تواصل الجزائر جهود تحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار، وتوفير الظروف المناسبة لتحرير روح المبادرة، وتنويع الاقتصاد الوطني، منذ إصدار قانون الاستثمار سنة 2021، بتبنّيها لنموذج اقتصادي جديد، وذلك بتنصيب اللجنة الوطنية العليا للطعون المتعلقة بالاستثمار مؤخرا، من قبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وهذا من أجل مواكبة الترسانة القانونية والآليات الموضوعة لهذا الغرض، وبغية بعث تطمينات جدية للمستثمرين داخل وخارج الوطن، ضمن رؤية شاملة ترتكز على أهم الاستثمارات الإستراتيجية للدولة. أكّد الخبير الاقتصادي بوشيخي بوحوص، أنّ تنصيب اللجنة العليا المكلفة بالطعون المتعلقة بالاستثمار، كان منتظرا منذ أن تم إصدار المرسوم 22 المتعلق بالاستثمار وإسناد المهمة إلى الوكالة الوطنية الاستثمار، وأيضا المراسيم المتعلقة بالعقار الصناعي وتكوين المنصات، بحيث يكون الأمر متاحا لجميع المستثمرين للولوج إلى منصة الوكالة الوطنية الاستثمار من أجل طرح المشروع أولا، ثم بعد ذلك الحصول على العقار المناسب، وهذا بعد المعالجة الآلية واستخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال. وأوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة مستغانم، أنّ هذه المنصة سوف تحظى فيها أغلب المشاريع بالقبول، باعتبار الشروط واضحة، مع وجود مكاتب دراسات تتحكم في هذه القضايا التقنية، مشيرا إلى أن "هذا لا يمنع من رفض بعض المشاريع التي لن توافق عليها الوكالة، وبذلك يرفع أصحاب هذه المشاريع المرفوضة الطعن على مستوى رئاسة الجمهورية من خلال لجنة الطعون المستحدثة مؤخرا". مليون منصب عمل في اعتقاد الخبير الاقتصادي، فإنّه "لن يكون أمام هذه اللجنة ملفات كثيرة، بحكم أن الوكالة الوطنية للاستثمار والإطارات العاملين بها سيعملون ما بوسعهم من أجل قبول كل الملفات، حتى أنه يتم الاتصال المباشر ببعض المستثمرين من أجل إتمام ملفاتهم لكي لا تُرفض أي دراسات استباقية، علما أنّ كل المستثمرين يقدمون ملفاتهم عن طريق مكاتب دراسات تضمن الدراسة المستوفاة لكل الشروط، خاصة وأن الجزائر تملك من العقار الصناعي الذي يكفي للجميع". وأشار بوحوص إلى أنّ الكرة اليوم في مرمى المستثمرين، لبدء أعمالهم ومشاريعهم من أجل المساهمة في خلق مناصب العمل، بعد أن قدمت الدولة كل الامتيازات والتحفيزات الجبائية، مع تجنيد النظام المصرفي الذي يعاني من وجود سيولة كبيرة معطلة في البنوك وموارد مالية ضخمة تنتظر الاستخدام. ومن ضمن أهم المشاريع الاستثمارية يقول بوحوص سيأخذ القطاع الفلاحي ومختلف شعبه حصة الأسد، للاستصلاح وبعث المزارع النموذجية الجامعية وفق مقاربة واضحة في مجال إنتاج الحبوب، الحبوب الجافة، النباتات الزيتية، تربية الأنعام وإنتاج الحليب ومشتقاته، حتى أنه يمكن أن تتخطّى هذه المزارع عدد 2000 مزرعة، في كل واحدة منها على الأقل يُوظّف 500 عامل، 30 % منهم جامعيّين، ما يعني خلق مليون منصب عمل، وهذا دون إغفال الاستثمار في قطاعات أخرى على غرار الصناعة، السياحة، النقل واللوجيستيك برّا، جوّا وبحرا". دور هام أما بالنسبة لمجلس التجديد الاقتصادي، فهو يملك دورا فعالا في