هذه رزنامة امتحاني البيام والبكالوريا    مكسب جديد للأساتذة والمعلمين    تعيين نواب من العهدات السابقة في اللجنة الخاصة    سوناطراك: حشيشي يستقبل الأمين العام لمنتدى لدول المصدرة للغاز    عجّال يبحث سبل تعزيز التعاون مع سفير جنوب إفريقيا    تطبيق رقمي لتحديد التجّار المُداومين في العيد    الرجال على أبواب المونديال    2150 رحلة إضافية لنقل المسافرين عشية العيد    التبرع بالدم.. سمة جزائرية في رمضان    الحماية المدنية تدعو إلى الحيطة    فرنسا.. العدوانية    هذا موعد ترقّب هلال العيد    الجيش الوطني الشعبي: القضاء على إرهابيين و خمسة آخرون يسلمون أنفسهم خلال أسبوع    صحة : السيد سايحي يترأس اجتماعا لضمان استمرارية الخدمات الصحية خلال أيام عيد الفطر    معركة جبل بشار... حدث هام يحمل دلالات تاريخية كبيرة    الجزائر توقع اتفاقيات بقيمة مليار دولار خلال معرض الصناعات الغذائية بلندن    تساقط الثلوج على مرتفعات وسط وشرق البلاد ابتداء من مساء السبت المقبل    قطاع الصحة يتعزز بأزيد من 6000 سرير خلال السداسي الأول من السنة الجارية    إحياء ليلة القدر: تكريم المتفوقين في مختلف المسابقات الدينية بجنوب البلاد    الرئيس الصحراوي يدعو الى التعبئة من أجل فضح السياسات القمعية للاحتلال المغربي بحق السجناء السياسيين    الجزائر تشارك في الطبعة ال 12 من الصالون الدولي للسياحة بكرواتيا    بلمهدي يستقبل المتوجين في المسابقة الوطنية لحفظ القرآن والمسابقة التشجيعية لصغار الحفظة    كأس الجزائر (الدور ربع النهائي): اتحاد الحراش أول المتأهلين إلى نصف النهائي    فلسطين: الكيان الصهيوني يواصل عدوانه على طولكرم ومخيمها لليوم ال60 على التوالي    قسنطينة/ مكافحة السكن الهش : توزيع مفاتيح 1226 وحدة سكنية    المرصد الأورومتوسطي: استشهاد أكثر من 103 فلسطينيا واصابة 223 اخرين يوميا منذ استئناف العدوان على غزة    اللقاء بسفير المملكة لدى الجزائر فرصة لتأكيد "ضرورة تعزيز التعاون والشراكة"    فوز المنتخب الوطني على الموزمبيق "رسالة واضحة للمشككين"    عرض فيلم زيغود يوسف    محرز فخور    صادي سعيد    حلوى "التمر المحشي" على رأس القائمة    "الطلاق" موضوع ندوة علمية    ملابس العيد.. بين بهجة الموديلات ولهيب الأسعار    الجمعية الوطنية لتربية المائيات تطالب بلقاء الوصاية    دورية تفتيشية لمكاتب صرف منحة السفر    سوريا تواجه تحديات أمنية وسياسية خطيرة    "أطباء بلا حدود" تطالب بمرور المساعدات الإنسانية لفلسطين    خط السكة العابر للصحراء.. شريان تنموي وثقل إقليمي    تشياني يصبح رئيسا لجمهورية النيجر رئيسا لدولة    الفساد يستشري في المغرب ويهدّد مفاصل الدولة    