ضمن مجهُودات الجزائر الجديدة، لتحقيق الأَمْنَيْن الغذائي والمائي، أعلن الرئيس تبون، عن بنك البذور، العام الماضي، ثُم البنك الوطني للجينات، سيتم تدشينُهُ قريبا، ما يسمحُ بحماية المورُوث الجيني للبُذُور الجزائرية، مُؤكدا صواب التوجه الجزائري في هذا المجال، يضيف بن علي، من أجل التقليل من فاتورة الاستيراد وتأمين الغذاء والحفاظ على الماء، حيث يُرتقب دُخول البنك حيّز الخدمة قريبا، والمُتواجد على مُستوى المعهد الوطني للبحث الزراعي بسعة تخزين 80 ألف سُلالة، لتجديد بُذور الأصناف المُهددة بالانقراض والنادرة، مع إعادة إدخالها في بيئتها الأصلية، وكذا الحفاظ على الصلاحية الحيوية والسلامة الوراثية للبُذُور المحلية خلال التخزين، لتعزيز السيادة الغذائية للبلاد والوُصُول للتنمية المُستدامة في مجال الفلاحة والرّي. يقوم بنك البذور بضمان التنوع الجيني لأصناف المحاصيل الزراعية والنباتية البرية، خاصة في الحُبوب، وتوفير أصناف مُتأقلمة مع التغيّرات المُنّاخية ومُقاومة للأمراض قصد مُواجهة التحديات الراهنة المُرتبطة بالموارد المائية على وجه الخُصُوص، وبناء مُختلف شُعب البُذُور الوطنية. في هذا الصدد، كان وزير الفلاحة، عبد الحفيظ هني، قد أكد بخُصُوص هذا البنك، أنّهُ يُشكل "إرثًا" للسُلالات والأصناف النباتية الوطنية، مُشيرا إلى ضرُورُة نقلها إلى الأجيال القادمة لضمان استدامتها، وهو ما يستلزمُ امكانات مادية كبيرة والتواصل مع الباحثين من أجل العمل لأجل هذا التحويل الجيني الذي يُعتبر استراتيجيا لصالح الجزائر. تعزيز السيادة الوطنية وقُدرات الجزائر التفاوضية إقليميًا ودوليًا تَظهرُ الحاجة الماسة لتحقيق الأمن الغذائي والمائي للجزائر الجديدة، على الصعيدين الإقليمي والدولي، بحسب البُروفيسُور مسعُود البلي، أستاذ العُلوم السياسية بجامعة باتنة-01، في ظلّ المعوقات الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية والتقلبات السياسية التي تُواجه المنطقة، أبرزُها نُدرة المياه التي يتوقّع أن تتفاقم بفعل تغير المُنّاخ والأحداث المُنّاخية المُتطرفة، وتناقص الأراضي الصالحة للزراعة، وأنماط الإنتاج والاستهلاك غير المُستدامة، وتغيّر أنماط العيش، وتدهور البيئة، والاضطرابات الاجتماعية والسياسية. لذا عملت الجزائر، بحسب البلي، في إطار تطبيقها لسياسة الانفتاح الاقتصادي، ضمن التوجُهات الكُبرى للجزائر الجديدة، على تنفيذ قرارات وأهداف مُنظمة FAO بضرُورة تحقيق الأمن الغذائي المُستدام على المُستوى الوطني، بالتركيز على الوُصول للغذاء والماء، تعزيز شبكات الأمان وعامل الزمن.. وهي أبعادُ الأمن الغذائي. ونتيجة الارتباط الوثيق بين الأمن الغذائي والمائي ضمن "الأمن الإنساني الشامل والمُستدام"، سَعَتْ الحُكومة ضمن البرامج المُسطرة، خاصة ضمن القطاعات الاستراتيجية كالطاقة والغذاء والماء، إلى تعزيز القُدرات وعلى وضع سياسات مُنسقة بشأن الأمن الغذائي وأمن المياه، تعزيز القُدرات في مجال تقييم آثار تغير وفرة المياه على الإنتاج الزراعي، تحسين كفاءة إنتاج الأغذية وتعزيز قُدرات تقييم وضع الأمن الغذائي. لذا، تعملُ الحُكومة حاليا على رفع مُستوى التنسيق بين قطاعي الزراعة والمياه كشرط مُسبق لوضع سياسات مُتسقة ومُتكاملة. وتبرزُ أكثر أهمية هذا الموضوع في اعتبار الأمن الغذائي والمائي الآن قضية وطنية مُتعددة الأبعاد، تشملُ جوانب اجتماعية واقتصادية وبيئية أُخرى، وأبعادا جُيو سياسية تسمح للجزائر بتعزيز قُدراتها