يعتبر مشكل نقص العقار من بين أكثر المشاكل المطروحة بعاصمة الأوراس باتنة، خاصة في السنوات الأخيرة، بعد استنفاذ أغلب العقارات الموجودة في بناء مشاريع سكنية وأخرى مؤسسات عمومية ومرافق إدارية، إضافة إلى التحايل الكبير للمواطن على القانون واستغلال بعض العقارات في بناء سكنات بطرق فوضية، انتبهت لها الدولة في السنوات الأخيرة فراحت تتصدى لها بقوة. وحاول أغلب مسؤولي الولاية باتنة، المتعاقبين على تسييرها حل هذا الإشكال إلا أنهم كانوا يصطدمون دائما بعوائق ومشاكل أحيانا قانونية وأخرى عروشية، نظرا لكون أغلب الأراضي المتواجدة حاليا ترجع لأفراد وعائلات ترفض التنازل عنها مهما كان المقابل، حتى أن هناك العديد من المشاريع المعطّلة أو التي انطلقت ولم تنتهي بسبب تعنّت بعض المواطنين ورفضهم التنازل عن أراضيهم. وكشف المدير السابق للديوان الوطني للتسيير العقاري بباتنة، خلال اجتماع المجلس الولائي الشهر الماضي، عن تسجيل عجز كبير في العقار بأغلب بلديات ولاية باتنة، الأمر الذي أعاق إنجاز العشرات من المشاريع السكنية، ويستغرق البحث عن وعاء عقاري الوقت الكثير من المصالح المعنية، وهو ما يعرقل انطلاق الأشغال في مختلف المشاريع في أجالها القانونية، كون أغلب العقارات ملك للمواطن وغير مستغلة. وقد ذهب رؤساء الدوائر خلال الاجتماع أبعد من ذلك عندما كشفوا عن “عجزهم" في إقناع المواطن في التنازل عن الأرضيات واستغلالها في مشاريع سكنية أو خدماتية تعود بالفائدة على الجميع، حيث يواجه المسؤولون رفضا و«تعنّتا" كبيرين من المواطن حسبهم. وبدورها مديرية السكن والتجهيزات العمومية لولاية باتنة، خلال عرضها لتقرير حول المخطط الخماسي الماضي أكّدت تسجيل نسبة 93 بالمائة من الانتهاء في إنجاز سكنات البرنامج الخماسي 2005 2009، وتفاوتت النسبة بين مختلف الصيغ السكنية من دائرة لأخرى، غير أنّ نسبة التأخر مشتركة في صيغة السكن التساهمي، حيث لا تزال الأشغال متواصلة بها، فمن مجموع 2418 سكن انتهي من 2119. وبعد عرض وضعيات قطاع السكن بالولاية، أمر والي باتنة، الحسين مازوز، كل رؤساء الدوائر 21 للولاية بمضاعفة مجهوداتهم، وأشار إلى إجبارية التنسيق بينهم وبين المجالس المحلية لدفع عجلة التنمية المتوقفة بعديد البلديات ال 61 ، ووجوب السعي لتوفير الأوعية العقارية المناسبة لإنجاز البرامج السكنية المسجلة على مستوى البلديات في إطار البرنامج الخماسي الجاري، والذي خصصت له الدولة ميزانية ضخمة، تصطدم بنقص الوعاء العقاري والملكيات الخاصة، الأمر الذي يدفع بالمواطنين إلى الاعتراض على إنجاز هذه المشاريع. وأشار المسؤول الأول على الولاية إلى وجوب إعطاء صيغة البناء الريفي أهميتها على غرار باقي الصيغ السكنية الأخرى، كونها تهدف إلى القضاء على مشكل السكن بالولاية وتساعد على استقرار الفلاحين بالأرياف، مطالبا بتسهيل وتبسيط الإجراءات الإدارية لصالح المواطنين، مؤكدا على ضرورة التركيز على شرط السكن في الريف. كما أمر الوالي مدير وكالة عدل بالاسراع في تجسيد المشاريع السكنية واحترام آجالها القانونية، خاصة بعد أن استفادت الوكالة من مشروع إنجاز 4000 وحدة سكنية. والجدير بالذكر في الأخير، أنّ ولاية باتنة قد استفادت ضمن البرنامج الخماسي الجاري من حصة إنجاز 43620 وحدة سكنية، ينتظر أن تساهم في التقليل من أزمة السكن الخانقة بالولاية والتي كانت السبب الرئيسي في اندلاع عشرات الاحتجاجات. واشتكى العشرات من مواطني بلدية باتنة من إيجاد صعوبة بالغة في دفن موتاهم بسبب ضيق المقبرة الوحيدة بالبلدية وهي