم ما لبت أن أقعد الأرض وأعاد سفيره وطوى الصفحة وأدار ظهره لمن يحتلون أرضه في الشمال، ليتفرغ لمستعمرته الجنوبية مانعا عن أهلها حقهم في تقرير مصيرهم. لكن لماذا يتقاعس العرش عن المطالبة »بسبتة« ومليلية« والجزر المحيطة بهما، ويصّر في المقابل على إبقاء احتلاله للصحراء الغربية؟ المسبّحون بحمد العرش، يؤكدون بأن المغرب لن يفرّط أبدا في أراضيه المغتصية لا في الشمال ولا في الجنوب، ويقصد الصحراء الغربية لكنه يرى الآن بأن هنالك غياب في توازن القوى بينه وبين اسبانيا، مما يجعل حظوظ استعادته للمدينتين تكاد تكون معدومة، لهذا فهو يعتقد كما يضيفون بضرورة رفع وتيرة التنمية أولا وتحقيق التقدم الاقتصادي لبلوغ توازن قوى على المدى البعيد، ومن تمّ يصبح الحديث عن استعادة المدينتين أمرا واقعيا. أضف إلى ذلك كما يقول هؤلاء أن السبب تكتيكي ويتعلق بتجنب الخصام مع الاسبان والتخفيف من حدة الصدمات والأزمات في هذه المرحلة، لأن أي صراع مع اسبانيا ستكون ضريبته مكلفة سياسيا واقتصاديا وعسكريا. لكن في الجهة المقابلة، وبعيدا عن التسبيح للعرش ولمن يتربع عليه، يرى الكثير من المحللين السياسيين بأن الحركة الاستعراضية المغربية العام الماضي إحتجاجا على زيارة الملك الاسباني لما يعتبره إقليما تابعا لمملكته، ما هي إلا زوبعة في فنجان ولن تأتي بأية نتيجة لتسوية قضية عمّرت أكثر من خمسة قرون وقد تصبح المدينتان بالتقادم تابعتان لاسبانيا. ويضيف المراقبون السياسيون بأن العرش الذي هزّ الأرض ثم أقعدها وكأن شيئا لم يحدث، سكت عن إستفزازات إسبانية سابقة أوّلها فرض البطاقة المغناطيسية على الداخلين إلى المدينتين ثم فرض التأشيرة ووضع الأسلاك الشائكة على الحدود وتحويل صاحب الأرض الأصلي (المغرب) إلى دركي يحرس الحدود التي رسمها المحتل الإسباني. هؤلاء المراقبون يجزمون بأن المغرب فضّل إخفاء رأسه في الرمل لتفادي مواجهة هذه الإستفزازات ولم يطالب بالمدينتين بصفة حازمة وجادة، لأنه فقط يشتري صمت مدريد بخصوص احتلاله للصحراء الغربية. كما أنه لا يريد أن يضع نفسه في موضع مساومة أو تناقض إذ لا يعقل أن يطلب من إسبانيا الانسحاب من مدينتيه المحتلتين، ويستنكر هو حق الصحراويين في المطالبة باستعادة أرضهم..! ويبقى السؤال مطروحا عن السبب الذي يجعل الصحراويين برغم إمكانياتهم المحدودة متمسكين بالدفاع عن أرضهم، في حين يكتفي العرش المغربي باستجداء الاسبان للقبول بالحوار والتفاوض من أجل استعادة مدينتيه وجزره المحتلة.