التفاوضية على الصعيدين الإقليمي والدولي، بشأن مُختلف القضايا الراهنة، خاصة تلك التي تهُمها. كما أنّ أهمية تحقيق الأمن الغذائي والمائي حاليا في الجزائر، بحسب البلي، قائم بالأساس على استراتيجية التنمية الزراعية المُستدامة والاستغلال الأمثل للموارد المائية بتسليط الضوء على دور المُمارسات الزراعية الجيدة في زيادة الإنتاج وتيسير إمكانية وُصول المُنتجات الزراعية إلى الأسواق الخارجية والامتثال لمعايير التجارة الدولية. حيث استطاعت الجزائر الجديدة بقيادة الرئيس تبون، القيام بمجهُودات تعزيز الأمن الإنساني بأبعاده المُختلفة وهو ما تعكسُهُ مُؤشرات الاقتصاد العام وما تُؤكده تقارير المُنظمات الدولية، ما يُساعدها على تعزيز السيادة الوطنية وتأكيد مكانتها على الصعيدين الإقليمي والدولي. حُلول استباقية للمشاكل المائية تُعتبر مسألة الأمن المائي في الجزائر، على غرار كُل دُول العالم، من أهم أُسس استقرار ووفرة الإنتاج الزراعي واستدامة الأنظمة الزراعية، وبالتالي جُزء لا يتجزأ من مسألة الأمن الغذائي الذي وضعته الجزائر ضمن أولويات الاستراتيجيات المُتعلقة بالتنمية. فإضافة لكون المياه موردًا حيويًا وصحيًا، فإنّها من أهم المُدخلات الفلاحية وعامل أساسي مُحدّد لرفع الإنتاج الفلاحي وتنويعه وتثمين قُدرات الجزائر من المساحات الزراعية غير المُستغلة بسبب الظروف المُناخية. ولبُلُوغ الأهداف المُسطرة الخاصة بالقطاع الفلاحي في رفع الانتاج والانتاجية، سَعَتْ الجزائر، بقيادة الرئيس تبون، إلى مُضاعفة الجُهود وإعادة بلورة السياسات الفلاحية والمائية لتقليل تأثير المُناخ على الانتاج الفلاحي وفك ارتباطه تدريجيا بالزراعة المطرية، خاصة وأنّ الجزائر تقعُ في منطقة مُصنّفة من أشد المناطق جفافا في العالم، تتزايد حدتُهُ بشكل مُتسارع مع التغيّرات المُناخية التي تتسب في تزايد حدة موجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وتذبذب التساقط. وبخُصُوص دور الأمن المائي في تحقيق الأمن الغذائي في الجزائر، يرى غرناوط، أنّهُ حتما يمُرُ عبر ضمان عرض كاف من المياه المُخصَصَة للإنتاج الزراعي كأكبر مُستهلك للمياه ب65% من إجمالي العرض في الفترات العادية، من حيث نسب التساقط، وهذا ما يجعلُ المياه أهم عوامل الإنتاج بعد العقار الفلاحي والعوامل الإنتاجية الأُخرى، ومسألة المُناخ شبه الجاف وتوفر المياه كانتا دائما أحد المعيقات الطبيعية الهامة التي تكبحُ رفع الإنتاج الفلاحي وتُعيق استقرار المردُودية في المُحيطات غير المسقية، خاصة في شُعبة الزراعات الاستراتيجية، التي تتطلب كميات مُعتبرة من المياه، وفي فترات مُحدّدة في ظل موجات الحرّ التي تشهدُها الجزائر، ما يرفع من نسب التبخر وخفض نسب رُطوبة التربة بشكل سريع وبالتالي الرفع من طلب النباتات على المياه وهذا ما يجعلُ تسطير مُخططات عاجلة ومُواصلة الجُهود للتخفيف من حدّة المعيقات الطبيعية لبُلُوغ الأهداف المرجُوة أمرا مُهمًا. حيث أنّ تحقيق الأمن الغذائي وتوفير حاجيات المُستهلك المُتزايدة سنويا، لن يكُون مُمكنا إلاّ بالخُرُوج من الزراعة التقليدية، بتحيين الأولويات واتباع الطُرق الحديثة والعلمية ومنهجية عمل في إطار تنسيق مُحكم بين مُختلف الدوائر الوزارية، ذات العلاقة المُباشرة بالأمن الغذائي الوطني والوُقوف الميداني على وتيرة تجسيد القرارات الاستراتيجية، مع توسيع البنية التحتية المُخَصَصَة لتخزين المياه والسُدُود وصيانتها ومُضاعفة الاستثمار في دعم