لطالما تردّدت على مسامعنا عبارة "الي بضربك اضربه"، تلك العبارة التي يستخدمها بعض الأهالي لتعليم أطفالهم ضرورة الدفاع عن أنفسهم في حال التعرّض للاعتداء أو العنف. لكنّ الحقيقة أنّ هذا الأسلوب يؤسّس لدوامة لا تنتهي من العنف والعدوانية والإيذاء. الدفاع عن النفس يكمن في ضبط الغضب وإدارته ومهارات الحوار وثقة الفرد في ذاته، وتبدأ في المراحل الأولى من الطفولة داخل البيئة الأسرية والاجتماعية المحفّزة والإيجابية ليخرج بها الطفل إنسانا واثقا من نفسه. ما حدث مع خالد (36 عاما) وطفله الذي يبلغ من العمر 7 أعوام،الذي اعتاد أن يخبره منذ الصغر بأنّه إذا تعرّض له طفل آخر بأن يقابله بالمثل، ويقول "كنت دائما أعلّمه أنّ الذي يضربك اضربه، وبالبداية ظننت أنّني بذلك أعلّم طفلي كيف يدافع عن نفسه". ويعترف خالد أنّه اختار الطريق الخاطئ ليدافع طفله عن نفسه؛ إذ أنّه مع الأيام أصبح سريع الغضب وأكثر عدوانية مع غيره من الأطفال وأصبح يؤذيهم قصدا. ولكن تدارك خالد الأمر وأعاد ضبط سلوك طفله بعد أن لجأ لمساعدة مختصّ سلوكي، الذي أرشده للطريق الصحيح بحسب قوله، وأقنعه بأنّ العنف ليس قوّة وأن يدافع عن نفسه بشكل ذكي وبالحوار وبثقة بنفسه. بينما سميرة (38 عاما) فقد اتخذت من الحوار وضبط الغضب طريقة لتعليم طفلها حمزة (10 أعوام)، إذ كان الحوار والنقاش معه حاضرا منذ الصغر لتعلّمه كيف يتعامل مع أيّ أذى يتعرّض له. وتشير سميرة إلى أنّها لا تريد لطفلها أن يتأذى أو أن يؤذي غيره، لذلك اختارت هذا الحوار لتبني ثقته بنفسه وليتعلّم كيف يضبط نفسه في حالات الغضب، وهذا الأمر ساهم بشكل كبير في تحقيق ذلك. وتذكر سميرة أنّ طفلها اليوم لديه الحكمة والنضج الكافي الذي يساعده في التعامل مع أيّ أذى يتعرّض له مع الآخرين. التربية المتوازنة ومن الجانب التربوي، يبيّن المختصّون أنّ الأسرة لها دور كبير في التربية المتوازنة التي تركّز على بناء الشخصية من جميع الجوانب النفسية والاجتماعية والعاطفية الانفعالية. إلى ذلك، أن تكون الأساسات قويّة وصلبة في تربية الطفل والتركيز على بناء شخصية متوازنة في الجوانب النفسية والعاطفية والاجتماعية تنعكس على ثقته في نفسه وذاته وقدراته واندماجه وانصهاره وتفاعله مع المحيط الذي يعيش فيه، سواء كان محيط الأسرة أو المدرسة والمجتمع الأكبر. ويمكن اعتبار هذه الخطوة كحلقة أولى، فإذا الأسرة نجحت في بناء شخصية متوازنة في هذه الجوانب، من الطبيعي أن يكون الطفل قادرا على أن يتعامل مع أيّ تحدّ أو مشكلة تواجهه ويدافع عن نفسه وعن وجهة نظره ويطرح رأيه ويحترم الآخرين. ووفق الخبراء ينبغي الحذر من بناء شخصية انطوائية وانسحابيه، الأصل أنّ الأسرة تجعل لدى الطفل القدرة على مواجهة المشكلات والتحدّيات ويحلّها بنفسه، منوّهين إلى أنّه من الممكن أن نقدّم له مساعدة في المحاولات الأولى، ولكن يجب أن يواجه بعض