يعتبر مؤتمر الصومام من أبرز الأحداث التاريخية للثورة الجزائرية، ومنعطفا حاسما في تاريخ جبهة التحرير الوطني، وقد جاء كنتيجة حتمية للظروف التي أحاطت بالثورة والمتمثلة في جملة التطورات والانتصارات السياسية والعسكرية التي حققها من تاريخ اندلاعها في أول نوفمبر 1954 إلى غاية انعقاد المؤتمر. فكانت النتائج المحققة خلال هجومات 20 أوت 1955 دافعا قويا للمسؤولين لمحاولة التعرف على حقيقة الوضع بعد ذلك، وتقييمه منذ انطلاقة الثورة وتوضيح الرؤى المستقبلية. إضافة إلى هذا جملة أخرى من العوامل ساعدت على عقد المؤتمر تمثلت في صعوبة الاتصال بين مختلف قيادات جيش التحرير الوطني، حيث أن مناطق الكفاح قبل انعقاد مؤتمر الصومام كانت لها قيادات خاصة، أي لا يربط بينها إلا الاتجاه الثوري العام. ولم يكن على رأسها قيادة موحدة وهذا ما أدى لجعل المناطق شبه معزولة عن بعضها البعض. كما كان لضعف التنسيق في الداخل مع الخارج يشكل تهديدا خطيرا ونقطة ضعف يمكن للعدو أن ينفذ منها إلى قلب الثورة، وكذلك نقص الإمكانيات المادية المتمثلة في نقص المال لشراء السلاح وضعف الإستراتيجية التي أدت إلى ضعف التكوين السياسي للفرق المسلحة حيث يكاد يكون معدوما. وخاصة بعد المجهودات التي بذلتها فرنسا كمحاولة منها لخنق الثورة في مهدها، لذلك فإن هذا المؤتمر أصبح ضرورة ملحة. قرارات المؤتمر: تعتبر قرارات مؤتمر الصومام من وثائق الثورة الهامة وتنقسم إلى قرارات سياسية وأخرى عسكرية، شملت تحديد نظام جيش التحرير وأهداف الجبهة من الحرب وعلاقتها بجيش التحرير، ويمكن ترتيبها على النحو التالي: أ - على الصعيد السياسي: التنظيم السياسي ويشمل المهام الأساسية لكل محافظ سياسي وهي: 1- تنظيم الشعب: في القرى والمداشر عن طريق تشكيل الخلايا أو المنظمات السياسية، الإدارية وتنطوي تحتها كل الفئات الشعبية. 02 - الدعاية والإعلام: تنشر أخبار وأوامر جبهة التحرير الوطني. 03 - حرب العصابات: العلاقة مع الشعب، العناية بالأقلية الأوروبية ومساجين الحرب وهؤلاء المندوبون السياسيون يعطون آرائهم في جميع الأعمال العسكرية، والقضايا لجيش التحرير الوطني. 04 - الأموال والتموين: تشكلت مجالس الشعب بواسطة الانتخابات تنظر في القضايا العدلية والمالية والاقتصادية والشرطة، تتكون من خمسة أعضاء. الأول خاص بالشؤون المدنية، الثاني خاص بالشؤون العدلية والثقافية والثالث مسؤول عن الشؤون المالية أما الرابع مسؤول عن حفظ الأمن والخامس فهو رئيس المجلس. 05 - تحديد القانون الأساسي والنظام الداخلي لجبهة التحرير الوطني والمنظمات المسيرة. - القانون الأساسي والنظام الداخلي: تكفلت بتحريره لجنة التنسيق والتنفيذ. - المنظمات المسيرة: 1- المجلس الوطني للثورة: يتكون من 34 عضوا منهم 17 دائمون و17 مساعدون يعتبر أعلى جهاز للثورة، يجتمع مرة في السنة مدة وجود الحرب، له الحق في إيقاف القتال والمفاوضات مع مراعاة الإطار الذي عينته القاعدة الأساسية. 