مقبرة بوزوران، حيث تعرف المقبرة نفاذا في العقار بعد أن ظلت لسنوات عديدة تحتوي دفن الموتى إلى أن استهلك كافة العقار المخصص لها، ولم يتبق إلا جزء قليل منه، وقد أصبح في الآونة الأخيرة يشكل نفاذ العقار بالمقبرة هاجسا للسكان في البحث عن موقع لدفن موتاهم، خصوصا وأن المقبرة تعدّ الوحيدة بالمدينة والتي يقصدها كافة سكان الأحياء لدفن موتاهم، مع الإشارة إلى أنّ بلدية باتنة كبيرة جدا من الناحية الديمغرافية واحتوائها على مجموعة كبيرة من الأحياء السكنية المكتظة عن آخرها بالسكان، ومن المرتقب أن المقبرة سوف لن تستوعب دفن الموتى في المستقبل القريب، وهو ما جعل الكثيرين يطرحون التساؤل عن الوجهة التي يمكن أن تخصص كمقبرة من أجل دفن الموتى! وما يزال مشكل المضاربة الكبيرة في مجال العقار السكني بعاصمة الأوراس باتنة، مطروحا بحدة ومنذ سنوات طويلة، خاصة في ظل غياب الرقابة وهو ما ساعد في انتشار المباني الفوضوية عبر مختلف أحياء المدينة بشكل كبير مع مرور الوقت حتى أصبح على الجهات المعنية من الصعب إيجاد جل لهذا المشكل الذي يتزايد من سنة لأخرى، ولعل ما ساعد أيضا في ذلك أزمة السكن الخانقة رغم الحصص الكبيرة التي استفادت منها الولاية بمختلف الصيغ، حيث أكد لنا عديد المواطنين خلال التحضير لها الملف أنهم يقبلون على شراء قطع أرضية من أصحابها بيعت بمبالغ مالية كبيرة بطريقة عرفية، لتحول بين عشية وضحاها إلى ورشات لمشاريع سكنية. ولعل هذا ما جعل من باتنة عاصمة “لغلاء العقار"، وهو ما أكده لنا عدد من الوكلاء العقاريين، الذين عبّروا عن استيائهم من الوضعية التي آلت إليها باتنة، بالنظر إلى القيمة المالية للسكنات سواء الشعبية أو الفيلات الخاصة والتي تقدر قيمتها بالملايير، خاصة بأحياء كشيدة، باركفوراج، بوعقال، دوار الديس، تامشيط وبوزوران. وتإكد مصادر مهتمة بالملف أن عدد العقود العرفية التي تم تحريريها من طرف الوكالات العقارية بباتنة قد تجاوز 10 آلاف عقد عرفي، حرّر من طرف وكلاء عقاريين يعملون بصفة قانونية، ليبقى الرقم الحقيقي كبيرا ومخيفا إذا ما تحدثنا عن العقود التي يحررها سماسرة. ونتيجة للإقبال الكبير والمنقطع النظير للمواطنين وحاجتهم إلى مساكن وأراضٍ للبناء، فإنّ منهم من وقع ضحية لمزوّرين ومحتالين، بعد أن سلّمهم كل ما يملك من أجل شراء مسكن أو قطعة أرض صالحة للبناء بعد عمليات بيع لعقارات لأكثر من شخص، أو أنّها محل نزاعات قضائية بين الورثة، فالمئات من النزاعات لا تزال مطروحة أمام المحكمة لسنوات طويلة آخرها قضية المرقي العقاري “ف ج« الذي احتال على أكثر من 500 شخص أغلبهم إطارات في الدولة بعد أن سلبهم أكثر من 45 مليار بالتواطؤ مع مجموعة من الموظفين. واعترض مؤخرا مجموعة من سكان منطقة ذراع بولطيف التابعة لبلدية عين ياقوت بباتنة على مشروع إنجاز سكنات ريفية على أحد الأوعية العقارية، أكّدوا أنّ ملكيته عروشية وهي صالحة للاستصلاح الفلاحي، الأمر الذي جعل السكان بالقرية يخرجون عدة مرات لغلق الطريق والبلدية للتعبير عن رفضهم لانطلاق المشروع الذي يتمثل في تشييد 50 سكنا ذات طابع ريفي موجهة لسكان القرية. وقد حالت الاحتجاجات المتكررة دون أن يتجسّد المشروع فعليا، رغم أنّ الكثير من سكان المنطقة طالبوا مؤخرا بضرورة التوسع العمراني لاحتواء الأعداد المتزايدة للسكان بالقرية التي تعد ثاني أكبر تجمع سكني بعد مقر البلدية، وقد استفادت من مشاريع تنموية كثيرة، ودفع مشكل العقار إلى تحويل 16 من سكان القرية إلى بلدية عين ياقوت. وكشفت المسئولة عن مكتب المنازعات