تنشيط الاستثمار عبر كامل التراب الوطني، وفق المتحدث، الذي أكّد أنّه يجمع العديد من رجال الأعمال الجزائريين الذين يشتغلون في كل القطاعات الصناعية، سواء صناعة الأدوية والمخابر أوالصناعات الخفيفة، فضلا عن الفلاحة والخدمات والأعمال التجارية، إلى ذلك هنالك منظمات اقتصادية ومتعاملين اقتصاديين يخلقون الثروة والانتاح، يتمثل دورهم أيضا في استيعاب خريجي الجامعات ومحاربة البطالة في صفوف الشباب بصفة عامة. وبهذا الخصوص، أبرز ذات المتحدث، أنّ "المنتظر اليوم هو بناء دولة اجتماعية تتكفّل بشعبها وتحقق الرفاهية العامة للمجتمع، من خلال بعث نظام الشركات الوطنية والمزارع النموذجية الجامعية، وتكوين شركات المساهمة والاكتتاب في الأسهم، عن طريق اللجوء العلني للاكتتاب للجمهور العريض، وهكذا يتم تنشيط بورصة الجزائر". ودعا ذات الأكاديمي، إلى ضرورة إحياء المركبات الصناعية الكبرى والمتواجدة عبر كامل التراب الوطني، التي هي في حالة توقف، موضحا أن الشراكة بين القطاع العمومي والخاص المنتظر صدور قانون خاص بها، ستتكفل بهذا الموضوع من خلال مجلس التجديد وفتح المجال للمستثمر الأجنبي، خاصة في قطاع المناجم والتعدين، الذي يفتح مجالات كبيرة سوء في الونزة وبجاية وتندوف، وأيضا في مجال استخراج الذهب في اليزي وتمنراست وعين قزام، ضف إلى ذلك في مجال الطاقات المتجددة من شمس ورياح والهيدروجين الأخضر. في الأفق، وعبر كامل التراب الوطني يضيف ذات المتحدث هناك مشاريع تنموية قادرة على استيعاب خريجي الجامعات والمعاهد، خاصة إعادة الاعتبار لنظام الشركات الوطنية والمصانع والمركبات المغلقة والمهملة، وكذا إعادة الاعتبار لشبكات أسواق الفلاح والأروقة الجزائرية، فهي قنوات توزيع جدية تحقق الوقت المناسب والمكان المناسب والسعر العادل، فضلا عن مشروع السد الأخضر 4،8 مليون هكتار وأيضا واحة الوحدة الأفريقية 1،4 مليون هكتار، والانطلاق الفعلي لأشغال الطريق الصحراوي رقم واحد، فضلا عن مشاريع سوناطراك الاجتماعية وفي مجال الاقتصاد الأخضر. واعتبر محدّثنا، أنّ كل ما ذكره من مشاريع، تعتزم وكالة الاستثمار وفق المقاربة الجديدة تأهيل القطاع الخاص، وإخراجه من الطابع الفوضوي والموازي إلى اقتصاد رسمي يمسك الدفاتر، ويخلق مناصب عمل حقيقية لبلوغ رقم 8،5 مليون عامل. حرية الاستثمار عاد أستاذ جامعة الاقتصاد بمستغانم للحديث عن الاستثمار في الجزائر، وقال إنه يُعتبر أحد المقومات الأساسية الخاصة بالتنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، ومن أهم الرهانات التي تهدف الجزائر لكسبها، ومنذ سنة 2021 تبنت نموذجا اقتصاديا جديدا، جاء ليتماشى والنموذج التنموي الجديد، الهادف في مجمله إلى تحسين مناخ وبيئة الاستثمار، وتوفير الظروف المناسبة لتحرير روح المبادرة، وتنويع الاقتصاد الوطني ضمن رؤية شاملة ترتكز على أهم الاستثمارات الإستراتيجية للدولة. وأضاف "وهذا من خلال بناء شراكة مع المتعامل الأجنبي، حيث ظهر ذلك من خلال العلاقات الاقتصادية التي باشرتها الجزائر في المرحلة الأخيرة، حيث أن من أهم محاور قانون الاستثمار الجديد 2022 هي تعزيز الضمانات المتعلقة بتكريس مبدأ حرية الاستثمار، وتعزيز النظام القانوني