2-لجنة التنسيق والتنفيذ: تتكون من 5 أعضاء لها سلطة مراقبة المنظمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وهي مكلفة بإنشاء ومراقبة اللجان المختلفة، لها الحق أيضا في تشكيل الحكومة المؤقتة بالتنسيق مع المندوبين. 06 - تحديد العلاقة بين جبهة التحرير وجيش التحرير: تعطي الأولوية للسياسي على العسكري، وفي مراكز القيادة، بتعيين على القائد العسكري والسياسي أن يسهر على حفظ التوازن بين جميع فروع الثورة. 07 - تحديد العلاقة بين الداخل والخارج: تعطى الأولوية للداخل على الخارج مع مراعاة مبدأ التشاور في الإدارة. 08 - يجب على الداخل إعطاء جميع المعلومات التي بحوزته لتسهيل مهمة الممثلين في هيئة الأممالمتحدة. ب - على الصعيد العسكري: 1 - تقسيم البلاد إلى ست مناطق مع وضع الحدود لكل منطقة، وإبتداء من تاريخ المؤتمر ثم تغيير لفظة «المنطقة» وأستعمل مكانها كلمة «ولاية» و»الناحية» تصبح «منطقة» والقسم «ناحية» ويصبح تقسيم الولاية على النحو التالي: الولاية ثم المنطقة ثم الناحية ثم القسم. - ولكل ولاية قائد برتبة «صاغ ثاني» عقيد يساعده ثلاثة نواب برتبة «صاغ أول» رائد. - وللمنطقة قائد برتبة ضابط ثاني نقيب يساعده ثلاثة نواب برتبة «ضابط أول» ملازم أول. - والناحية قائد برتبة ضابط ثاني يساعده ثلاثة نواب برتبة «ملازم أول» مرشح. - والقسم قائد برتبة مساعد ونوابه الثلاثة برتبة «عريف أول» أما مراكز القيادة فإنها تخضع إلى الإدارة الجماعية على مستوى مجالس الولاية والمنطقة والقسم، وأن قائد الولاية يمثل السلطة المركزية للجبهة وعلى كل الهيئات التابعة لجبهة التحرير الوطني أن تحترم هذا المبدأ وتطبيقه. 2 - توحيد النظام العسكري: ويتمثل في هيكلة جيش التحرير الوطني. تأسيس نواة الجيش الوطني الشعبي - تركيبة وحدات جيش التحرير الوطني كالتالي: أ - الفوج: يتركب من 11 جنديا من بينهم عريف واحد وجنديان أولان. ب - نصف الفوج: يشتمل على 5 جنود من بينهم جندي أول. ج - الفرقة: تتكون من 35 جنديا. ثلاثة أفواج مع رئيس الفرقة ونائبه. د - الكتيبة: تشتمل على 110 جندي، ثلاثة فرق مع خمسة إطارات. ه - الفيلق: يشتمل على 350 جندي ثلاثة كتائب زائد 20 إطار. 3 - تحديد الألفاظ المستعملة في صفوف جيش التحرير الوطني, حيث تقرر استعمال الكلمات التالية: ^ المجاهد: وهو جندي جيش التحرير. ^ المسبل: هو المشارك في العمل العسكري. ^ الفدائي: هو عضو الجماعة المكلفة بالهجوم على المراكز في المدن. 4 - تعميم الرتب العسكرية، وكذلك تحديد المرتبات الشهرية لأفراد جيش التحرير الوطني، من القاعدة إلى القمة، كما أن النظام الاجتماعي الذي وضعه المؤتمر كان في المستوى، خاصة ذلك المتعلق بالمرتبات الشهرية التي تمنح لعائلات المجاهدين والمسبلين والفدائيين، فلم يهمل أي جانب بل كان شاملا متكاملا، كما خص لهاته العائلات ببعثات من الممرضين يزورونهم في القرى والبوادي ليفحصوا أحوالهم الصحية ويوزع عليهم الأدوية لمحاولة منهم لمحاربة الأمراض الفتاكة. وهذا خلال هذه القرارات المنبثقة عن مؤتمر الصومام نستنتج أن الثورة الجزائرية قد انتقلت من مرحلة المبادرة الفردية إلى مرحلة التنظيمات الفعلية. نتائج المؤتمر: إن