تشهد الجزائر خلال الفترة الأخيرة جدلا واسعا حول أسباب وتداعيات ما أصبح يعرف «بفوضى الفتاوى»، خاصة بعد إقبال الجزائريين على فتاوى الفضائيات وعلماء من خارج البلاد، الأمر الذي يعتبره الأستاذ محمد الصغير بلعلام مؤشرا سلبيا على وحدة وتماسك الجزائريين. وقد أكد الأستاذ، وهو باحث في التاريخ والإسلاميات، خلال استضافته في منبر ضيف الشعب، أن أفكارا متشددة تهدد المرجعية الدينية الوطنية، عبر استيراد فتاوى لعلماء من الخارج يكون محتواها مخالفا لواقع وعادات الجزائريين، وهو ما يؤثر - برأيه - على تماسك ووحدة المجتمع، خاصة أن الغالبية العظمى من الجزائريين تعتمد مذهب الإمام مالك مرجعية في ممارسة الشعائر الدينية، بينما الفتاوى الخارجية قد تأتي من علماء لا يتبعون المذهب المالكي. وقد أثارت ظاهرة الفتاوى الخارجية قلقا كبيرا في الجزائر حتى صارت تدرج ضمن الأزمات التي تعانيها البلاد. وترجع بعض أسباب الظاهرة برأي بن لعلام إلى غياب مرجعية فقهية وطنية توفر قاعدة مرنة تتماشى وخصوصية المجتمع الجزائري ووحدته المذهبية، وهو ما أعاد الحديث مجددا عن منصب مفتي الجمهورية. مركز للإفتاء ويقترح الأستاذ بن لعلام إنشاء مركز للإفتاء يرأسه مفتي الجمهورية، وتعطى له صلاحيات الفتوى في مختلف شؤون الحياة،ويرى أن استحداث منصب مفتي الجمهورية قد أصبح أمرا ملحا، بقوله إن هناك العديد من المسائل لم يتم لحد الآن رفع الخلاف فيها، ولابد من وجود مفت للجمهورية لرفع هذه الخلافات ووضع حد للفتاوى المتضاربة. وأضاف أن هذا الأمر ضروري في ظل تكالب المرجعيات والتيارات على الجزائر، مشيرا إلى أن «ما شهدته الجزائر خلال مرحلة التسعينيات من موجة عنف كان سببه استيراد الفتوى من دول أجنبية». وقد حذر ضيف الشعب، الجزائريين من طلب الإفتاء من علماء وأئمة غير جزائريين، وبرر ذلك بأن «هذا الأمر فيه تجارة وتمرير رسائل قد تضر بالمصلحة العليا للوطن، والمرجعية ووحدة الفكر الديني للجزائريين».ودافع عن علماء الجزائر وبخاصة علماء الزواوة وقال إنهم «ينافسون كل الدول من ناحية الفقه، ومعترف بهم في المجمع الفقهي العالمي من طرف المصريين والسعوديين ضاربا مثالا بالشيخ أحمد حماني رحمه الله». توحيد المرجعية للحفاظ على الهوية عن حاجة المجتمع للأمن الفكري تولى الأستاذ بن لعلام بنفسه الإجابة عنها حين قال «حاجة المجتمع إلى الأمن الفكري هي بنفس حاجته للأمن الغذائي والصحي»، ليبين «أنه بقدر الابتعاد عن الاعتدال بقدر ما يزيد بروز ظاهرة التطرف الديني والفكر التكفيري الناتج عن التعصب وإلغاء الآخر ولا سبيل إلى معالجة الفكر المتطرف إلا بتفكيك أسانيد هذا الفكر المنحرف الخطير وتفنيد مرجعيته وإبطال حجيته». وهذا الفكر المتطرف الكافر بكل ما هو جزائري في المرجع أو العقيدة والباحث عن معالم له خارج الحدود كلّف الجزائر غاليا جدا في الأرواح والدماء والدمار، حسب ما أشار إليه.