الإنسان بطبعه كائن اجتماعي يميل للاجتماع بغيره لقضاء مصالحه ونيل مطالبه التي لا تتم إلا بالتعاون مع غيره، وأن يكون فرداً من جماعة، فمصلحة النفس والمسجد والأمة وغيرها من المصالح لا تتم إلا بالتعاون على البر والتقوى، بل السهم الواحد يدخل به الجنة ثلاثة٫. فإذا لم يصنعه الأول ولم يعده الثاني، لن يجد الثالث ما يرمي به، ولذلك كان لابد من عمل الفريق لتحقيق الهدف والوصول إلى المقصود، ولو نظرنا إلى النمل والنحل لوجدنا أن الأمر لا يختلف، فلكي نستخلص العسل من الخلية رأينا توزيع الأدوار بين النحل، ملكات وعمال وذكور وشغالات، ولا يمكن أن نتحصل على ذلك العسل من عمل الملكات فقط، وينبغي أن يكون هذا هو شأن المسلم في اجتماعه مع إخوانه، لا يبالي إن وضعوه في المقدمة أو في الساقة أو في المؤخرة، فهو يتقن عمله و يخلص الأمر كله لله. ضعف التّعاون..ضعف في العقل وقد لوحظ أن الناس إن لم يجمعهم الحق شعَّبهم الباطل، وإن لم توحدهم عبادة الله مزقتهم عبادة الشيطان، وإن لم يستهوهم نعيم الآخرة تناطحوا وتنازعوا على متاع الدنيا الزائلة، وهذه للأسف هي حالة بعضنا اليوم، فالبعض يضمر العداوة للبعض، وإن حدث خلاف ذلك فهو مجرد مجاملة عابرة، والسبب في ذلك ضعف العقل: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} (الحشر من الآية 14). إنّ الرابطة التي نصير بها كالجسد الواحد هي رابطة الإسلام، وبدون ذلك نكون كمثل حالة الجاهلية أو أشر، وفي الحديث: «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» (متفق عليه). ورابطة الدين تتلاشى أمامها رابطة النسب والقومية والوطنية والحزبية وسائر صور التعصب على الباطل، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} (آل عمران من الآية 103). عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسّر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» (رواه مسلم ). وفي الحديث: «ما من امرئ يخذل مسلماً في مواطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب نصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته» (رواه أبو داود وغيره وإسناده حسن). ولما قيل لأنس بن مالك رضي الله عنه بلغك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حِلف في الإسلام»، فقال أنس: قد حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داره (رواه مسلم). لما أراد البعض قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه يوم الدار، جاء عبد الله بن سلام، فقال له عثمان: ما جاء بك؟ قال: جئت في نصرك، قال: اخرج إلى الناس فاطردهم عنّي؛ فإنك خارجاً خير لي منك داخلاً، فخرج عبد الله إلى الناس وكان مما قال رضي الله عنه: إنّ لله سيفاً مغموداً عنكم، وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل فيه نبيكم، فالله الله في هذا الرجل أن تقتلوه، فوالله إن قتلتموه، لتطردن جيرانكم من الملائكة ولتسلن سيف الله المغمود عنكم فلا يغمد إلى يوم القيامة. ولما ضرب ابن ملجم الخارجي علياً رضي الله عنه دخل منزله فاعترته غشية ثم أفاق فدعا الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما وقال: أوصيكما بتقوى الله تعالى والرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا، ولا تأسفا على شيء فاتكما منها، فإنكما عنها راحلان، افعلا الخير وكونا للظالم خصماً و للمظلوم عوناً، ثم دعا محمداً ولده وقال له: أما سمعت ما أوصيت به أخويك، قال: بلى، قال: فإني أوصيك به. ويحكون أن امرأة صرخت لما وقعت في الأسر وانتهكت حرمتها: وامعتصماه، وعلم بذلك المعتصم فركب فرسه و لم ينتظر وتبعه الجيش يعدو في إثره حتى فتح عمورية، ثم سأل المعتصم: أين التي تستصرخ؟ ومن قبل كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتخوّف من أن تتعثر شاة بوادي الفرات فيسأل عنها يوم القيامة لِمَ لم يمهد لها الطريق؟ فكيف تخوفه لو تعثر مسلم أو قتل دون وجه حق؟! وكان أويس بن عامر سيد سادات التابعين يعتذر إلى ربه من أن يبيت شبعاناً وفي الأرض ذو كبد رطبة جائع.