منتجات جديدة لاقتصاد الطاقة وهياكل ثلاثية الأبعاد بأقل التكاليف يلعب منتجو مواد البناء دورا حيويا في تحقيق أهداف البرامج السكنية المليونية التي أطلقتها الجزائر الجديدة، حيث يعتمد نجاح هذه المشاريع بشكل كبير على جودة وتوفر مواد البناء، وقد حقق هؤلاء الاكتفاء الذاتي في "ظرف قياسي"، إذ بعد عامين من دخول قرار منع استيراد المنتجات المنتجة محليا، انتعشت السوق الوطنية بمواد ذات جودة عالية وأسعار معقولة ساهمت في تسريع وتيرة البناء وضمان استدامة المشاريع السكنية.. بل إنها بلغت التصدير.. اقتربت "الشعب" من بعض المنتجين الوطنيين، لمعرفة مدى استعدادهم لمواجهة تحديات المرحلة القادمة التي ستشهد إطلاق مشاريع كبرى، في قطاع السكن والأشغال العمومية، أكثر القطاعات استهلاكا لمواد البناء، ومدى إسهام المنتجين في تحقيق مسعى الحكومة الرامي إلى تلبية الطلب المتزايد على السكن، وتخفيض نسبة معدل شغل السكن إلى 4.8 بنهاية العام. وأمام التحديات المتعددة التي تواجهها الجزائر في قطاع السكن، بما في ذلك الحاجة إلى تحديث البنية التحتية للإنتاج وضمان توافر المواد الأولية، وسع منتجو مواد البناء نطاق أعمالهم، مع تبني تقنيات جديدة تساهم في تحسين كفاءة الإنتاج، فمع تسجيل مشاريع سكنية مليونية في الجزائر، برز دور منتجي مواد البناء كعنصر فاعل في دعم هذه البرامج بكل صيغها، من خلال التركيز على الجودة، الابتكار والشراكات الإستراتيجية والمساهمة بشكل فعال في تحقيق الأهداف الوطنية وتوفير سكن لائق للمواطنين. منتجات سيرام ديكور.. حداثة الحاضر وطموح المستقبل مصنع سيرام ديكور الذي ينشط في مجال السيراميك منذ سنوات، اعتمد إستراتيجية توسعية وتكاملية، بحسب المدير العام للمجمع، جعفر طاباش، ترتكز على استحداث آليات جديدة للإنتاج وذلك بالاعتماد على الأنظمة الصناعية الأكثر تطورا، استجابة لمتطلبات الأسواق المحلية الوطنية والدولية، كما أن المجمع يعمل على التموقع الجيد في السوق الجزائرية والتأثير فيه، من خلال الإبداع واستحداث منتجات جديدة كالتي تعرض اليوم، وكذلك الاستمرار في اكتساح الأسواق العالمية بمنتجات جزائرية تواكب حداثة الحاضر وطموح المستقبل، فهي تستجيب للمعايير العالمية للجودة، مع العلم أن المصنع حاصل على شهادة الجودة إيزو 9001. وقال طاباش في تصريح ل«الشعب"، "إن الزبون الجزائري اليوم، أفرادا أو مؤسسات، يستطيع اقتناء منتجات عالية الجودة وبأسعار تنافسية تضاهي ما كان سابقا يقتنيه، من بضاعة تأتيه من الخارج"، وأضاف أنه تجسيدا لتوجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، والمشجعة للإنتاج الوطني، التصدير والاستثمار، عمل مجمع سيرام ديكور على التصدير لأكثر من 23 دولة، وتعداها في الأيام الفارطة إلى أكثر من 25 دولة، منها الأسواق الأوروبية: ايطاليا، والأمريكية: كندا، أمريكا، والبرازيل، ضف إلى ذلك بعض البلدان المغاربية والإفريقية، وبعض الأسواق العربية، منها اليمن، وليبيا، حيث بات التعامل معهم باستمرار وبأحجام كبيرة، وهذا ينم عن ثقة الزبون الأجنبي في المنتوج الجزائري. واستجابة لتطلعات السوق الوطنية، كشف طاباش، عن تدشين مصنع جديد خاص بصناعة الخزف الصحي بداية 2024 من قبل وزير الصناعة، وقال إن هذا يسمح للمنتوج الوطني بتلبية احتياجات السوق المحلية ومنافسة المنتجات المستوردة، فاليوم - يقول المتحدث - "المنتجات المصنعة محليا تلقى