توسيع شبكات نقل المياه نحو المُحيطات الزراعية الكُبرى في إطار رفع نسبة المساحات المسقية، التي لا تزالُ ضئيلة ولا تتجاوز 15% من المساحة الزراعية الإجمالية المُقدرة بحوالي 8,7 مليُون هكتار، وهو ما تعملُ عليه الجزائر الجديدة. وبالتركيز على الشّق المُتعلق بالمياه، فإنّ الطلب على هذا المورد يتزايد بسُرعة مع ارتفاع الطلب الداخلي على الغذاء، ويُحتم على السُلطات مُضاعفة الجُهود لتوفيره وكذا مُرافقة وعقلنة استعماله في المجال الفلاحي، خاصة مع التوجه الاستراتيجي الحتمي نحو توسيع الزراعة الصحراوية باستحداث ديوان للزراعات الصحراوية وتكثيف التخصُص بالجنُوب الجزائري في الشُّعب الاستراتيجية كالحُبوب التي تتطلب مساحات واسعة وعملية ري ضرورية لبُلُوغ مُستويات إنتاج مرضية بالاعتماد على خزان المياه الجوفية بالجنوب الجزائري الكبير، وتثمين هذا المورد لتحقيق الأمن الغذائي، على أن يكُون الاستعمال عقلانيًا وبُطرق حديثة في إطار تنمية اقتصادية وفلاحية مُستدامة، تضمن استمرارية الأنظمة الفلاحية والحفاظ على المياه الجوفية. ويجب التأكيد هنا –بحسب مُحدثنا- أنّ تحقيق الأمن الغذائي والمائي، يتجسَّدُ من خلال الاستغلال الأمثل لكُل إمكاناتنا الطبيعية، من توسيع المساحات المسقية وإدخال أنظمة ري حديثة واقتصادية واستصلاح أكبر حجم مُمكن من الأراضي، كحل للتقليل من التبعية للخارج، مع تفعيل دور الرقابة محليا في ظل وجود أُطر قانونية لحماية العقار الفلاحي، الذي تعتبره النصوص القانونية الحالية خطا أحمر. وأضاف غرناوط، أنّ الرئيس تبون أكد خلال العديد من المجالس الوزارية، على ضرُورة المُرافقة بين الجامعة والإنتاج الزراعي وتأهيل العامل البشري في المجال لمُسايرة الديناميكية الاقتصادية الجديدة واستغلال الإمكانات المحلية، خاصة وأنّ الجزائر تتوفر على معاهد وجامعات مُتخصصة كالمعهد المُتخَصص في الزراعات الصحراوية والصناعية، لتجسيد تعليمات الرئيس، حول التواصل الفعلي بين البحث العلمي والتنمية الفلاحية، لتشجيع المُؤسسات الناشئة النشطة في المجال الفلاحي، لأنّ القطاع الفلاحي العالمي يتمتعُ بأكبر عدد من المُؤسسات الناشئة النشطة، التي قدمت آلاف الحُلُول التقنية في مجالات الري، الآلات، التحسين الجيني، المُتابعة والتشخيص الجوي والعديد من التخَصصَات الأخرى. تحقيق الأمن الغذائي والمائي مُرتبط بامتلاك التكنولوجيا حدّد رئيس الإتحاد الوطني للمُهندسين الزراعيين، المُهندس مُنيب أوبيري، عدة عوامل لتحقيق أمننا الغذائي والمائي، ربطها بامتلاك التكنُولُوجيا، من خلال التركيز أولاً على البحث العلمي وثانيًا البيوتكنولوجيا، ثُم مخابر البحث وأخيرًا الأسمدة والمُبيدات، فضلاً عن دعم الإنتاج المحلي بشكل كبير، على أن تُستخدم هذه التكنُولُوجيا بحذر وبطُرق مُستدامة للحفاظ على البيئة وضمان الأمن الغذائي والمائي على المدى الطويل. وأشار أوبيري، إلى أنّ التكنُولُوجيا والبيُوتكنُولُوجيا تلعبان دورًا حاسمًا في تعزيز الأمن الغذائي والمائي من خلال البحث العلمي، الذي يُسهمُ في تطوير تكنُولُوجيا جديدة لزراعة المحاصيل بطُرق أكثر فعالية وإنتاجية، حيث يُمكّن استخدام التحسينات الجديدة لزيادة إنتاج الغذاء وتحسين جودته، إضافة إلى البيُوتكنُولُوجيا التي تُستخدم لتطوير محاصيل مُعدلة وراثيًا لزيادة مُقاومتها للآفات والأمراض وزيادة إنتاجيتها، ما يُؤدي إلى زيادة إنتاج الغذاء وتوفير محصُول أفضل نوعية. في حين تعمل مخابر البحث الزراعي على تطوير