حققنا فوزا مهما لكننا لم نضمن التأهل بعد    برامج ومسلسلات ومنوعات اختفت    أغلب رواياتي كتبتها في رمضان    حساب رسمي لوزارة الدفاع الوطني على "إنستغرام"    الأرجنتين تدكّ شباك البرازيل برباعية    بيتكوفيتش: لم نتأهل بعد إلى المونديال وراض عن الأداء    رفع مستوى التنسيق لخدمة الحجّاج والمعتمرين    حج 2025: برايك يشرف على اجتماع تنسيقي مع وكالات السياحة والأسفار    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شوال السبت القادم    طوابع بريدية تحتفي بالزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري    الجزائر تندد    استشهاد 17 فلسطينيا خلال استهداف منازل وخيام لنازحين    فرسان صغار للتنافس بمساجد قسنطينة    الدعاء في ليلة القدر    المعتمرون ملزمون بالإجراءات التنظيمية    غزة تُباد..    هؤلاء حرّم الله أجسادهم على النار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ناقة صالح كانت تطعم كل سكان القرية
الشروق‮ تدخل‮ مساكن‮ النبي‮ صالح‮ بالأردن‮

‮ ثمود‮ نحتوا‮ الجبال‮ قصورا،‮ وجحدوا‮ ناقة‮ الله‮ وسقياها‮
تقع‮ مساكن‮ ثمود‮ في‮ مدينة‮ البتراء ووادي‮ رم‮ وما‮ جاورها،‮ وقد‮ بنيت‮ هذه‮ البيوت‮ كلها‮ من‮ نقش‮ الحجر،‮ ماتزال‮ قائمة‮ على أصولها‮ إلى يومنا‮ هذا‮.‬
*

*
حين تقترب منها تعجبك هندستها و يأخذك الفضول للدخول إليها، فبرغم تغير المناخ وتعاقب العصور، إلا أن مساكن ثمود قوم صالح لم تتأثر بهذه التغييرات الطبيعية، بل تقول إحدى الروايات أنها تعرضت سابقا إلى قصف، لم تتفتت صخورها التي تشبعت بالوادي القريب منها، تتضح صورها‮ في‮ آية‮:‬ ‮(‬وثمود‮ الذين‮ جابوا‮ الصخر‮ بالوادي‮).‬
*
إن قوم صالح عليه السلام: هم قبيلة مشهورة يقال لها ثمود باسم جدهم ثمود أخي جديس، وهما ابنا عابر بن ارم بن سام بن نوح، وكانوا عربا من الباذدة يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك، وقد مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين، وكانوا بعد قوم عاد، وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك، فبعث الله فيهم رجلا منهم، وهو عبد الله ورسوله: فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يخلعوا الأصنام والأنداد، ولا يشركوا به شيئا، فآمنت به طائفة منهم، وكفر جمهورهم، ونالوا منه بالمقال والفعال وهموا بقتله،‮ وقتلوا‮ الناقة‮ التي‮ جعلها‮ الله‮ حجة‮ عليهم،‮ فأخذهم‮ الله‮ أخذ‮ عزيز‮ مقتدر‮.‬
*
قصتهم،‮ وما‮ كان‮ من‮ أمرهم،‮ وكيف‮ نجا الله‮ نبيه‮ صالحا‮ عليه‮ السلام،‮ ومن‮ آمن‮ به،‮ وكيف‮ قطع‮ دابر‮ القوم‮ الذين‮ ظلموا‮ بكفرهم،‮ وعتوهم‮ ومخالفتهم‮ رسولهم‮ عليه‮ السلام‮.‬
*