المشكلات والتحدّيات لوحده. ويجب أن يدرك الطفل أنّ الحليم هو من يمسك نفسه عند الغضب، وفي علم النفس هنالك ما يسمى "إدارة الغضب" وتعني تحكّم الشخص في انفعالاته ومتى يلجأ لاستخدام القوّة واللّجوء إلى القانون إذا تم الاعتداء عليه. الأصل أن نعلّم الطفل كيف يعيش ضمن ضوابط المجتمع، وإذا تم الاعتداء عليه هنالك قانون، فالقوّة ليست بالاعتداء والعنف إنّما أخذ الحقّ بطريقة سلمية. ومن الجانب النفسي، يبيّن النفسانيون أنّ شخصية الطفل تتكوّن منذ اليوم الأول، لذلك العائلة تقوم بإعداد شخصيته وبناء فكره ومتطلّباته وخصائصه النمائية ومتطلّبات التنشئة من أجل إعداده للمستقبل، مع مراعاة المتطلّبات النمائية للطفل حتى يكون سويّا ولا يتعرّض للعنف أو الصراخ أو التنمّر في الأسرة. وعلى الأسرة أن تكون حذرة في هذه المرحلة في التعامل بين جميع الأفراد، فالطفل يراقب ويستخدم ذات النماذج ويرسم صورا ويشكّل مفاهيم كما يراها. ولذلك لا بدّ من أن تكون التنشئة والبيئة الاجتماعية والأسرية محفّزة وتمنح الطفل مساحة كافية لخصائصه وقدراته النمائية ولمهاراته، وذلك من خلال الحوار معه وتشجيعه على اللعب والحديث معه وإدخاله في تجارب حياتية والاختلاط مع الأطفال وتسجيله في المراكز والمؤسّسات التربوية، ومنحه مساحة واسعة من التجربة والخبرة وتشجيعه وتحفيزه وتعديل السلوك بطريقة علمية وتقنيات علمية حقيقية. وهذا ما يبني عند الطفل قدرات ومهارات عالية يستطيع معها أن يتجاوز أيّ أزمة حياتية في المستقبل، فالسنوات الأولى هي التي تبني شخصية الطفل ومن بعدها التحفيز والإعداد، بالتالي يبدأ التعامل مع مشكلاته بشكل علمي في المدرسة وتحت إرشاد المختصّين. ويذكر أنّ مشكلة بعض الأسر أنّها لا تدرك أنّ الطفل بحاجة إلى الإرشاد للتعامل مع أيّ سلوكيات سلبية. شخصية إيجابية محفّزة ويشدّد المختصّون على أنّه إذا تعرّض الطفل لصدمة أو أزمة ينبغي مساعدته بمراجعة طبيب نفسي ليتخلّص من آثار الأزمة وبناء شخصية إيجابية محفّزة تمتلك مهارات التعامل مع المواقف والمرونة والتكيّف وحلّ المشكلات ومهارات التفكير الإيجابي المنطقي، وأن تنجح في حياتها وتتفوّق في حياتها وتأخذ دورا قياديا. ومن جهة أخرى، إذا تعرض الطفل لحالة من عدم مراعاة لخصائصه النمائية وسط تفكّك أسري وعدم إعطائه مساحة كافية للنمو والتهديد المفرط وغياب متابعته في أيّ مشكلة تحدث معه أو الحماية الزائدة بمعنى منعه المشاركة وحرمانه من التجربة الحياتية، هذا جميعه يتسبّب بانعكاسات سلبية في شخصيته بالمستقبل. ووفقا لذلك يفشل في حياته وقد يصاب برهاب اجتماعي وتدنّ في مفهوم الذات وعدم القدرة على التفاعل الاجتماعي والتفاعل بالمدرسة وتصبح لديه إشكاليات نفسية وسلوكية. حيث يتم إعداد الشخصية بشكل صحيح لا تلجأ للعنف، وهنا يكون الطفل قد تعلّم مهارات وقدرات وإمكانات يستطيع من خلالها أن يحلّ مشكلاته.