لم يخطئ الشاعر أحمد شوقي لما قال .. الأم مدرسة، إن أعددتها، أعددت شعبا طيب الأعراق. وتبقى فعلا المرأة حجر الزاوية في البناء الاجتماعي، مما يفرض وباستمرار، مرافقتها في تعميق انخراطها في الديناميكية التنموية كطرف فاعل وليس متلق فقط. ولا تزال المرأة في كافة المواقع تلعب دورها الحيوي بدءا بتخريج أجيال متوازنة ومتطلعة وطموحة من خلال الدور التربوي في تنشئة الأبناء ليصبحوا رجالا ونساء يتحملون المسؤولية ولديهم القدرات الذهنية والنفسية لمواجهة شتى مناحي الحياة، بل وإدراكهم لتحديات العولمة، التي تستهدف أيضا الشعوب من خلال أطفالها. وليس هناك بديلا عن المرأة، أما كانت أو جدة أو أختا أو معلمة، لمرافقة بناء شخصية الطفل الجزائري الذي لا ينبغي تركه عرضة للتكنولوجيات الجديدة الجذابة بقدر ما يجب أن يحصن تجاه ما تفرزه من مخاطر سوء التعاطي معها. ولهذا، فإن للمرأة من مختلف مواقعها دور كبير وحساس في تطعيم الطفل بأكبر حجم من الضمانات التي تسمح له بأن يكون مسؤول الغد تجاه نفسه ومجتمعه ووطنه وهويته. وهكذا تجد المرأة نفسها في مواجهة العولمة الجارفة، على جبهة الثقافة والموروث الحضاري بكامل روافده وعلى درجة بساطته، ومن ثمة ضرورة أن تتعامل معها ومع إفرازاتها بكل الذكاء والقوة المطلوبتين، ولعلّ أول تطعيم لأبنائنا يكون بعد التشبع بحليب الأمهات والتغذية بالقيم والتقاليد السليمة وتوريث الأعراف التي جعلت الشعب الجزائري مميزا على مدار التاريخ. أليست المرأة على مر التاريخ الاستعماري من نقلت للأجيال قيم الحرية والأنفة والتحدي، وكانت السند المتين للمقاومة الشعبية التي أثمرت بعد ليل طويل ثورة نوفمبر المجيدة ذلك الجيل الذهبي من التبرالخالص، فنهض حرا طليقا ليكسر القيود عن شعبه ويطير به إلى الاستقلال. ومن خلال جداتنا وأمهاتنا على ما عانين من حرمان من التعلم والتهميش الاجتماعي والقهر الاقتصادي والتعذيب والإهانة أمكن قهر الخوف الذي لطالما أصاب رجالا من قبل، وزرعن فيهم جيلا بعد جيل، شعلة الإرادة التي لا تنطفئ إلى الأبد. إنها شعلة الوطنية.