النظافة، الإنارة والطرق..ثالوث الوضع المتردي يبدو أنّ تحديات كبيرة تلوح في الأفق في وجه السلطات المحلية بسطيف لمواجهة وبشكل مستعجل، الوضعية المزرية التي تتخبط فيها مدينة سيدي الخير، أو عين الفوارة، كما يحلو لأبنائها تسميتها، مع الانفجار الكبير في مجال العمران والساكنة حيث يقطنها ما يفوق 300 ألف نسمة. وبالفعل، فإذا كان من النتاج الطبيعي لهذا التطور أن تطفو على السطح بعض المظاهر المشينة، فهذا لا يمنع السكان من التمسك بالمكانة التي وصلتها سطيف على المستوى الوطني، كعاصمة لولاية محورية اشتهرت بتاريخها ومكانتها الرياضية وأهميتها التجارية، فضلا عن احتلالها المرتبة الثانية في عدد السكان على المستوى الوطني بعد الجزائر العاصمة بما يناهز مليوني نسمة، ومنزلتها ضمن قائمة المدن الجميلة والنظيفة في بلادنا، وحركيتها المميزة في النشاط الثقافي، لتكاد تكون قاطرة حقيقية في هذا المجال، ومن جهتنا نعتبر هذا التمسك في غاية المشروعية. مرافق في غاية الأهمية ولعل هذه المميزات تحتّم أكثر من أي وقت مضى، على المعنيين رفع التحدي، وكسب المعركة من أجل أن تتحول سطيف إلى مدينة عصرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهي تستعد لتدشين مرافق في غاية الأهمية بها بعد شهور، من بينها البرج العالي الذي يجري إنجازه بحديقة التسلية، كمرفق تجاري وخدماتي جد هام، مع ما يضمنه من خدمات كبيرة بطريقة عصرية، منها فندق من 5 نجوم، ومرآب ضخم لمئات السيارات، وفضاء كبير للتسلية، فضلا عن المكاتب والمحلات التجارية، لينقل سطيف إلى قطعة حقيقية من أكبر المدن المتوسطية، أو على الأقل هذا ما هو منتظر من هذا المرفق الهام الذي طال انتظاره وهو يقف شامخا يراه كل زوار المدينة على بعد عدة كيلومترات من مختلف الاتجاهات، ويضاف إلى ذلك منطقة صناعية عصرية وكبيرة، ستنجز قريبا شرق عاصمة الولاية ببلدية أولاد صابر المتاخمة لعاصمة الولاية، ومشروع ملعب كبير كرة القدم يستجيب دون ريب لمطلب الجمهور الرياضي، بعد أن أثبت الوفاق الرياضي السطايفي أنّه فريق كبير يلعب من أجل الألقاب ليس إلا، ومرفق الترامواي الذي ستترصّع به المدينة في السنوات المقبلة، علاوة على ما تتوفر عليه سطيف من مرافق صحية وإن كانت الخدمات في هذا المجال لا تزال متدنية، دون أن ننسى الخطوة الكبيرة التي خطاها قطاع التعليم العالي بجامعتين كبيرتين ب 60 ألف طالب، وحديقة للتسلية تشكّل المتنفس الوحيد الملائم للتسلية لسكان المدينة وزوارها. كما تتعين الإشارة إلى ما تتمتّع به المدينة من مرافق فندقية هامة، تدعّمت بها في العشر سنوات الأخيرة، وهي طفرة حقيقية، وتوسّع عمراني هائل بالمنطقة الشمالية الشرقية بحيي الهضاب والحشامة، وبمنطقة بوسكين وهي أقطاب حضرية ضخمة منحت إضافة حقيقية لسطيف، وإن كانت لا تزال في حاجة ماسة إلى توفير مرافق الحياة المريحة ومساحات خضراء، لأنّ حمى العقار بالمدينة رفعت درجة حرارة أسعاره إلى مستويات جد قياسية، فغاب معها التفكير في هذه المساحات. غير أنّ ما يحزّ في نفوس السكان، هو ما يعتبرونه تدهورا حقيقيا لوضع عاصمة الولاية، التي أضحت بالفعل تفتقر إلى مقومات أساسية، ومنها النظافة نعم النظافة، مع تدهور حقيقي لوضعية الطرق بالعديد من الأحياء، وضعف في الإنارة العمومية ونقص في المساحات الخضراء خاصة بالأحياء الجديدة. اختلالات تستدعي العلاج مناظر مقزّزة تعود بالناظر إلى أيام كان فيها سوق عباشة عمار، المعروف بسوق لندريولي وسط المدينة، عنوانا