الدخول إلى صحراء الجلفة ورؤية معاناة أهل «البويقلة» و«قطارة» يجعلك تطرح سؤالا واحدا.. أين هو نصيب المنطقة من مشاريع التنمية؟ حين تتحدث مع شبابها وتعيش ساعات مع أهل البويقلة وقطارة ستتساءل عن سبب التهميش المكشوف الذي تبرزه مؤشرات كثيرة وقفنا عندها، فالمنطقة تتوفر على مؤهلات اقتصادية ستحولها إلى قطب سياحي يجني الملايير ويقضي على عشرات المشاكل لو وجه إليها اهتمام المسؤولين. إنها المفارقات التي وقفت عليها «الشعب» في رحلتها إلى صحراء الجلفة . لم نتخيل حين قررنا التوجه إلى بلدية قطارة 240 كم عن مدينة الجلفة أن نجد ما رأيناه في طريق يمتد على مساحة شاسعة من الأراضي، تبدأ فيها فصول المعاناة حيث انعدام تغطية الهاتف النقال وغياب محطات توزيع البنزين على مسافة 170 كم انطلاقا من مدينة مسعد، رغم أن الطريق صار منفذا هاما يسلكه الموالون والقادمون من الصحراء. يقول مرافقونا أن كل محاولات الخواص من أجل فتح محطات قابلتها عراقيل إدارية وصعوبات ضاعفت من معاناة مستعملي الطريق وفرضت العزلة على سكانها وحصارا على الموالين . ويضيف «م ،ط» مواطن من المنطقة أن «الطريق صارت شبحا.. لا محطات لا تغطية ولا هم يحزنون» ،وبذات نبرة الحسرة يُجمع السكان أن وضعية الطريق «قضية» أما المسالك الريفية فهي صفحة أخرى من حكايات التهميش المضروب عليهم لأن أهل المنطقة موالون ومتوزعون ومن الصعب الولوج إلى أقرب مكان للتداوي أو لقضاء حاجياتهم. قرية البويقلة «نشرب ما تشربه أنعامنا أو نموت عطشا» وحدها الصدفة من جعلتنا ندخل البويقلة «ليلا» ، لنرى مشاهدا لم نستطع تحملها لساعات فما بالك بأهل القرية ،الظلام الحالك يُخيم عليها بسبب غياب الكهرباء في المنازل والشوارع على حد السواء. في منازل أخرى يفضل السكان الشموع بسبب ضعف الكهرباء، ويقولون أن مشروع إنجاز مولدين كهربائيين يعرف تأخرا كبيرا بسبب تلاعب شركة «سونلغاز الجلفة» المكلفة بالإنجاز الذي لم ينطلق في وقت أنهت «سونلغاز غرداية» إنجاز مولدين ببلدية قطارة رغم أن المشروعين تمت برمجتهما في نفس الوقت . وأضاف مسؤولون محليون أنه رغم تدخلاتهم إلا أن مصالح سونلغاز وعدتهم بمتابعة الأشغال منتصف شهر ماي. وفي حي 250 مسكن الذي تم إنجازه قبل 4 سنوات في إطار برنامج السكن الريفي التقينا مواطنين ودخلنا سكناتهم حيث لا كهرباء منذ سنوات ولا قنوات صرف المياه وأكثر من كل هذا لا طرقات ولا تهيئة . سألناهم عن حالهم فأجابونا بالدموع والغضب «عن أي حال تسألون، أنتم ترون ، منذ سنوات لا كهرباء ولا ماء و لا مسؤول زارنا يسأل عن حالنا سوى هذا العام.» المفاجأة الكبيرة كانت تنتظرنا في الظلام الحالك ونحن نتجول بشوارع بويقلة حيث لا تهيئة ولا منشآت .. رأينا أحد الموالين بشاحنته يُورد الماء رغم أن الشاحنة تحمل لوحة كتب عليها بالبنط العريض «ماء غير صالح للشرب»، يقول الموال «هذا الماء نشرب منه نحن وأغنامنا ، ماذا تريدون أن نفعل لا يوجد ماء هل نموت عطشا ». العقارب تحاصر الأطفال ، والحوامل يعشن العذاب قصة الأموات في منتصف الطريق بسبب «العقارب» و حالات «النساء الحوامل» اللواتي فقدن أجنتهن في ظل غياب التكفل بهن وغياب مسالك للوصول إلى العيادة الطبية بقطارة، هي يوميات السكان وأخبار ألفها معظمهم ،وأكثر من ذلك جعلتنا نصاب بدهشة كبيرة من أرقام الموتى «15 كل عام» نتيجة لدغات العقارب، اكتشفنا في البويقلة أننا في عالم يروي مفارقات مثيرة، في جلسات متفرقة مع من فقد إبنا قبل خمس سنوات بعد لدغة عقرب وهو يصف بألم وحزن «لم نجد أي سيارة لنقله، وقاعة العلاج لا تتوفر على مناوب ولا طبيب ،الله يرحمه، ماذا نفعل» كما التقينا أيضا مع طفل آخر كان ضحية لهجوم«كلب»، هذا الطفل لا يزال يخضع للعلاج ويتنقل كل أسبوع بسبب الوضعية الكارثية لقاعة العلاج التي وجدناها مغلقة وخالية على عروشها ليس بها سوى سيارة إسعاف مهترئة لا نعرف سبب تواجدها دون استعمالها. أكثر من 5000 منسي دون وثائق ..