في خضم التغيرات الاقتصادية الراهنة والاضطرابات المفاجئة التي مست أسواق النفط على وجه الخصوص، تبقى مواصلة تسريع وتيرة التشغيل في قلب التحديات التي تواجهها الجزائر، وانشغالا جوهريا مطروحا في صدارة اهتمامات الفاعلين الاقتصاديين، ومن الحلول المتاحة التي لا مفر منها، إرساء عقد النمو الاقتصادي والاجتماعي بشكل يحرر الإنتاج ويدفعه نحو الانتعاش، وتكريسه بشكل فعلي على أرض الواقع، وتعميق الاستثمار لتكثيف النسيج المؤسساتي الذي يعد من أكبر الورشات التي تنتظر الجزائر، فلا يمكن امتصاص البطالة من دون إقلاع صناعي وفلاحي والقفز إلى تحقيق إنتاج اقتصادي ذا تنافسية عالية وفوق كل ذلك يبنى هذا الاقتصاد المنشود على الابتكار ويسير بأفكار جديدة ويرتكز على الحوكمة. لا شك أن معادلة إنعاش سوق العمل مرتبطة بشكل لصيق بالآلة الإنتاجية، فلا يمكن بعيدا عن خلق الثروة استيعاب أكبر قدر ممكن من اليد العاملة المختصة وكذا البسيطة منها، ولا يخفى أن الجزائر طيلة عشرية وأزيد انصبت جهودها، وتركز اهتمامها في مجال استحداث مناصب الشغل والتشجيع على إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في جميع إصلاحاتها وعلى صعيد إنجاز الهياكل القاعدية، وتكرست بفضل الإرادة القائمة على أرض الواقع العديد من التسهيلات واختفت العراقيل التي كانت تواجه طالب العمل، بفضل التسهيلات التي كانت تتخذ في كل مرة. لكن التطلع القائم للدفع بوتيرة الرفع من سقف المناصب الشغل المستحدثة تحقيق صلابة الأداء الاقتصادي الذي يمكنه أن يستوعب الطاقات البشرية ويستغل بشكل جيد جميع الموارد المتاحة والإمكانيات المتوفرة، ولأن الجزائر غير مستعدة للتخلي عن برامجها الاستثمارية لكنها في نفس الاتجاه ستولي أهمية للشق الاقتصادي بهدف الرفع من معدلات النمو والاستمرار في التشبث بخيار الإنعاش الاقتصادي كأولوية ليتسنى السير نحو استثمارات أكبر ذات فعالية ومردودية تنعكس بشكل إيجابي على الطلب المحلي للسوق وترفع من مستوى الصادرات الوطنية. لا يغفل أن السياسة المنتهجة اقتصاديا خلال السنوات الماضية حققت تحسنا ملحوظا في الآداءات على صعيد عام وسجل بفضلها مؤشرات إيجابية في مجال الانتعاش في سوق العمل وفي حركية استحداث مناصب الشغل، وكان الوزير الأول في آخر تصريح له قدم معطيات دقيقة، وتشريحا في الصميم حول تطورات الوضع الاقتصادي وواقع سوق التشغيل في الجزائر في ظرف تطبعه تغيرات تتطلب الحذر والفطنة، مؤكدا أن آليات استحداث المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومناصب الشغل، بجميع صيغها، تمكنت خلال 2014 من تحقيق زيادة معتبرة فيما يتعلق بحجم الملفات الممولة بنسبة تناهز ال17 بالمائة، فيما قدرت نسبة القروض البنكية التي استفاد منها البطالون ب51 بالمائة، وبلغت نسبة استحداث مناصب الشغل 20 بالمائة، أي تم خلق في العام الفارط أكثر من 262 ألف منصب شغل جديد مقابل 153 ألف استحدث في عام 2013. ويعول كثيرا على فئة الشباب كي يقتحموا المجال الاقتصادي بقوة، بأفكارهم وسواعدهم وابتكاراتهم لتغيير واقع الإنتاج والرفع من سقف النمو على اعتبار أنه يتطلع في الخماسي المقبل أن يناهز سنويا مستوى 7 بالمائة وهي النسبة القادرة على إعادة الاعتبار للاقتصاد الوطني، والقفز به إلى مستوى يسمح بتحرره من التبعية إلى المحروقات وتهيئته فيما بعد ليكون في مستوى يتسم بالراحة والصلابة، مع الاستمرار في تخفيض نسبة البطالة التي استقرت في 2014 عند حدود 9.8 بالمائة. وتراهن الحكومة كثيرا على مساهمة البرنامج الاستثماري الحالي الذي رصد له ما لا يقل عن 262 مليار دولار في تحقيق نمو قوي للناتج الداخلي الخام وتنويع الاقتصاد الجزائري الكفيل بخلق الثروة واستحداث مناصب الشغل. وما تجدر إليه الإشارة فإن الناتج الداخلي الخام حسب ما أوضحه الوزير الأول انتقل من 4123 مليار دج في 2000 إلى 16496 مليار دج في 2013 ثم قفز 17647 مليار دج عام. بالنظر إلى المستوى الذي بلغته عملية تدفق القروض التي ارتفعت في السنة الفارطة، مقارنة ب 2014 ينتظر الكثير من خلال الإصلاحات البنكية والتسهيلات المجسدة لفائدة المستثمرين من أجل الوصول إلى تقوية وتوسيع فضاء الاستثمار، الذي يعتبر الطريق الوحيد القادر على تنويع الاقتصاد الوطني، فتشكل الصناعة العمود الفقري الذي يمكنه أن يجسد القفزة التنموية المنشودة، فلا يمكن الاعتماد على الصناعات الثقيلة وحدها لأن لتكنولوجيات الإعلام دور كبير في طرح منتوجات منافسة وقابلة للتصدير ومدرة للعملة الصعبة، ولأن تكلفة إنتاجها ليست مكلفة، ولعل التخصص في المجال الفلاحي وتسطير الاستراتجيات الواضحة والصائبة صار مطلبا ملحا من أجل تهيئة المنتج الجزائري وتوجيهه نحو التصدير، فيمكن تخصيص مساحات كبيرة لإنتاج التمور والزيتون وفواكه مناخ البحر المتوسط وما إلى غير ذلك، وتخصص للتصدير فقط وأخرى من أجل تمويل السوق المحلية حتى يضمن عدم الانقطاع في التصدير، ومازال قطاع السياحة يحتاج إلى جهود أكبر لبعث حركيته واستقطاب السياح في جميع فصول السنة.