قد‮ ذكرنا‮ أنهم‮ كانوا‮ عربا‮ وكانوا‮ بعد‮ عاد،‮ ولم‮ يعتبروا‮ بما‮ كان‮ من‮ أمرهم،‮ ولهذا‮ قال‮ لهم‮ نبيهم‮ عليه‮ السلام‮:
*
(وإلى ثمود أخاهم صالحا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم * واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبواكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال‮ بيوتا‮ فاذكروا‮ آلاء الله‮ ولا‮ تعثوا‮ في‮ الأرض‮ مفسدين‮).‬
*
أي: إنما جعلكم خلفاء من بعدهم، لتعتبروا بما كان أمرهم، وتعملوا بخلاف عملهم، وأباح لكم هذه الأرض تبنون في سهولها القصور، وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين، أي: حاذقين في صنعتها واتقانها وإحكامها، فقابلوا نعمة الله بالشكر والعمل الصالح، والعبادة له وحده لا شريك‮ له،‮ وإياكم‮ ومخالفته،‮ والعدول‮ عن‮ طاعته،‮ فإن‮ عاقبة‮ ذلك‮ وخيمة‮.‬
*
وقال‮ لهم‮ أيضا‮:‬ ‮(... قال‮ ياقوم‮ اعبدوا‮ الله‮ ما‮ لكم‮ من‮ إله‮ غيره‮ هو‮ أنشأكم‮ من‮ الأرض‮ واستعمركم‮ فيها‮...).‬
*
أي‮:‬ هو‮ الذي‮ خلقكم،‮ فأنشأكم‮ من‮ الأرض،‮ وجعلكم‮ عمارها‮:‬ أي‮ أعطاكموها‮ بما‮ فيها‮ من‮ الزروع‮ والثمار،‮ فهو‮ الخالق‮ الرزاق،‮ فهو‮ الذي‮ يستحق‮ العبادة‮ وحده‮ لا‮ سواه‮.‬
*
‮(‬فاستغفروه‮ ثم‮ توبوا‮ إليه‮) أي‮:‬ أقلعوا‮ عما‮ أنتم‮ فيه،‮ وأقبلوا‮ على عبادته‮ فإنه‮ يقبل‮ منكم،‮ ويتجاوز‮ عنكم‮.‬
*
‮(‬إن‮ ربي‮ قريب‮ مجيب‮ *‬‮ قالوا‮ يا‮ صالح‮ قد‮ كنت‮ فينا‮ مرجوا‮ قبل‮ هذا‮)‬
*
أي‮:‬ قد‮ كنا‮ نرجو‮ أن‮ يكون‮ عقلك‮ كاملا،‮ وهي‮ دعاؤك‮ إيانا‮ إلى إفراد‮ العبادة،‮ وترك‮ ما‮ كنا‮ نعبده‮ من‮ الأنداد،‮ والعدول‮ عن‮ دين‮ الآباء‮ والأجداد‮.‬
*
ولهذا قالوا: (... اتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب * قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير فما تزيدونني غير تخسير).
*
وهذا تلطف منه لهم في العبارة، ولين الجانب، وحسن تأت في الدعوة لهم إلى الخير، أي: فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم، وأدعوكم إليه، ماذا عذركم عند الله، وماذا يخلصكم بين يديه، وأنتم تطلبون مني أن أترك دعاءكم إلى طاعته.
*
وأنا‮ لا‮ يمكنني‮ هذا‮ لأنه‮ واجب‮ علي،‮ ولو‮ تركته‮ لما‮ قدر‮ أحد‮ منكم،‮ ولا‮ من‮ غيركم،‮ أن‮ يجيرني‮ منه‮ ولا‮ ينصرني،‮ فأنا‮ لا‮ أزال‮ أدعوكم‮ إلى الله‮ وحده‮ لا‮ شريك‮ له،‮ حتى يحكم‮ الله‮ بيني‮ وبينكم‮.‬
*
وقالوا‮ له‮ أيضا‮: (‬إنما‮ أنت‮ من‮ المسحرين‮)
*
أي‮:‬ من‮ المسحورين،‮ يعنون‮ مسحورا‮ لا‮ تدري‮ ما‮ تقول‮ في‮ دعائك‮ إيانا‮ إلى إفراد‮ العبادة‮ وحده،‮ وخلع‮ ما‮ سواه‮ من‮ الأنداد،‮ وهذا‮ القول‮ عليه‮ الجمهور‮ إن‮ المراد‮ بالمسحرين‮ المسحورين‮.