تقنيات وأساليب جديدة لزيادة إنتاج الغذاء وتحسين نوعية المحاصيل، وكذا تقديم المعرفة والتكنُولُوجيا للفلاحين. أما الأسمدة والمُبيدات الزراعية الفعّالة فتلعبُ التكنُولُوجيا دورًا كبيرًا في تطويرها، تُساعد في زيادة إنتاج المحاصيل والحفاظ على نوعية الغذاء من خلال مُكافحة الآفات وتحسين تغذية النباتات واستخدام تطبيقات الزراعة الذكية للرصّد وإدارة المخزُون، وهي تقنيات مثلُ الاستشعار عن بُعد ونُظُم المعلُومات الجُغرافية تُمكّن من رصد المحاصيل وإدارة المخزُون الغذائي بفعالية، ما يُساعد في التنبؤ بالأزمات الغذائية والتعامل معها. كما تلعب التكنُولُوجيا، يُضيف أوبيري، دورًا مُهما في استخدام تقنيات المحاصيل المائية، وتطوير أنظمة الزراعة المائية، مثل الهيدرُوبُونيا والأكوابونيكس، ممّا يُمَكّن من زيادة إنتاج الغذاء باستخدام كميات أقل من المياه، حفاظا على الموارد المائية وترشيد استعمالها. الجزائر الجديدة وفّرت كُل صيغ الدعم للفلاح اخترنا عيّنة من ولاية ورقلة، هو المُستثمر الفلاحي باديس كابوية، صاحب مُستثمرة فلاحية تتربع على مساحة 50 هكتارا، 18 منها لإنتاج الحُبوب، بمُعدّل 50 قنطارا في الهكتار، لمُناقشة الموضوع. حيث أكد دعم الدولة لهُ واستفادتهُ من مُختلف صيغ الدعم الفلاحي، مُشيدا بقرارات الرئيس تبون في دعم قطاع الفلاحة والفلاحين والمُستثمرين في مجال تحقيق الأمن الغذائي. ويرغبُ كابوية وهو أيضا مُهندس فلاحي، استقر بورقلة مُنذ سنوات من أجل الاستثمار في قطاع الفلاحة، في توسيع مُحيطاته الفلاحية في ظّل وفرة الأسمدة بأسعار مُدعمة والبُذُور مُتوفرة، خاصة وأنّ الرئيس حرّر المكنَنة بفتح الاستيراد في هذا المجال، مُؤكدا استعماله في إطار التوجهات الجديدة للقطاع لأحدث الطُرق العلمية في الزراعة والري. وأوضح، أنّ الإنتاج الفلاحي يعتمدُ بشكل عام في مُستثمرته على مجمُوعة من عوامل الإنتاج الأساسية، أهمها أراض صالحة للزراعة ومياه سقي وفيرة، وكُل ما يتعلقُ بالعوامل التقنية، كمُتابعة المسارات التقنية وهي عوامل تقنية خاصة مُرتبطة بشكل كبير بتطوير البحث العلمي في مجال الزراعة وتقنياتها الحديثة وأيضا التخطيط الاستراتيجي المُحكم في المجال لتقديم حُلول تقنية حديثة لتحسين الإنتاج وضمان استدامته وفق الخُصوصيات الجُغرافية والمُناخية والاجتماعية لكُل منطقة، خاصة بالجنوب، لتميزه بنمط جُغرافي ومُناخي خاص، يُضيف المتحدث. وركّز كابوية، على أهمية تكوين الفلاح لتحسين مردُودية الإنتاج، خاصة ما تعلق بالسقي الفلاحي وتوفير الكهرباء للمُحيطات الفلاحية، كون أغلبها بعيدة عن الشبكات الرئيسية للكهرباء، لتكون الصحراء "سلة غذاء الجزائريين"، مُثمنا جُهود الدولة في الثلاث سنوات الأخيرة في هذا المجال. تُؤكد تدخلات ضُيوف ندوة "الشعب"، حول الأمن الغذائي والمائي، أنّ الجزائر الجديدة تملكُ "فعْلاً" من الموارد الطبيعية والبشرية والتقنية والمادية ومن التجارب ما يكفي لتحقيق الأمن الغذائي والمائي، إذا ما تم اتخاذ الترتيبات اللازمة لحماية وتطوير استخدام تلك الموارد، وضمان ترشيد استغلالها، وحُسن توظيفها، وهو ما تحرص عليه القيادة السياسية للبلاد، وبالدرجة الأولى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، كونُها أحد أهم مفاتيح عالم التنمية المُستدامة، ممّا يُعزز مكانة الجزائر أكثر على الصعيدين الإقليمي والدولي، خاصة في ظل حالة الاستقطاب التي يعرفُها العالم اليوم والاتجاه نحو عالم مًتعدد الأقطاب.