استحسانا كبيرا من قبل الزبائن، المتعاملين الاقتصاديين أو الأجانب، فقد لاحظوا التشكيلات الواسعة للمجمع وانبهروا بجودتها، إذ لم يتوقعوا أن تكون المنتجات الجزائرية بذلك المستوى، موافقة للمعايير الدولية، وتنتج بأحسن الأساليب الصناعية، هذا ما يسمح لمنتجاتنا اليوم بالتموقع في السوق الوطنية، وهي تلقى الرواج الحسن، ضف إلى ذلك قدرتها التنافسية العالية في الأسواق العالمية". وأرجع طاباش تحقيق هذه الطفرة في إنتاج مواد البناء كمّا ونوعًا، وطرح منتجات تستجيب لتطلعات السوق الوطنية، إلى الاعتماد على مهارة إطارات جزائرية، من مهندسين ومختصين في الزخرفة والتصاميم، خريجي الجامعات الجزائرية التي "نفتخر بإطاراتها، والمصنع اليوم يوظف 1500 عامل ويطمح للوصول إلى 1700 عامل". المجمع يعمل أيضا في الأشهر القادمة، على إنشاء مصنع جديد يخص السيراميك – يقول طاباش - وهذا يندرج ضمن استراتيجيته التوسعية والتكاملية، وستسمح هذه الخطوة بامتصاص عدد هائل من البطالين، واستقطاب المهارات من مختلف الولايات، والمساهمة إيجابيا في الناتج المحلي باستحداث الثروة الداخلية، وهذا بفضل التسهيلات الممنوحة من قبل السلطات المحلية والسلطات العليا للبلاد. "قرانيتكس".. حلول ذكية لاقتصاد الطاقة بالسكنات في قطاع السكن، تعد الابتكارات التكنولوجية والمواد الجديدة من العوامل الأساسية التي تساهم في تطور الصناعة وتحسين الكفاءة والاستدامة، وعلى هذا الأساس، عمل مجمع "قرانيتكس" الذي أنشئ كشركة جزائرية في 1969 متخصصة في ميدان البناء، وعرف في بدايته بإنتاج "بلاط الأرضية" التي أصبحت من تقاليد البناء، على إيجاد الحلول المتقدمة التي تلبي الحاجة المتزايدة لمواد بناء مستدامة وفعالة. وقال محمد جمعة، موظف بالمصلحة التجارية بمجمع قرانيتكس، في تصريح ل«الشعب"، إن "قرانيتكس" دائم البحث عن مواد جديدة لمواكبة طلبات السوق، ومتطلبات البناء بالطرق الحديثة والمعتمدة، وطرح منذ شروعه في الإنتاج مواد ذات خصائص فريدة تساهم في تحسين جودة البناء وتقليل الأثر البيئي، من بين هذه المواد مضافات الخرسانة التي تسمح بتطوير جودة الخرسانة، وتتكون من عدة مواد هي الاسمنت، الحصى، وتضاف إليها مواد سائلة بكمية قليلة لتحسين الجودة، وتهدف هذه العملية إلى التحكم في خصائص الخرسانة حتى يمكن استعمالها عن طريق الضخ إلى عدة طوابق في البنايات العالية، موضحا أن تشييد العمارات ذات الطوابق العالية يستدعي توفر خرسانة سائلة وخفيفة يمكن ضخها إلى طوابق عالية مثلما يجري العمل به في "سكنات عدل". وأشار جمعة إلى تصنيع عدة مضافات تمنح مقاومة كبيرة للخرسانة، سواء في الجو البارد، أو في الجو الحار، وفق حاجة السكن، كما يوجد مواد أخرى مثل المادة الصمغية "الريزين" تستعمل في الأسطح والأرضيات لمنع التسربات وللتزيين، وخليط الاسمنت ومضافات من البودرة، تستعمل لتلبيس واجهات العمارات. وأحصى جمعة تصنيع مجمع "قرانيتكس" أكثر من 200 منتوج، وفي كل عام يطور منتجات جديدة بحسب متطلبات السوق الجزائرية، مشيرا إلى إنتاج نوع جديد من مواد البناء يدعى "مونو بلوك"، وهو نوع من قطع الآجر يستعمل لتحسين العزل الحراري والصوتي للمباني، وقد تم تصنيع هذا المنتج بالشراكة مع مجمع بن حمادي، وتحصل على شهادة المطابقة من مخابر وزارة السكن، في حين قام مجمع "قرانيتكس" بتطوير المادة اللاصقة التي تستعمل بين الآجر. ولم يكتف مجمع "قرانيتكس" بهذه المنتجات المبتكرة، بل ساهم في الحفاظ على واجهات العمارات القديمة بوسط العاصمة، عن طريق المشاركة في عمليات الترميم الواسعة التي شملت أحياء الجزائر الوسطى، حيث طور منتجات تسمح بالحفاظ على الهندسة المعمارية للمباني. كما استعملت منتجات منع التسرب، في المنشآت الكبرى مثل الأنفاق، والجسور، ومسجد الجزائر، وحتى مشاريع سكنات "عدل"، حيث استخدمت في واجهات العمارات، وفي الأسطح. تحكم مجمع "قرانيتكس" في التقنيات العالمية، راجع - بحسب جمعة - إلى الاستعانة بالعمالة الوطنية، وإقامة اتفاقيات تعاون مع مخابر وجامعات جزائرية، شاركت في تطوير مواد البناء، خاصة المخابر ذات التقنيات المتقدمة جدا، كما أن المؤسسة لديها مخبر خاص بالجودة وآخر لتطوير المواد. وقال جمعة، إن "قرانيتكس" يفكر حاليا في إنتاج مواد خاصة تساعد البنايات على عدم استهلاك الطاقة بكثرة، عن طريق استعمال مواد عازلة للحرارة في أسطح البناية، وهذا المشروع يدخل في إطار مسايرة البرنامج الوطني لاقتصاد الطاقة. ولا يكتفي مجمع " قرانيتكس" - بحسب المتحدث - بتصنيع مواد جديدة مبتكرة وبيعها، بل يقدم المساعدة التقنية للمقاولات الوطنية والأفراد، بحيث تتابع المؤسسة كل خطوات المشروع السكني وطريقة استعمال المواد، عن طريق فرق عمل تتنقل لورشات المشاريع الكبرى ومنازل المواطنين. ووسع مجمع "قرانيتكس" خريطة انتشار منتجاته، لتشمل زبائن من تركيا، الصين، والمؤسسات الوطنية مثل كوسيدار، وقام منذ أربع سنوات بفتح فروع في كوت ديفوار، والبنين، ستدخل مرحلة الإنتاج قريبا، وبعدما كان يصدر المواد، يقوم اليوم بتصدير التكنولوجية؛ لأن السوق الإفريقية واعدة. بناء ثلاثي الأبعاد بأقل تكلفة مجمع "رحمون"، حاول هو الآخر الجمع بين الابتكار والاستدامة والتكنولوجيا لخلق بيئة معيشة مثالية، بتصنيع نموذج هيكل بناء يعكس الطموح والإبداع الذي يمكن أن يحققه الجزائريون عندما يتم دمج التقاليد مع التقدم التكنولوجي. وأوضح الخبير الإقتصادي والمدير العام لمجمع رحمون، محمد معيزي ، أن المجمع المتخصص في إنتاج مواد البناء المحلية، لديه خبرة عريقة في تسويق وإنتاج مواد البناء، من أعمدة وشبكات حديدية، الصباغة والطلاء، إنتاج البوليستير المضغوط، وبهذه المواد يقول "فكرنا في انتاج نظام بناء خفيف أطلق عليه اسم "كونكروال" أو البناء ثلاثي الأبعاد"، وأشار إلى أن من بين فوائد هذا النظام الخفيف عزل الحرارة والصوت، وهو مضاد للزلازل وغير قابل للاشتعال، كما أنه سريع التركيب والإنجاز، وقد تم بهذه النظام بناء عدة بنايات منها سياحية وسكنية في عدة مناطق من الوطن. يصلح البناء بهذا النظام - يقول معيزي - في الولايات الجنوبية، والمناطق الريفية، وهو أقل تكلفة ب30 بالمائة من البناء التقليدي، إذ تبلغ تكلفة بناء هيكل مسكن مساحته 87 متر مربع، 120 مليون سنتيم، حيث يتولى المصنع إنتاج الصفائح الخفيفة، وتركيبها ويضمن متابعة وتصميم البناء، أما استكمال البناء وربطه بالكهرباء والترصيص فيتم في ظرف وجيز لا يتعدى مدة 30 يوما. يتولى تسيير هذه المصانع كفاءات وطنية، منهم شباب متخرجون من الجامعات الجزائرية، يسيرون المعامل الصناعية، ويتحكمون في تقنية صناعة الشبكات والأعمدة الحديدية، وغيرها من المنتجات، وفق معايير ومواصفات عالمية، مما سهل تسويق هذه المنتجات على مستوى القطر الوطني، واستهداف الأسواق الأجنبية خاصة في موريتانيا