*
وقولهم‮: (‬فاْت‮ بآية‮ إن‮ كنت‮ من‮ الصادقين‮)‬
*
سألوا‮ منه‮ أن‮ يأتيهم‮ بخارق‮ يدل‮ على صدق‮ ما‮ جاءهم‮.‬
*

*
الناقة‮ تخرج‮ من‮ الصخرة
*
قال‮:‬ ‮(‬قال‮ هذه‮ ناقة‮ لها‮ شرب‮ ولكم‮ شرب‮ يوم‮ معلوم‮ *‬‮ ولا‮ تمسوها‮ بسوء‮ فيأخذكم‮ عذاب‮ يوم‮ عظيم‮).‬
*
وقال‮:‬ ‮(‬قد‮ جاءتكم‮ بينة‮ من‮ ربكم‮ هذه‮ ناقة‮ الله‮ لكم‮ آية‮ فذروها‮ تأكل‮ في‮ أرض‮ الله‮ ولا‮ تمسوها‮ بسوء فيأخذكم‮ عذاب‮ أليم‮)‬
*
وقال‮ تعالى‮: (‬وآتينا‮ ثمود‮ الناقة‮ مبصرة‮ فظلموا‮ بها‮).‬
*
وقد‮ ذكر‮ المفسرون‮ أن‮ ثمود‮ اجتمعوا‮ يوما‮ في‮ ناديهم،‮ فجاءهم‮ رسول‮ الله‮ صالح‮ فدعاهم‮ إلى الله،‮ وذكرهم،‮ وحذرهم،‮ ووعظهم،‮ وأمرهم،
*
فقالوا‮ له‮:‬
*
إن‮ أنت‮ أخرجت‮ لنا‮ من‮ هذه‮ الصخرة،‮ وأشاروا‮ إلى صخرة‮ هناك‮ ناقة‮ من‮ صفتها‮ كيت‮ وكيت،‮ وذكروا‮ أوصافا‮ سموها‮ ونعتوها،‮ وتعنتوا‮ فيها،‮ وأن‮ تكون‮ عشراء طويلة،‮ من‮ صفتها‮ كذا‮ وكذا‮.‬
*
فقال‮ لهم‮ النبي‮ صالح‮ عليه‮ السلام‮:‬ أرأيتم‮ إن‮ أجبتكم‮ إلى ما‮ سألتم‮ على الوجه‮ الذي‮ طلبتم‮ أتؤمنون‮ بما‮ جئتكم‮ به‮ وتصدقوني‮ فيما‮ أرسلت‮ به‮.‬
*
قالوا‮:‬ نعم،‮ فأخذ‮ عهودهم‮ ومواثيقهم‮ على ذلك،‮ ثم‮ قام‮ إلى مصلاه‮ فصلى الله‮ عز‮ وجل‮ ما‮ قدر‮ له،‮ ثم‮ دعا‮ ربه‮ عز‮ وجل‮ أن‮ يجيبهم‮ إلى ما‮ طلبوا‮.‬
*
فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفظر عن ناقة عظيمة عشراء، على الوجه المطلوب الذي طلبوا أو على الصفة التي نعتوا، فلما عاينوها كذلك، رأوا أمرا عظيما، ومنظرا هائلا، وقدرة باهرة، ودليلا قاطعا، وبرهانا ساطعا، فآمن كثير منهم، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم، وعنادهم‮.
*
ولهذا‮ قال‮:‬ ‮(‬فظلموا‮ بها‮) أي‮: جحدوا‮ بها،‮ ولم‮ يتبعوا‮ الحق‮ بسببها‮ أي‮:‬ أكثرهم‮.‬
*
‮ ولهذا‮ قال‮ لهم‮ صالح‮ عليه‮ السلام‮:‬ ‮(‬هذه‮ ناقة‮ الله‮ لكم‮ آية‮)‬
*
‮(‬لكم‮ آية‮) أي‮:‬ دليلا‮ على صدق‮ ما‮ جئتكم‮ به‮.‬
*
‮(‬فذروها‮ تأكل‮ في‮ أرض‮ الله‮ ولا‮ تمسوها‮ بسوء‮ فيأخذكم‮ عذاب‮ قريب‮)
*
فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم، ترعى حيث شاءت من أرضهم، وترد الماء يوما بعد يوم، وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك، فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم، ويقال: إنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم.