لحماية المستثمرين من البيروقراطية". ورغم الإجراءات المهمة التي جاء بها قانون الاستثمار الجديد، أكّد بوحوص أنه تبقى هناك تحديات يجب العمل على معالجتها على الأمد القصير، من أهمها النظام المصرفي تحرير القطاع المالي (النظام البنكي، البورصة) في الجزائر، والذي مزال قطاعا يحتاج إلى المزيد من الاستثمارات من أجل الاعتماد عليه في تطوير الاستثمارات في الجزائر. إلى جانب إعادة النظر في دور قطاع التأمينات، والعمل على فتح المجال لشركات التأمين الأجنبية التي تعد من أهم محفزات دخول الاستثمارات الأجنبية والشركات الكبرى، وفتح ورشة عمل من طرف وزارة المالية وبكل شجاعة فيما يخص الصرف الأجنبي، يقول محدثنا، الذي أكّد أنّه "لا يعقل أن نتكلم على استثمارات أجنبية بوجود سوق موازية للصرف الأجنبي دون رقابة، مع ضرورة إيجاد صيغة نهائية للسوق الموازية والتي أصبحت تشكّل عائقا للاقتصاد الوطني، حيث بلغت نسبتها أكثر من 50 % والتي لا تخدم المستثمر المحلي والأجنبي". بنك معلومات في السياق، دعا الخبير الاقتصادي "لإنشاء بنك من المعلومات حول أهم الإمكانيات الطبيعية المادية المنجمية والمالية واللوجستية التي تتوفر عليها الجزائر، مع الاستمرار في محاربة الفساد الذي يعتبر من أكبر التحديات التي تواجه الاستثمارات في الجزائر"، مطالبا "بتفعيل أكثر لآليات الرقابة بكل أنواعها، والعمل على استكمال رقمنة كل القطاعات الاقتصادية، للحد من ظاهرة انتشار الفساد المالي والإداري. وأضاف "مع تطوير وتحديث جهاز الجمارك لما له من أهمية في تسهيل إجراءات دخول وخروج المواد الأولية الضرورية للمستثمر، وفق ما يحدده القانون، ومحاربة التهريب، مع تفعيل دور الدبلوماسية الاقتصادية بالخارج للدفاع على المصالح الاقتصادية، وخلق أسواق بالخارج لتصريف المنتوج الوطني، للعمل على استقطاب الاستثمارات الأجنبية من خلال الترويج لأهم الامتيازات الممنوحة للمستثمر الأجنبي، وذلك بعقد ندوات ومؤتمرات لرجال الاعمال بالجزائر". وكذلك يضيف بوحوص يجب تدعيم قطاع الإعلام العمومي والخاص حتى ينقل صورة واضحة عن مناخ الأعمال والاستثمار والإمكانيات الكبيرة التي تملكها البلاد في هذا المجال، من أجل الترويج لها من أجل جلب أصحاب الفوائض المالية من الجزائريين أو الأجانب على حد سواء، مع العلم أن الاستثمار في الجزائر له مردودية خمسة مرات، أي أنه لدى الاستثمار في الجزائر دولار واحد، فإن مردوديته على المستوى المتوسط 5 دولارات، بسبب من جهة تكلفة اليد العاملة في الجزائر ولا تتعدى 35000 دج، أي أقل من 300 دولار للشهر، وأيضا أسعار الطاقة في الجزائر تقريبا رمزية بالإضافة إلى وفرة العقار والمواد الأولية. ووفق الخبير، فإنّ الدليل على ذلك هي مختلف الاستثمارات الأجنبية المجسدة والمتوفرة في البلاد، مثل التركية ممثلة في مركب النسيج في ولاية غليزان، وأيضا مركب الحديد في وهران، وكذلك استثمارات القطريين في جيجل ومركّب بلارة، إلى جانب مختلف شركات البترول الموجودة منذ مدة في الجنوب الجزائري مثل شركة "إيني" الإيطالية أو "توتال" الفرنسية، وشركات أمريكية وهولندية وسويدية وإنجليزية، وكذلك التحقت بهم شركات صينية وهندية في جميع المجالات.