للقذارة والروائح الكريهة التي تنبعث من بقايا فضلات الدجاج وأحشائها وتعفن الخضر والفواكه، التي يرميها الباعة الفوضويون على حواف هذا السوق الكبير فتزكم أنوف المتسوقين. فبعد فترة دامت عدة أشهر، امتدت من وقت القضاء على هذا السوق في إطار إجراءات الحكومة الهادفة إلى تطهير المدن من التجارة الفوضوية، خلال شهر سبتمبر 2012، عادت مظاهر الأوساخ والروائح الكريهة إلى المدخل السفلي للسوق بسبب الباعة الفوضويين المنتشرين بالمكان، مع ما تسبّب فيه ذلك من حرج شديد للمتسوّقين، لاسيما حينما تتساقط الأمطار. ويحدث هذا الأمر الغريب وسط سبات عميق تغط فيه مصالح النظافة التابعة للجهات المعنية، والتي حسبما هو واضح لا تتدخل في عين المكان، وهذا ما يثبته التدهور المتواصل للموقع، واستغرب المواطنون الذين وجدناهم في عين المكان يضربون أسداس بأخماس، وسط حيرة غير مبررة تماما تتطلب التدخل العاجل لمواجهة الموقف دون إبطاء. والحقيقة أنّ مدينة سطيف تفقد شيئا فشيئا ومع مرور الوقت أناقتها وشهرتها التي اكتسبتها قبل أكثر من عقد من الزمن، وبالضبط في سنوات التسعينات بكونها أنظف مدينة بالبلاد، وشكّلت بداية العقد الأول من القرن الحالي، بداية التدهور الذي لم يستثن في الواقع حتى وسط المدينة، وعجزت كل السلطات المعنية عن مواجهة الظاهرة، ولم يعد غريبا أن يصادف المار بعدة شوارع تراكم الأوساخ على الأرصفة وحواف الطرق، بما يحيل مباشرة إلى أنّ مصالح جمع القمامة لا يعنيها الأمر، أما عمال النظافة الذين يفترض أن تجنّدهم مصالح البلدية للعمل على تنظيف الأحياء، فهم غائبون تماما، ولولا المبادرة من طرف السكان لإزالة القمامة لاستمر تواجدها إلى أجل غير مسمى. وهكذا فإنّ النظافة قد بدأت مدينة سيدي الخير تودّعها، وقد سمع المواطنون عن مشاريع وحملات تنظيف بالأحياء في المدة الأخيرة، لكنهم في الواقع سمعوا جعجعة ولم يروا طحينا، لتبقى دار لقمان على حالها، وامتد الوضع المزري إلى حديقة التسلية التي تشكل أحد أهم مرافق المدينة، والتي تشهد عملية إعادة تهيئة، يبدو أنها لن تعرف النهاية، وأنها دون ريب، استثنت المساحات الخضراء الأخذة في التقلص يوما بعد يوم. يذكر أنّ المدينة تتوفر على مركز للردم التقني للقمامة، وموقع واحد لجمع القمامة، فيما تتم معالجة 370 طن يوميا منها، وأن البلدية تعاقدت خلال الصيف الماضي مع شركة لاقتناء شاحنات عصرية لجمع القمامة. كما تعاني مدينة عين الفوارة للأسف من بعض مظاهر الترييف التي بدأت تغزو المدينة، ومنها انعدام الإنارة وضعفها في العديد من المواقع، وتدهور الأرصفة والطرق داخل النسيج الحضري، رغم الاعتمادات المالية التي ترصد للتهيئة الحضرية والتحسين الحضري على مستوى البلدية، وبرامج إعادة الاعتبار للطرق، خاصة بعد ما عرفته من تردي ناجم عن سوء الأحوال الجوية، وتراها تذهب هباءً منثورا أو على الأقل دون فعالية تذكر. ولعل ما يؤرق السكان في بعض الأحياء، مثل حي بلحوكي حمو، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، والذي يشكّل الواجهة الغربية لمدينة سطيف، على الطريق الوطني رقم 5، والذي شهد عملية تهيئة وصفها السكان بالمجزرة في حق البيئة، على الأقل في حيهم بسبب بقاء فضلات عملية التهيئة وشرائح سماكة العمارات المرمية في مناظر مقززة بالحي، الذي تشهد طرقاته الداخلية تدهورا فظيعا وتسربات للمياه، والقضاء المنظم على أرصفته، بما فيه الرصيف الذي يربط الحي بجامعة فرحات عباس التي تجاوره ولكن الطامة الكبرى التي وقف