*

*
حليب‮ الناقة‮ يسقي قوم‮ ثمود
*
ولهذا‮ قال‮:‬ ‮(‬لها‮ شرب،‮ ولكم‮ شرب‮ يوم‮ معلوم‮)‬
*
ولهذا‮ قال‮ تعالى‮:‬ ‮(‬إنا‮ مرسلو‮ الناقة‮ فتنة‮ لهم‮)
*
أي‮: اختبار‮ لهم‮ أيؤمنون‮ بها‮ أم‮ يكفرون؟‮ والله‮ أعلم‮ بما‮ يفعلون‮.‬
*
‮(‬فارتقبهم‮) أي‮:‬ انتظر‮ ما‮ يكون‮ من‮ أمرهم،‮ واصطبر‮ على أذاهم‮ فسيأتيك‮ الخبر‮ على جلية‮.‬
*
‮(‬ونبئهم‮ أن‮ الماء قسمة‮ بينهم‮ كل‮ شرب‮ محتضر‮)
*
فلما‮ طال‮ عليهم‮ الحال‮ هذا،‮ اجتمع‮ ملؤهم‮ واتفق‮ رأيهم‮ على أن‮ يعقروا‮ هذه‮ الناقة‮ ليستريحوا‮ منها،‮ ويتوفر‮ عليهم‮ ماؤهم،‮ وزين‮ لهم‮ الشيطان‮ أعماله‮.‬
*
قال‮ الله‮ تعالى‮: (‬فعقروا‮ وعتوا‮ عن‮ أمر‮ ربهم‮ وقالوا‮ يا‮ صالح‮ ائتنا‮ بما‮ تعدنا‮ إن‮ كنت‮ من‮ المرسلين‮) وكان‮ الذي‮ تولى قتلها‮ منهم‮ رئيسهم‮:‬ قدار‮ بن‮ سالف‮ بن‮ جند
*
أن‮ امرأتين‮ من‮ ثمود،‮ اسم‮ إحداهما‮:‬ وكانت‮ ذات‮ حسب‮ و‮ مال،‮ وكانت‮ تحت‮ رج‮ لمن‮ أسلم‮ ففارقته،‮ فدعت‮ ابن‮ عم‮ لها‮ يقال‮ له‮:‬ مصرع‮ بن‮ مهرج‮ بن‮ المحيا،‮ وعرضت‮ عليه‮ نفسها‮ إن‮ هو‮ عقر‮ الناقة‮.
*
والأخرى‮:‬ كانت‮ عجوزا‮ كافرة،‮ لها‮ بنات‮ من‮ زوجها‮ ذؤاب‮ بن‮ عمرو،‮ أحد‮ الرؤساء،‮ فعرضت‮ بناتها‮ الأربع‮ على قدار‮ بن‮ سالف‮ إن‮ هو‮ عقر‮ الناقة،‮ فله‮ أي‮ بناتها‮ شاء‮.‬
*
فانتدب‮ هذان‮ الشابان‮ لعقرها،‮ وسعوا‮ في‮ قومهم‮ بذلك،‮ فاستجاب‮ لهم‮ سبعة‮ آخرون،‮ فصاروا‮ تسعة،‮ وهم‮ المذكورون‮ في‮ قوله‮ تعالى‮:‬
*
‮(‬وكان‮ في‮ المدينة‮ تسعة‮ رهط‮ يفسدون‮ في‮ الأرض‮ ولا‮ يصلحون‮)‬
*
وسعوا في بقية القبيلة، وحسنوا لهم عقرها، فأجابوهم إلى ذلك، وطاوعهم في ذلك، فانطلقوا يرصدون الناقة، فلما صدرت من وردها كمن لها مصرع فرماها بسهم، فانتظم عظم ساقها، وجاء النساء يزمرن القبيلة في قتلها، وحسرن عن وجوههن ترغيبا لهم.
*
فابتدرهم قدار بن سالف فشد عليها بالسيف، فكشف عن عرقوبها، فخرت ساقطة إلى الأرض، ورغت رغاة واحدة عظيمة تحذر ولدها، ثم طعن في لبتها فنحرها، وانطلق سقيها وهو فصيلها، فصعد جبلا منيعا ودعا ثلاثا.