الإدارية بمديرية الغابات بولاية باتنة في هذا الصدد، أن عدد القضايا التي أحيلت إلى العدالة خلال سنة 2011 قد بلغت 200 قضية مختلفة تتعلق بالاعتداءات على أملاك الغابات من حرق أو بناء فوضوي أو استغلال غير شرعي للثروات الغابية، وتبقى مسألة الاعتداء على العقار وبناء سكنات فوضوية بأملاك غابية تابعة للدولة الأكثر تعقيدا وإثارة للجدل بين مسئولي قطاع محافظة الغابات بولاية باتنة ب 16 قضية. وقد عبّرت مسئولة مكتب المنازعات بالمديرية عن مدى صعوبة حل هذه الإشكالية، خاصة مع تهاون كل الجهات المسئولة وعلى رأسها والي الولاية كونهم غضّوا الطرف على ظاهرة خطيرة أخذت أبعادا أخطر ضد أملاك الدولة رغم وجود تعليمة وزارية تحمل رقم 04 - 05 من المادة 76 من التشريع العقاري، والتي تنص على القبض على المتهم بالاعتداء على أملاك الدولة الغابية وتنفيذ قرار الهدم في ظرف 8 أيام، وفي حالة الرفض تحول المراسلة والقضية إلى والي الولاية المطالب بالنظر بجدية في المراسلات الكثيرة التي تصله بعد تعنت المسؤولين المحلين في التجاوب مع محافظة الغابات لإنقاذ الثروة الغابية بباتنة. 20 تعاونية عقارية بدون تسوية قانونية منذ 14 سنة رغم مرور أكثر من 14 سنة على تلقي المصالح المختصة بولاية باتنة لملفات إدارية تتعلق بتسوية وضعية بعض التعاونيات العقارية الواقعة جنوب مدينة باتنة، إلاّ أنّ الوضعية ما تزال على حالها، رغم تلقى أصحاب الملفات وعودا بتسوية قضاياهم، إلا أن العراقيل الإدارية حالت دون تمكينهم من رخص التجزئة كي يتسنى لهم بناء مساكنهم واستغلاها، رغم أنّ هذه التعاونيات التي بلغت أكثر من 20 تعاونية يحوز أصحابها على وثائق قانونية تخص عقود شراء موثقة يعود بعضها إلى سنة 1995 تاريخ إنشاء إحدى التعاونيات التي تحصلت على شهادة التعمير، منذ أكثر من 10 سنوات، مع مصادقة الوالي الأسبق بعد أن أبدت مديرية الري بالولاية اعتراضها على عملية التجزئة بسبب عدم وجود قناة الحماية من الفيضانات مرة، ونظرا لعدم وجود شبكة الصرف الصحي مرة أخرى. وقد طالب المعنيون من المديرية الإسراع في معالجة النقائص على مستواها والتوقف عن التذرع بعدم قدرتها على الترخيص لهم، مؤكدين أنهم لن ينتظروا طويلا، مناشدين الجهات المركزية إيجاد حل جذري ينهي معاناتهم ويمكنهم من الانتفاع بملكية أراضيهم التي تبقى موقوفة التنفيذ، حسب ما أكدوه في عديد الشكاوي والمراسلات إلى الجهات المعنية. وتعتبر بلدية تازولت بولاية باتنة من بين أقرب البلديات إلى عاصمة الولاية، والتي تعاني بدورها من مشكل غياب العقار، وهو ما حال حسب مسؤولي البلدية والمواطنين على حد سواء دون إنجاز العديد من المشاريع التنموية في مختلف المجالات، ما أثّر سلبا على عجلة التنمية بالبلدية التي توقفت منذ مدة. وقد دفعت هذه الوضعية إلى “هروب" مجموعة كبيرة ومهمة من المشاريع إلى بلديات أخرى بسبب عدم إيجاد أرضيات صالحة للبناء أخرها مشروع إنجاز وحدة للحماية المدنية الذي استفادت منه البلدية، غير أنّ تأخرا حصل في اختيار أرضية أدى إلى تحويل المشروع إلى بلدية رأس العيون، يضاف إليها عديد المشاريع بسبب كون البلدية منطقة أثرية تضم مواقع أثرية لم يتم اكتشافها بعد ولم تحدد خريطة تواجدها، لتبقى المدينة بدون توسعة حقيقية رغم وجود بناءات كثيرة شيدت على مواقع أثرية. يذكر أنّ والي الولاية كان قد طلب في زيارة سابقة للبلدية بضرورة القيام بتسوية أرضيات جبلية مرتفعة واستغلالها في إنجاز المشاريع، واستغلال أرضيات حتى وإن اقتضى الأمر التوسع باتجاه البلديات المجاورة.