السكان عاجزين تماما عن فهمها وتقبلها، هي تواجد حانة كبيرة بالحي تتوسط مصحتين شهيرتين تابعتين للقطاع الخاص، حيث تسبّب ذلك في إحراج حقيقي للسكان، لما يعانوه من حين لآخر من أصوات صاخبة منبعثة من زبائن الحانة، بسبب التشاجر فيما بينهم بعد منتصف الليل. وفي المقابل يتحسّرون على التأخر الذي يسجّله تشييدا واحدا من بيوت الله على بعد أمتار من الحانة، وهو مسجد الصالحين الذي أريد له أن يجاورها، وهي مفارقة عجيبة في مدينة محافظة، وتعرف نسبة تدين مرتفعة، وتشتهر بوليها الصالح سيدي الخير،. وفي هذا الصدد يتحسّر المرء بشدة عند مصادفته في كل صباح تقريبا ببعض الشوارع لقارورات الخمر، وهي مرمية تامة أو مهشّمة ولا أحد يجمعها، بما فيها مصالح النظافة. أما حالة الطرقات داخل النسيج الحضري، فكثير منها يعرف وضعية متدهورة، ولا أدل على ذلك من تلك المأساة التي عاشتها المدينة قبل أيام قليلة عندما لقي شاب في ربيعه الرابع والعشرين حتفه، بشارع حي صامو الجامعي قرب وسط المدينة، ليلا، عندما حاول سائق السيارة التي كان داخلها تجنّب إحدى الحفر، لتصطدم مباشرة بحافلة كانت مركونة في نفس المكان، كما تعرف عديد الأرصفة تدهورا بعد تعرّضها للحفر لتجديد بعض الشبكات، وحتى الإنارة العمومية تحتاج إلى المزيد من الاهتمام لنقصها في العديد من الأحياء، وضعف قوة المصابيح المستعملة، ويرجع ذلك حسب الجهة المعنية بالأمر بالبلدية إلى التوسع العمراني الكبير الذي تعرفه المدينة، مع بقاء نفس الإمكانيات تقريبا منذ عدة سنوات لديها للتدخل وعلى رأسها الشاحنات، ممّا صعّب فعلا من مهامها. هل تكفي بركة سيدي الخيّر؟ هناك جوانب لا تقل أهمية من شأنها أن تدفع بالمدينة إلى الأمام أكثر، وهي توفير المياه الصالحة للشرب، وإن كان هذا الأمر يفترض أن يرى حله الجذري النور قريبا، مع مشاريع التحويلات الكبرى، وضرورة التحكم أكثر في البطالة التي دفعت بشريحة من الشباب للإدمان على المخدرات بشكل مثير في السنوات الأخيرة، وإلزام أصحاب حافلات النقل الحضري بالتخلص من الحافلات الكبيرة والقديمة في آن واحد، وهذا ما رفع نسبة التلوث، وزاد من حجم الازدحام في حركة المرور. ويمكن القول أنّ سطيف من المدن القليلة التي لم تتجدد حظيرة نقلها الحضري بشكل جذري، وهنا من باب الأمانة، يتعين الاعتراف بسهولة نسبية في المعاملة الإدارية والخدماتية للمصالح العمومية مع المواطن، بخلاف ما لاحظناه في مدن أخرى. ويرى سكان وأبناء المدينة، ممّن تحدّثنا إليهم، أنّ وضع مدينتهم لم يصل بعد إلى مرحلة اللاّرجوع، وأنها تتطور في الاتجاهين معا: اتجاه إيجابي ويتمثل في التوسع العمراني والمرافق الكبرى التي تعزّزت بها، واتجاه سلبي يتمثل في تدهور المحيط المعيشي المريح للسكان، ويرفضون أن يقارنوا مدينتهم بمدن أخرى، ويرون أنّ سطيف أحسن منها بكثير، أو على الأقل فإنّ بركة سيدي الخير على حد تعبيرهم تشمل المدينة دوما وتقف إلى جانبها، ولا بد أن تكون سطيف دائما نحو الأحسن لأنّه قدرها حسبهم، فمن ينقذ عاصمة الهضاب؟ وهل تكفي بركة الولي الصالح سيدي الخير لإنقاذ المدينة؟ أم يتعين على المسؤولين المنتخبين والمعينين التشمير على السواعد؟ لأنّ الحلول متوفرة، ولا تتطلب أكثر من الإرادة لأنّ الإمكانيات يسهل توفيرها، وأهم من ذلك أنّ السكان تعوّدوا على جمال مدينتهم، لاسيما وأنّهم مستعدون للمساهمة في رفع شأنها لاستعادة مكانتها وتحويلها إلى أجمل مدن البلاد، وهم متعلّقون بها إلى درجة التعصب، فهل يتحقّق ذلك؟