ظهرت منظمة الجيش السري رسميا بعد فشل انقلاب الجنرالات الفرنسيين الأربعة شال وسالان وجوهو وزيلر، ضد دوغول في أفريل 1961، والذين كانوا يرون أن دوغول قدّم عدة تنازلات لجبهة التحرير الوطني. حيث تكونت المنظمة من العسكريين الذين فرّوا من الجيش الاستعماري بعد فشل الانقلاب، ويأتي على رأسهم الجنرال السفاح سالان، حسب شهادة الدكتور عامر رخيلة ل«الشعب». ارتبطت منظمة الجيش السري بالرعب والإرهاب والاجرام، وبقيت راسخة في أذهان الجزائريين الذين عايشوا السنوات الأخيرة من الثورة، خاصة المرحلة الانتقالية الممتدة من يوم إيقاف إطلاق النار إلى الاستفتاء، خاصة سكان المدن، وبشكل أخص وهران والعاصمة. ويعود ذلك إلى العمليات الإرهابية التي قامت بها هذه المنظمة آنذاك، فكانت مثلا تخصص كل يوم لشريحة اجتماعية، وتقوم بتصفية عشوائية لكل من تصادفه منها في طريقها. يعتقد الكثير أن هذه المنظمة وُلدت آنذاك كردّ فعل على اتفاقيات إيفيان بهدف إفشالها، وفي هذا الصدد أوضح المحامي والمختص في تاريخ الحركة الوطنية عامر رخيلة أن الإرهاصات تعود إلى سنة 1952، حيث كانت فرنسا الاستعمارية تراهن على إنشاء القوة الثالثة في صفوف جبهة التحرير الوطني، وإذا بها تفاجأ بخلق قوة ثالثة في صفوفها كانوا من غلاة المعمرين الرافضين لكل الحلول. وأضاف المؤرخ ل«الشعب" أن منظمة الجيش السري الإرهابية ظهرت في وقت كانت مفاوضات إيفيان قد أخذت شوطا كبيرا، مؤكدا أنه لا يمكن القول أن أعمال المنظمة التخريبية كان كرد فعل لإجهاض مفاوضات إيفيان بين الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائريةوفرنسا فقط. وطالت هذه المنظمة الإرهابية المساجين الجزائريين في زنزانات مراكز الشرطة، مثلما وقع في مركز شرطة حسين داي بالعاصمة، وكذا تنفيذ سلسلة من التفجيرات قدرت بنحو 2293 تفجير بالعبوات البلاستيكية خلال الفترة الممتدة ما بين سبتمبر 1961 ومارس 1962، أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 700 ضحية. وبالمقابل، خرّبت العديد من المرافق العامة كإحراق مكتبة جامعة الجزائر، وكذلك عملية ميناء العاصمة يوم 02 ماي 1962، كما قتلت أطفالا في انفجار بالمدينة الجديدة بوهران، وغيرها من العمليات الكثيرة جدا. واغتالت مثقفين سواء جزائريين أو أوروبيين متعاطفين مع القضية الجزائرية، ومنها اغتيال المعلّمين الستة بالأبيار، وعلى رأسهم الكاتب مولود فرعون الذي تلقى العديد من التهديدات من المنظمة، واستهدفت بذلك إفراغ الجزائر المستقلة من كفاءات في التعليم وغيرها من المجالات. واستندت المنظمة في أعمالها الهمجية والتخريبية على فكرة مفادها أن الجزائر بناها المعمرون، وأنها كانت صحراء قاحلة قبل الاستعمار الفرنسي لها، وإذا استقلت، فيجب تحطيم كل شيء، وإعادة الجزائر إلى ما كانت عليه من تخلف في نظرهم، ويدخل هذا طبعا في إطار الإيديولوجية الاستعمارية التي تقول إن مهمة الاستعمار هي تمدين الجزائريين. الحركة الارهابية لم تستثن الفرنسيين وأشار رخيلة في هذا السياق إلى أن جرائم المنظمة الإرهابية للجيش السري غايتها كانت استفزاز مناضلي جبهة التحرير الوطني والخلايا المدنية لها، لكن قادة الجبهة كانوا يقظين عن طريق جيش التحرير الوطني وتفادوا أي اختلاف حول اتفاقيات ايفيان، كما حذروا الشعب الجزائري من السقوط في فخ هذا التنظيم الإرهابي المتمرد والخارج عن قواعد العمل بالجيش الفرنسي كان يشتغل مع غلاة الاستعمار، ولها نشاطات فيما بين وهران والعاصمة بقيادة ضباط سامين رافضين سياسة ديغول وقد حاولوا قتله، كما أن هذه المنظمة قال المؤرخ رفضت لائحة الأممالمتحدة القاضية بجلوس كل من الطرف الجزائري والفرنسي على طاولة المفاوضات. وأبرز في هذا الإطار، أن هذه الحركة الإرهابية لم تستثن من ضحاياها الفرنسيين غايتها خلط الأوراق لإفشال جهود الهيئة التنفيذية للاستفتاء ليتم العدول على هذا القرار، وقد صنف محدثنا هذه المنظمة ضمن المنظمات الإرهابية وهي منبثقة من المؤسسة الرسمية للجيش الفرنسي، تضم مختلف الأسلاك وكانت لها علاقات داخل وخارج الجزائر، ووجد تأييد من القوى المدنية. وأضاف رخيلة بأنه بالرغم من الأحكام القاسية التي أصدرت ضد أعضائها إلا أنها لم تنفذ، كون هذه المنظمة تمكنت من كسب تعاطف الفرنسيين، مما دفع الحكومة الفرنسية إلى منح إجراء العفو لمعظم الجنرالات.