*

*
أشقى الناس‮ يوم‮ القيامة
*
وقال‮:‬ بل‮ اتبعوه‮ فعقروه‮ أيضا
*
قال‮ الله‮ تعالى‮: (‬فنادوا‮ صاحبهم‮ فتعاطى فعقر‮ *‬‮ فكيف‮ كان‮ عذابي‮ ونذر‮)‬
*
وقال‮ تعالى‮:‬ ‮(‬إذا‮ انبعث‮ أشقاها‮ *‬‮ فقال‮ لهم‮ رسول‮ الله‮ ناقة‮ الله‮ وسقياها‮)‬
*
عن‮ عبد‮ الله‮ بن‮ زمعة‮ قال‮:‬ خطب‮ رسول‮ الله‮ صلى الله‮ عليه‮ وسلم‮ فذكر‮ الناقة،‮ وذكر‮ الذي‮ عقرها‮ فقال‮:‬ ‮(‬إذ‮ انبعث‮ أشقاها‮) انبعث‮ لها‮ رجل‮ من‮ عارم،‮ عزيز‮ منيع‮ في‮ رهطه،‮ مثل‮ أبي‮ زمعة‮).‬
*
أى‮ شهم‮ عزيز،‮ أي‮ رئيس‮ منيع‮ أي‮ مطاع‮ في‮ قومه‮.‬
*
عن‮ عمار‮ بن‮ ياسر‮ قال‮:‬
*
قال‮ رسول‮ الله‮ صلى الله‮ عليه‮ وسلم‮ لعلي‮:‬ ‮(‬ألا‮ أحدثك‮ بأشقى الناس؟‮).‬
*
قال‮:‬ بلى‮.‬
*
قال‮:‬ ‮(‬رجلان‮ أحدهما‮ أحيمر‮ ثمود‮ الذي‮ عقر‮ الناقة،‮ والذي‮ يضربك‮ يا‮ علي‮ على هذا‮ - يعني‮ قرنه‮ - حتى تبتل‮ منه‮ هذه‮ - يعني‮ لحيته‮).‬
*
وقال‮ تعالى‮:‬ ‮(‬فعقروا‮ الناقة‮ وعتوا‮ عن‮ أمر‮ ربهم‮ وقالوا‮ يا‮ صالح‮ ائتنا‮ بما‮ تعدنا‮ إن‮ كنت‮ من‮ المرسلين‮).‬
*
فجمعوا‮ في‮ كلامهم‮ هذا‮ بين‮ كفر‮ بليغ‮ من‮ وجوه‮:‬
*
منها‮:‬ أنهم‮ خالفوا‮ الله‮ ورسوله‮ في‮ ارتكابهم‮ النهي‮ الأكيد‮ في‮ عقر‮ الناقة‮ التي‮ جعلها‮ الله‮ لهم‮ آية‮.‬
*
ومنها‮:‬ أنهم‮ استعجلوا‮ وقوع‮ العذاب‮ بهم‮ فاستحقوه‮ من‮ وجهين‮:‬
*
أحدهما‮:‬ الشرط‮ عليهم‮ في‮ قوله‮:‬ ‮(‬ولا‮ تمسوها‮ بسوء‮ فيأخذكم‮ عذاب‮ قريب‮) والثاني‮:‬ استعجالهم‮ على ذلك‮.‬
*
ومنها‮:‬ أنهم‮ كذبوا‮ الرسول‮ الذي‮ قد‮ قام‮ الدليل‮ القاطع‮ على نبوته‮ وصدقه،‮ وهم‮ يعلمون‮ ذلك‮ علما‮ جازما،‮ ولكن‮ حملهم‮ الكفر‮ والضلال،‮ والعناد‮ على استبعاد‮ الحق،‮ ووقوع‮ العذاب‮ بهم‮.‬
*
قال الله تعالى: (فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب) وذكروا أنهم لما عقروا الناقة كان أول من سطا عليها قدار بن سالف لعنه الله، فعرقبها فسقطت إلى الأرض، ثم ابتدروها بأسيافهم يقطعونها، فلما عاين ذلك سقيها - وهو ولدها - شرد عنهم، فعلا أعلى الجبل‮ هناك،‮ ورغا‮ ثلاث‮ مرات‮.‬
*
فلهذا‮ قال‮ لهم‮ صالح‮: (‬تمتعوا‮ في‮ داركم‮ ثلاثة‮ أيام‮)‬
*
أي‮:‬ غير‮ يومهم‮ ذلك،‮ فلم‮ يصدقوه‮ أيضا‮ في‮ هذا‮ الوعد‮ الأكيد،‮ بل‮ لما‮ أمسوا‮ هموا‮ بقتله،‮ وأرادوا‮ فيما‮ يزعمون‮ أن‮ يلحقوه‮ بالناقة‮.‬
*
‮(‬قالوا‮ تقاسموا‮ بالله‮ لنبيتنه‮ وأهله‮)‬
*
أي‮:‬ لنكبسنه‮ في‮ داره‮ مع‮ أهله،‮ فلنقتلنه‮ ثم‮ نجحدن‮ قتله،‮ وننكرن‮ ذلك‮ إن‮ طالبنا‮ أولياؤه‮ بدمه‮.‬
*
ولهذا‮ قالوا‮: (‬تم‮ لنقولن‮ لوليه‮ ما‮ شهدنا‮ مهلك‮ أهله‮ وإنا‮ لصادقون‮)‬
*

*
هلاك‮ قوم‮ ثمود
*
وقال الله تعالى: (ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون * فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين * فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون * وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون).
