يرى الأستاذ سعدي بزيان أن جرائم السابع عشر من أكتوبر1961 التي ارتكبها محافظ شرطة باريس (موريس بابون) في ظل الجمهورية الخامسة بقيادة الجنرال (دوغول)، ورئيس وزرائه(م - دوبرى)، ووزير الداخلية في ذلك العهد( روجي فري)، ضد المهاجرين الجزائريين،والتي ذهب ضحيتها حوالي ثلاثمائة( 300) شهيد، رمي معظمهم في نهر السين، أو قُتلوا بطرق بشعة داخل مراكز الشرطة الفرنسية، لم تلق العناية الكافية من لدن مختلف المؤرخين،والباحثين الجزائريين والعرب، ولم تحظ باهتمام واسع من قبلهم. ويذهب إلى أنه على كثرة المراكز التاريخية وكليات التاريخ، والمؤرخين الجزائريين والعرب فإننا لا نتوفر إلا على عدد قليل من الكتب التي تحدثت عن هذه الجرائم، ويتساءل: ألا تستحق هذه الأحداث التي وقعت في17 أكتوبر1961 التخليد؟ لقد حزّ في نفس الأستاذ سعدي بزيان ألا يجد مجموعة من الكتب الجزائرية مؤلفة عن جرائم 17 أكتوبر1961م، وقد أبدى حسرته لما لحق هذه الجرائم من إهمال وتجاهل، حيث يشير إلى أن الفرنسيين قد خلدوا هذه الأحداث بإقامة لوحة تذكارية لها في ساحة (سان ميشال)، تخليداً للشهداء الجزائريين الذين سقطوا برصاص الشرطة الفرنسية، ومن بين الكتب الفرنسية التي صدرت عن هذا اليوم كتاب الأستاذ جان بول بروني الذي صدر بعنوان: «الشرطة ضد جبهة التحرير»، وكتاب جان لوك إينودي الموسوم: "معركة باريس". وأمام ما أحس به من إهمال للأحداث، أو على الأصح الجرائم التي وقعت في هذا اليوم، فقد بادر إلى وضع هذا الكتاب ليكشف الجرائم الفرنسية المرتكبة في حق المهاجرين الجزائريين، حيث يقول في هذا الصدد: «لقد قررت أن أخصص كتاباً كاملاً عن جرائم 17 أكتوبر1961 م التي ارتكبتها فرنسا ضد المهاجرين الجزائريين، وذلك مساهمة متواضعة مني في إثراء المكتبة التاريخية للحركة الوطنية، وثورة أول نوفمبر 1954 - 1962 عسى أن يكون عملي هذا حافزاً للباحثين،والمؤرخين الجزائريين لكتابة تاريخ، ونضال الطبقة العاملة الجزائرية في المهجر منذ تأسيس (نجم شمال إفريقيا) إلى غاية الاستقلال وما بعده،وما عاناه هؤلاء وهم يناضلون على جبهتين: الجبهة الاجتماعية: (كسب القوت): النضال ضد الاستغلال والقهر والعنصرية. والجبهة السياسية: الانخراط في النضال السياسي من أجل استقلال الجزائر، وربط نضالهم في المهجر بالنضال داخل الوطن الأم (الجزائر)، وما كان ذلك هيناً يومئذ،وقد انخرط الآلاف من المناضلين الجزائريين في المهجر في (نجم شمال إفريقيا) بزعامة مصالي الحاج، وانضموا تحت لواء قيادته إلى غاية اندلاع ثورة التحرير الجزائرية سنة 1954 م». إنّ هدف الأستاذ سعدي بزيان من إصدار هذا الكتاب هو جعل القارئ الجزائري والعربي يُلم بجزء من تاريخ بلاده العربية، ونضالها القومي ضد الاستعمار، فهذا التاريخ كتبه أبناء الجزائر في المهجر بدمائهم قبل 17 أكتوبر1961م، وفي 17 منه،وما تلاه من تضحيات وملاحم أخرى. تاريخ 25 أوت 1958م بداية الحرب بالتّراب الفرنسي في المبحث الأول من الكتاب، والذي جاء تحت عنوان «العمال الجزائريون في المهجر من تاريخ تأسيس (اتحادية جبهة التحرير) بفرنسا إلى فتح جبهة ثانية فوق أرض العدو سنة: 1958م»، تتبع المؤلف مراحل تنظيم (اتحادية جبهة التحرير الجزائريةبفرنسا) 1954 - 1962 م، فذكر في البدء أن جبهة التحرير في الجزائر كلفت الرئيس الراحل محمد بوضياف بصفته مسؤول عن الوفد الخارجي بتأسيس اتحادية لجبهة التحرير بفرنسا،وقد اجتمع من أجل هذا الغرض سراً بالمناضل مراد طربوش بسويسرا. وتذكر مصادر أخرى أنهما قد اجتمعا في (لوكسمبورغ) لتأسيس الاتحادية، وقد تشكلت أول هيئة تنظيمية للجبهة في المهجر، وضمت كلاً من: علي محساس، ومحمد زروق، وعبد الرحمن غراس، والطالب مهدي، والتحق بهم فيما بعد أحمد دوم، وشوقي مصطفاي، ومحمد الشريف الساحلي،بيد أن مدة هذا التنظيم لم تستمر لفترة طويلة، حيث ألقت السلطات الفرنسية القبض على محساس. وفي شهر ماي 1955 تم تشكيل هيئة جديدة من (اتحادية جبهة التحرير) تكوّنت من أربعة أشخاص، توزّعوا على مناطق مختلفة من التراب الفرنسي، فعُين(محمد مشاطي) في شرق فرنسا،و(فضيل بن سالم وغراس) في الجنوب والوسط،ليون ومرسيليا، أما باريس فقد أسندت مهامها إلى(دوم)، وقد تدعّمت الاتحادية بانضمام اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين. ويذكر المؤلف أنّ هناك جملة من المهام التي كلف بها رئيس الاتحادية من أبرزها: خلق سياسة اللاّأمن في فرنسا، وذلك قصد الضغط على الحكومة الفرنسية حتى تبقي على قواتها في فرنسا لمواجهة الوضع الحربي فوق ترابها، والتخفيف على جيش التحرير في الجزائر، وهذا ما يستوجب تأسيس خلايا للفدائيين الجزائريين في فرنسا، وقد كانت عملية نقل الحرب إلى فرنسا واحدة من الخيارات الأساسية التي اتخذها المناضل الراحل(محمد البجاوي)، وهو يعين على رأس الاتحادية. ويذكر الأستاذ بزيان أنّ تاريخ 25 أوت 1958م كان بداية الحرب داخل التراب الفرنسي، وابتداءً من تاريخ 28 أوت بدأت السلطات الفرنسية في تطبيق مخطط العمل من خلال إسناد الحراسة إلى قوات الجيش بتوليها حراسة الأماكن الحساسة، وتمّ إلغاء الإجازات بالنسبة لأعوان الأمن، وذلك لمواجهة الوضع المتدهور، وقد تضاعفت عمليات الملاحقة والتفتيش لعمال شمال إفريقيا.