عقد المؤتمر في حد ذاته يعتبر من أهم منجزات الثورة الجزائرية حيث أن عقد بوادي الصومام بالذات يعتبر تحديا من طرف قادة جيش التحرير الوطني. وكما يقول توفيق المدني: «لقد كان مؤتمر الصومام صغيرا في حجمه، كبيرا في سمعته، كانت مقرراته تشبه ميثاقا وطنيا. أعطى أول مرة محتوى الثورة الجزائرية. فقد أعطى نتائج أكثر مما كان متوقعا منه. حيث أذل مؤتمر الصومام، فكرة الزعامة وأقر أن الثورة من الشعب وإلى الشعب...».. أ - النتائج السياسية: جاء مؤتمر الصومام بنتائج سياسية هامة سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي. على المستوى الداخلي: قام المؤتمر بنبذ السلطة الفردية وإحلال محلها القيادة الجماعية، وذلك لأن الإدارة الجماعية تتغلب على الصعوبات والعراقيل التي تواجه الثورة، واستطاع تنظيمها حيث خرج بقيادة وطنيو موحدة تمثلت في المجلس الوطني للثورة ولجنة التنسيق والتنفيذ ووثيقة سياسية بمثابة الدستور الذي نظم شؤون الثورة، وتمكن من ضبط وتحديد السياسة الداخلية والخارجية لجبهة التحرير الوطني والاعتراف بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الجزائري منذ 5 سبتمبر 1956 أي تاريخ انتهاء أشغال المؤتمر، وأصبحت القوة السياسية الوطنية التي التف الشعب الجزائري حولها لتحرير الجزائر من قوات الاحتلال الفرنسي، وتحرير الوطن وتحقيق الاستقلال التام، وإقامة دولة جغرافية اجتماعية تقوم سياستها الخارجية على عدم التدخل في شؤون الغير. كما قام بإنشاء هيئات اجتماعية متلفة نعمل للتوعية، والتوجيه من أجل بناء الجزائر وتمثلت في: ^ - الاتحاد النسائي: الذي لعب دورا كبيرا في توعية المرأة التي شاركت في معركة التحرير، إذ ورد في منهاج الصومام قولا عن الحركة النسائية: «توجد في الحركة النسائية إمكانيات واسعة تزداد وتكثر... ولا يخفي أن الجزائريات قد ساهمت مساهمة إيجابية فعالة في الثورات الكثيرة التي توالت وتجددت في بلاد الجزائر منذ سنة 1830 ضد الاحتلال الفرنسي». * - النشاط الصحفي والجرائد: ظهرت جريدة المجاهد الناطقة بلسان الثورة الجزائرية، وتطورت النشرات المحلية، فعرفت بالقضية الجزائرية لدى الهيئات والمحافل الدولية. * - الحكومة المؤقتة: تطورت لجنة التنسيق والتنفيذ وأزداد أعضاؤها بعد مؤتمر القاهرة 1957، الذي انعقد في طنجة في شهر أفريل 1958، وتم الاتفاق على فكرة تأسيس الحكومة الجزائرية وأعلن عنها رسميا في 19 سبتمبر 1958 برئاسة فرحات عباس. ب - على المستوى الخارجي: لقد تمكن مؤتمر الصومام من تكثيف الجهود لتصبح القضية الجزائرية قضية دولية من خلال الحصول على تأييد الشعوب والدول المناهضة للاستعمار، كما قام بإنشاء مكاتب لجبهة التحرير الوطني في الخارج، وتمكن أيضا من تأكيد حضورها في المحافل والهيئات الدولية وقام بتدعيم العمل الدبلوماسي لجبهة التحرير الوطني، وذلك بتعيين السيد: «محمد الأمين دباغين» مسؤولا على مندوبية الخارج. وقد حرص المؤتمر أيضا إقامة علاقة سياسية مع تونس والمغرب وتنسيق المجهودات الدبلوماسية من أجل الضغط على الحكومة الفرنسية في