*
وذلك‮ أن‮ الله‮ تعالى‮ أرسل‮ على أولئك‮ النفر‮ الذين‮ قصدوا‮ قتل‮ صالح‮ حجارة‮ رضختهم،‮ سلفا‮ وتعجيلا‮ قبل‮ قومهم‮.‬
*
وأصبحت‮ ثمود‮ يوم‮ الخميس،‮ وهو‮ اليوم‮ الأول‮ من‮ أيام‮ النظرة،‮ ووجوههم‮ مصفرة‮ كما‮ أنذرهم‮ صالح‮ عليه‮ السلام،‮ فلما‮ أمسوا‮ نادوا‮ بأجمعهم‮: ألا‮ قد‮ مضى يوم‮ من‮ الأجل‮.‬
*
ثم‮ أصبحوا‮ في‮ اليوم‮ الثاني‮ من‮ أيام‮ التأجيل،‮ وهو‮ يوم‮ الجمعة‮ ووجوههم‮! محمرة،‮ فلما‮ أمسوا‮ نادوا‮ ألا‮ قد‮ مضى يومان‮ من‮ الأجل‮.‬
*
ثم‮ أصبحوا‮ في‮ اليوم‮ الثالث‮ من‮ أيام‮ المتاع،‮ وهو‮ يوم‮ السبت،‮ ووجوههم‮ مسودة،‮ فلما‮ أمسوا‮ نادوا‮ ألا‮ قد‮ مضى الأجل‮.‬
*
فلما‮ كان‮ صبيحة‮ يوم‮ الأحد،‮ تحنطوا‮ وتأهبوا‮ وقعدوا‮ ينظرون‮ ماذا‮ يحل‮ بهم‮ من‮ العذاب،‮ والنكال،‮ والنقمة،‮ لا‮ يدرون‮ كيف‮ يفعل‮ بهم،‮ ولا‮ من‮ أي‮ جهة‮ يأتيهم‮ العذاب‮.‬
*
فلما أشرقت الشمس، جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم، ورجفة شديدة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح، وزهقت النفوس، وسكنت الحركات، وخشعت الأصوات، وحقت الحقائق، فأصبحوا في دارهم جاثمين جثثا لا أرواح فيها، ولا حراك بها.
*
قالوا ولم يبق منهم أحد إلا جارية كانت مقعدة، واسمها كلبة - بنت السلق - ويقال لها: الذريعة، وكانت شديدة الكفر والعداوة لصالح عليه السلام، فلما رأت العذاب أطلقت رجليها، فقامت تسعى كأسرع شيء، فأتت حيا من العرب فأخبرتهم بما رأت، وما حل بقومها واستسقتهم ماء، فلما‮ شربت‮ ماتت‮.‬
*
قال‮ الله‮ تعالى‮:‬ ‮(‬كأن‮ لم‮ يغنوا‮ فيها‮) أي‮:‬ لم‮ يقيموا‮ فيها‮ في‮ سعة‮ ورزق‮ وغناء‮.‬
*
‮(‬ألا‮ إن‮ ثمود‮ كفروا‮ ربهم‮ ألا‮ بعدا‮ لثمود‮) أي‮:‬ نادي‮ عليهم‮ لسان‮ القدر‮ بهذا‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.