تستمر أشغال الجامعة الصيفية لإطارات جبهة البوليزاريو، بولاية بومرداس، بروح معنوية عالية ونقاش فكري متحضر يحيط بكافة جوانب القضية ومناهج الكفاح التحرري. ويجمع المشاركون في المبادرة، من كوادر سياسية وعسكرية، على أن تصعيد النضال السلمي داخل الأراضي المحتلة وخارجها أولوية يمليها الظرف الراهن، في ظل تزايد أعدد المتضامنين من دول وحكومات ومنظمات دولية. يرى أبناء جمهورية الصحراء الغربية، المتواجدون ببومرداس منذ الثالث من الشهر الجاري، أن ما يجري داخل قاعة المحاضرات الكبرى لجامعة أمحمد بوقرة، في غاية الأهمية على الصعيدين التكويني والفكري، فالمداخلات المبرمجة تلتقي تماما مع أهداف جبهة البوليساريو كممثل شرعي ووحيد للشعب الصحراوي، ومع تطلعات هذا الأخير الذي يطمح للتحرر وبناء دولته، ومثلما كشف ل»الشعب» بعض المشاركين، أمس، فالتعريف بالقضية الصحراوية العادلة على مستوى جميع المحافل الدولية وبالخصوص المجتمع المدني الذي يملك تأثيرا أقوى من الحكومات في بعض البلدان، يعتبر جبهة متواصلة ومفصلية يجري العمل عليها، وذلك من خلال ما أفرزته محاضرات الأستاذة والمختصين خلال الأيام الماضية. أهم ما وقفنا عليه ورأينا أنه يبعث على التفاؤل بمستقبل القضية ويوجه رسالتين، الأولى جد إيجابية للاجئين في المخيمات والذين يعانون الويلات داخل الأراضي المحتلة، والثانية تحمل كثيرا من التحدي والإصرار تستهدف المغرب المحتل، هي تلك الروح المعنوية العالية والرغبة الملحة في إقرار حق تقرير المصير. فالشعارات الممجدة للقضية وللشهداء والاستقلال وتقرير المصير وإدانة الممارسات المغربية الدنيئة، لا تملأ القاعة فحسب، بل يصل صداها إلى جل الشوارع الرئيسة للولاية. وتنقل المشاركون، أمس، شباب وشابات، مناضلون ومناضلات من قاعة المحاضرات إلى مقر الإقامة في مسيرة منددة بالاحتلال وتطالب بتقرير المصير وتؤكد مواصلة العمل إلى أن يتحقق الطموح وتسترجع الأرض المسلوبة. على الطريق الرئيسي ومن وسط المسيرة، روت لنا «صفاء»، طالبة متخرجة تقطن بالأراضي المحتلة، ممارسات قوات الأمن المغربية ضد المتظاهرين السلمية وقالت: «إن حقنا في العمل مهدور وحريتنا في التعبير مغتصبة وأرضنا مسلوبة ولا يتوقف بوليس المخزن عند الاعتقالات التعسفية والضرب المبرح والاعتداء، بل يشمل العزل والتعذيب داخل غياهب السجون». وأضافت بنبرة واثقة تكشف دور المرأة الصحراوية في المسار التحرري، «أن إرادتنا قوية وسنواصل الكفاح السلمي على أرضنا ولن تخيفنا آلة القمع المغربية ونحن نوثق كل هذه الممارسات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام». وعلى ذكر وسائل الإعلام، يواصل صحافيو الجمهورية العربية الصحراوية تغطيتهم للحدث ونقل ما يجري داخل الجامعة الصيفية إلى العالم لحظة بلحظة، مع إسماع صوت الحاضرين وتأكيدهم بصوت عالٍ، أنه لا سلطان للمغرب على الأرض الصحراوية، ولن يثنيهم شيء عن الهدف الأسمى. موقع القضية من التحولات العالمية ما هي انعكاسات التحولات العالمية على القضية الصحراوية؟ وكيف يمكن أن تستفيد الجمهورية العربية الصحراوية من التغييرات الحاصلة في موازين القوى الدولية؟ أجاب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، د.لزهر ماروك، عن هذين السؤالين في مداخلته، أمس، عبر التأكيد أن الغرب والولايات المتحدة لم يعودا بتلك القوة والسطوة الاقتصادية والتجارية في الوقت الراهن، وبدأت الكفة تميل تدريجا نحو بلدان آسيا الصاعدة كالصين وماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان، ولم يعد لأمريكا سوى القوة العسكرية واحتمالية إشعالها لحرب في المنطقة، خوفا من تصاعد نمو هذه البلدان، لذلك تتخذ سياسة تهدئة ومهادنة. وعليه، ينصح لزهر ماروك، القائمين على القضية الصحراوية، بالتوجه شرقا والعمل على تحقيق مكاسب أخرى، متوقعا أن يتم احتضان نضال الشعب الصحراوي بسهولة بالغة، لأن الدول الآسيوية، على حد قوله، ليس لديها أية عقد من القضايا العدالة، عكس البلدان الغربية التي يمنعها ماضيها الاستعماري من الاعتراف بمعاناة الشعوب المستعمرة. ويمكن للشعب الصحراوي، بحسب الدكتور ماروك، التعويل على القارة الإفريقية والاتحاد الإفريقي، بالنظر للمكانة المميزة التي تحتلها ويستطيع المناضلون الصحراويون تمرير قضيتهم وإسماع صوتهم عبر البلدان الإفريقية التي تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كدولة مؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية سابقا والاتحاد الإفريقي حاليا. وبالنسبة لعضو المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني، الصادق بوقطاية، فقد استطاعت جبهة البوليساريو التكيّف مع المستجدات الدولية، من خلال الحرص على السلم والأمن وتنمية الفرد، لكنها في المقابل «تقدم أنموذجا رائداً في الكفاح من أجل التحرر» وقال، إنه لا توجد دولة في العالم تعترف بأحقية المغرب على الأراضي الصحراوية، بل سيزيد عدد الدول المعترفة بالصحراء الغربية كدولة. وكشف بوقطاية، أن فرنسا، محامي المغرب، على يقين بأن الشعب الصحراوي سيختار إقامة دولته والاستقلال حين تنظيم استفتاء تقرير المصير، وهو ما أكده له نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان الفرنسي السابق. وفي ردّه على ما بدر من رئيس حكومة المغرب ووزير خارجيته من تصريحات نارية ضد الجزائر، أكد بوقطاية أن ذلك يبين أن الاستقلال اقترب ولن يضرّ لا الجزائر التي تقف إلى جانب الصحراء الغربية ومع حق الشعوب في تقرير مصيرها، في شيء وأن «موقفها ثابت لن يتغيّر أبدا». وهاجم سياسة إنتاج وتصدير المخدرات للبلدان الضعيفة بغرض تدمير المجتمعات. واعتبر الدكتور مخلوف ساحل من جانبه، أن الشركات الأجنبية التي أبرمت عقودا لاستغلال ثروات الصحراء الغربية مع المغرب مشجعة للاستعمار ومتواطئة معه في ذات الوقت.