والتربية مأساة أخرى من كثرة مشاهد البؤس التي رأيناها نسينا أن نسأل عن التنمية والتربية وحال التلاميذ إلا حين التقينا أحد المعلمين الذي وصف لنا وضعية المدرسة، بالقول «المؤسسة تعيش وضعية مؤسفة بسبب الاكتظاظ في الأقسام 50 تلميذا في الحجرة» ويضيف «لمدة 13 سنة نعيش ونحاول تقديم الأفضل لكن كل شيء منعدم في غياب سكنات وظيفية للمعلمين الذي يتنقلون لمسافات بعيدة جعلت الكثير منهم يهرب نتيجة ما رأى وعانى ، ناهيك عن نقص التأطير في بعض المواد» في ذات الجلسة كشف محدثونا عن قضية المنسيين وغير المحصيين حيث يقول مرافقنا أنهم في حدود 5000 شخص بسبب التعقيدات الإدارية وعدم تسجيل معظم عقود الزواج، رغم محاولات بعض المسؤولين إلا أنها باءت بالفشل بسبب بعد الإدارة وثقافة السكان وأسباب أخرى ، إن كان سكان البويقلة في حدود الأربعة آلاف نسمة بحسب الإحصائيات فإن الواقع يؤكد أنهم أكثر من 10 ألاف نسمة . طيلة الساعات والجلسات لم نكن نبحث عن حقوق المواطنة ومقتضيات العيش ، بقدر بحثنا عن «الإنسانية» فالدموع لا تفارق محدثينا نتيجة ما وصفوه بالتهميش و«ما خفي فهو أعظم» في أماكن لم نستطع الولوج إليها بسبب المسالك الوعرة «بل غير موجودة أصلا » حيث لم تطأها قدم مسؤول ولا ضمير مُنتخب في زمن سابق. في هذا أكد لنا السكان أن حال الموالين في المناطق المعزولة صعب للغاية وانعدام المسالك وسط المساحات الشاسعة تجعلهم يتألمون في صمت. ويرون أطفالهم يتألمون دون أن يجدوا حلا أو مسؤولا أو طريقا لنجدتهم . ويضيف السكان بنبرة استغاثة وصراخ «كل ما نريده مسالك ريفية لفك العزلة عنا، وتوفير الماء بإصلاح الآبار في مختلف النقاط التي يمر بها الموالون ، وتوفير الكهرباء ليس لنعيش مثل باقي المواطنين لكن من أجل أن نتفادى العقارب». رسالة من سكان قطارة حتى نكون أوضح فإن «البويقلة» و «قطارة» عالم مختزل لا تعنيه تنمية ولا عيش كريم ، لكنهم بشر رائعون لا يزال الشباب فيهم رغم كل ما سردنا ورأينا يتمسكون بوطنيتهم ،...هو موقف آخر جعلنا نؤمن أن هؤلاء الشباب يستحقون مشاريع تنموية نتمنى أن يطلقها مسؤولون يزورون المنطقة ولا يتركونها عرضة للنسيان والإهمال. إنه «نداء» أعلنه شاب قاطع زميلا له في جلسة الحديث حين قال من شدة غضبه «نحن نطالب بتحسين ظروف العيش ومن حقنا العمل». حاولنا إيصال رسالة المعاناة من العزلة و«الإقصاء» عبر «الشعب» من خلال الصعب الذي عايشناه في يوم واحد والذي كان يكفي أن نعرف أن في الجلفة سكان يعيشون مرارة التهميش وحرقة العزلة ، يبيتون دون كهرباء ويشربون مثلما تشرب أنعامهم وصرخاتهم التكفل بهم بإجراءات عاجلة تنتهي المعاناة الطويلة. الحمام المعدني واجهة سياحية تنتظر التهيئة تتوفر قطارة على حمام معدني سيجعلها تتحول إلى قطب سياحي هام ، وتؤكد مصادرنا أن مديرية السياحة قد أنهت دراسة منذ أشهر من أجل تصنيف البلدية إلى منطقة سياحية، ما يتمكنها من تسجيل عملية إنجاز وتهيئة حمام قطارة . رغم ما رأيناه من مأساة في بلدية قطارة فإن الوقوف على مؤهلاتها الاقتصادية والسياحية الكبيرة التي لم تلق الاهتمام في وقت سابق كفيل بتعويض سنوات التأخر. مدينة قطارة تعد بوابة إلى الصحراء يمر عليها يوميا عشرات المركبات عبر طريق «قرارة ، قطارة» الذي يعاني من و ضعية كارثية. يقول محدثونا أن صعوبة المسلك زاد من عزلة المنطقة ، في ذات السياق أكد مسؤولون محليون أنهم يبذلون مجهودات بالتعاون مع مسؤولي «القرارة» لإنجاز الطريق الممتد على مسافة 50 كلم ، وناشد سكان قطارة السلطات الولائية من أجل إيجاد حلول عاجلة للقضاء على العراقيل الإدارية التي يتلقاها خواص من أجل إنشاء محطات البنزين والقضاء على معضلة مستعملي الطريق إضافة إلى توفير مناصب شغل . في سياق متصل ، فقطارة المدينة تتوفر على حمام معدني متميز سيجعلها تتحول إلى قبلة الكثير من المواطنين من مختلف أنحاء الوطن ، غير أن ضعف ميزانية البلدية حال دون تهيئة الحمام . في هذا يقول مرافقونا أن إنجاز الحمام المعدني يعد حلما طالما انتظره سكان قطارة من أجل القضاء على العزلة وتوفير آلاف مناصب الشغل، وسيسمح بتحويلها إلى منطقة سياحية بمشروع سيفتح آفاقا ويعيد الحياة إلى أهلها ويعوضها عن سنوات التأخر الذي لحقها، هذه هي الحقيقة التي يؤكدها سكان قطارة فهل يسمع نداءهم ؟ .