الميدان الدبلوماسي حيث أشاروا في وثيقة الصومام إلى اندماج القضية الجزائرية مع القضيتين المغربية والتونسية، كما اعتبر المؤتمر أن استقلال المغرب وتونس بدون استقلال الجزائر لا قيمة له، وبالتالي يجب تحقيق الاستقلال في إطار موحد. النتائج العسكرية: لقد قام مؤتمر الصومام بوضع هيكلة تنظيمية من القاعدة إلى القمة عسكريا وسياسيا بهدف توحيد النظام العسكري بشكل يسمح له بمواجهة القوات الفرنسية من جهة. وفرض الطاعة والانضباط في الأوساط العسكرية من جهة أخر. أ- التقسيم الجغرافي الجديد: لقد تقرر في مؤتمر الصومام، تقسيم القطر الجزائري إلى ست ولايات وتحديدها جغرافيا، وكانت السلطة تتجسد في مجلس كل ولاية والذي يرأسه عقيد وأربعة ضباط برتبة رائد في الجيش، حيث أن كل واحد مسؤول عن قطاع معين، وهذا المجلس مسؤول عن تسيير جميع الشؤون التي تهم السكان. وتجد أيضا في التقسيم الجديد أنه ألحقت مدينة «سطيف» بالولاية الثالثة نظرا لأهميتها التي تعتبر بمثابة مفترق الطرق من الولايات الأولى والثانية والثالثة كما اعتبروا أيضا مدينة الجزائر منطقة مستقلة ذاتيا داخل الولاية الرابعة « الجزائر العاصمة « واعتبرت مقرا لجبهة التحرير الوطني. ب - هيكلة جيش التحرير الوطني: لقد كان لمؤتمر الصومام الدور الكبير في تنظيم وهيكلة جيش التحرير الوطني بوضع أسس وقواعد تسير عليها الثورة عبر كامل التراب الوطني. كما قام بوضع أسس ومقاييس عسكرية موحدة لجيش التحرير الوطني تمثلت في تقسيمه إلى فيالق وكل فيلق يتكون من ثلاثة كتائب. والكتيبة تتكون من ثلاثة فرق والفرقة تتكون من ثلاثة أفواج والفوج يتكون من 11 جنديا من بينهم عريف واحد وجنديان أولان. كما عمل المؤتمر على خلق جيش نظامي يتمتع برتب عسكرية كغيره من جيوش العالم. فقسمت الرتب على النحو التالي: الجندي الأول - العريف العريف الأول - المساعد الملازم الأول الملازم الثاني - الضابط الأول - الضابط الثاني - الصاغ الأول الصاغ الثاني. أما التركيبة العامة لجيش التحرير الوطني كانت على النحو التالي: ^- المجاهدون: ذوي اللباس العسكري يقاتلون في الميدان ويشنون كل أنواع الحرب ويطلق عليهم الجنود المسبلون. ^ - المسبلون: مدنيين. وهم الاحتياطيين، دورهم تموين الجيش بالأخبار ونقل المؤونة ويشاركون أيضا في المعارك. ^ - الفدائيون: هم طاقة الثورة وقوتها في القرى والمدن والعواصم وهم لا يرتدون الزي العسكري، ولا يحملون السلاح إلا عند تنفيذ المهمة. إذن التنظيم العسكري لجيش التحرير، الذي أقره مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956م، كان له أثر إيجابي على نشاطات جيش التحرير الوطني، إذ تدعمت صفوفه بعناصر جديدة تخرجت من مراكز التكوين التي بدأ الجيش يقيمها على الحدود بعد المؤتمر مباشرة، وهكذا نشأ جيش التحرير الوطني كجيش نظامي تميز بتكوين واضح. - إن هذا المؤتمر الذي عقد بالولاية الثالثة « القبائل» بوادي الصومام في 20 أوت 1956، قد أعطى الثورة شكلا تنظيميا وأعطاها قيادة، ووحد القوانين والأسس التي تسير عليها الثورة في كامل التراب الوطني.