يأتي للإنسانية رجل صالح بعد هلاك عاد بذنوبهم وطهر الأرض منهم، وأورث الحق هذه الأرض قوم ثمود، فعمروها عمارًا أكثر وتقدمًا أكثر وحضارة أكثر ففجرا في الأرض عيون الماء العذب وغرسوا الحدائق، ونحتوا في الجبال مكاناً للنزهة، ووسع الله عليهم الرزق. فصالح بن عبد بن ماسح بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام دعا قومه إلى عبادة اللّه. قال تعالى: ﴾وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب﴿ (هود الآية 61). ولكن الجانب الآخر من البشر كذب، فحذرهم مخالفته، وأعلن فيهم رسالته وذكرهم بنعمة الله. قال تعالى: ﴾كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتّقون إنّي لكم رسول أمين فاتّقوا اللّه وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلاّ على ربّ العالمين. أتتركون في ما هاهنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين فاتّقوا اللّه وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون﴿ (الشعراء من الآية 141 إلى الآية 152). وقوم صالح في تقدم وحضارة لا تعرف الآن الوصول إليها، فالحق يعطي بعضًا من البشرية حضارة فإذا أراد نهايتها أنهاها، فيأتي من بعدهم قوم لا يعرفون طريقة صنع الحضارة، قال الحق سبحانه وتعالى: ﴾حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون﴿ (يونس الآية 24). وهنا تأتي المعجزة لصالح عليه السلام، فقالوا لصالح إن أنت أخرجت لنا من الصخرة ناقة من صفتها كذا وكذا. وذكروا أوصافاً سموها وتعنتوا فيها، فقال لهم صالح عليه السلام إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقونني فيما أرسلت به إليكم، قالوا: نعم فأخذ عهودهم ومواثيقهم علي ذلك. فأمر اللّه عز وجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عثراء على الوجه الذي طلبوه، فلمّا عاينوها آمن بعضهم واستمر أكثرهم على كفرهم، ولهذا قال تعالى: ﴾وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها﴿ (الإسراء الآية 59)، وقال تعالى: ﴾هذه ناقة اللّه لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم﴿ (الأعراف الآية 73)، وقال تعالى: ﴾قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم﴿ (الشعراء الآيتين 155 156) فلما طالت عليهم اجتمع ملؤهم واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة ليستريحوا منها، مع أنهم هم الذين طلبوها أرادوا شراب أنفسهم بأنفسهم، وكان الذي تولي قتلها رئيسهم بمعونة ثمانية من أفراد القبيلة. قال تعالى: ﴾وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا باللّه لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنّا لصادقون﴿ (النمل الآيتين 48 49). وقال تعالى: ﴾فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا ياصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين﴿ (الأعراف الآية 77) وقال تعالى: ﴾ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنّا دمّرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إنّ في ذلك لآية لقوم يعلمون وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتّقون﴿ (النمل من 50 إلى 53)، وقال تعالى: ﴾فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب﴿ (هود الآية 65). ففي صبيحة اليوم الرابع جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم ورجفة شديدة، وزهقت النفوس الكافرة وسكنت الحركات وخشعت الأصوات، فأصبحوا في دارهم جثما لا أرواح فيها ولا حراك بها، ونجا اللّه صالحا والذين آمنوا معه تلك رحمة اللّه للمؤمنين. قال تعالى: ﴾فلما جاء أمرنا نجّينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إنّ ربّك هو القوي العزيز وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود'' . (هود من 66 إلى 68).