التفكير الجدي في رفع أداء الاقتصاد الوطني عقب انخفاض أسعار البترول كشف أمس، عبد المالك سلال، الوزير الأول، أن غلافا ماليا ضخما لا يقل عن 3700 مليار دينار مازال يتداول خارج البنوك، داعيا إلى ضرورة التعجيل باستثمار هذه الأموال لتنمية الاقتصاد الوطني، ملتزما بمكافحة ظاهرة التحايل والغش في الاستيراد بقوة، مع خلق قائمة تضم فئة معتبرة من المحترفين والمهنيين الحقيقيين في مجالي التصدير والاستيراد، وطمأن أنه في مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2015 ستدرج قرارات فعلية لتدارك نقائص التجارة الخارجية. اعتبر الوزير الأول خلال الندوة الوطنية حول التجارة الخارجية، أن الاقتصاد الوطني يحتاج إلى ترقية ويجب أن تمسه سلسلة من التعديلات، خاصة عقب التراجع المسجل في أسعار المحروقات، وقال في سياق متصل أن الوقت مناسب لتقييم واقع التجارة الخارجية وتشريح الوضعية الحالية للاقتصاد الوطني. وتحدث الوزير الأول عن قرارات الحكومة التي حرصت على مواصلة تعزيز النمو الاقتصادي مع الأخذ بعين الاعتبار جميع المؤشرات السلبية، حيث يرى أنه من الضروري التفكير في أحسن الطرق لتحسين أداء الاقتصاد الوطني في ظل تراجع أسعار النفط، والجزائر بجميع مؤسساتها وفاعليها وحكومتها أمامها فرصة ذهبية لتستدرك ما فاتها وإعادة الاعتبار لتجارتها الخارجية. حفظ مصالح الجزائر أولا وأوضح الوزير الأول سلال، أن البرنامج الحكومي الحالي المنبثق من برنامج رئيس الجمهورية يتضمن إنعاش التجارة الخارجية وتنويع الاقتصاد الوطني خارج المحروقات للخروج بصورة جذرية وإرادية من موارد المحروقات الظرفية وضمان ديمومة الاقتصاد الوطني من خلال الاعتماد على الثروة البشرية من الكفاءات، ومن المبادئ والأهداف التي يركز عليها البرنامج الحكومي ذكر سلال انتهاج سياسة الاندماج في الفضاءات الاقتصادية الدولية والجهوية، حيث أبرمت الجزائر مع عدد كبير من الدول والمنظمات الدولية اتفاقيات وتتعامل معها بمبدأ الاحترام المتبادل، ولم يخف الوزير الأول في نفس المقام أنه إذا تم التعجيل والسير بسرعة في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية بدون المحافظة على مصالحنا، ربما قد يسفر ذلك عن مشكل أخطر، وأكد يقول بخصوص هذا الانضمام مطمئنا أن السير نحو الانضمام جار لكن لن يكون دون المحافظة على الاقتصاد الوطني وامتيازات الجزائر. ومن منطلق أن العلاقات الاقتصادية الدولية من الأهداف الجوهرية للجزائر أعلن الوزير الأول أنه حان الوقت كي نتوجه لبناء اقتصاد ناشئ في ظل توفر الموارد البشرية والمالية مع تكريس الشفافية، بل ألح على ضرورة الانطلاق بشكل تدريجي في هذا الاتجاه، لأن برنامج رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة وكذا البرنامج الحكومي كليهما يتضمنان تطوير الاقتصاد الوطني من خلال ترقية المقاولة الوطنية أو بناء شراكات مع مقاولات أجنبية دون المساس بالمكتسبات الاجتماعية والمجتمع الجزائري، لأن الحكومة ليست ضد من يعمل أو يستثمر في الجزائر ويربح لكن يشترط المحافظة على الجانب الاجتماعي كونه احد المبادئ الكبرى التي يرتكز عليها الاقتصاد الوطني. تدعيم أكبر للاقتصاد من خلال القروض عكف الوزير الأول عبد المالك سلال على تشريح واقع وتداعيات تراجع أسعار النفط المفاجئة، وأشار إلى إمكانية أن تطول فترة انخفاض أسعاره في ظل عرضه للعديد من الفرضيات المقترحة فهناك توقعات تؤكد أنه يترقب أن يتهاوى إلى حدود 45 دولار للبرميل وأخرى تتراوح توقعاتها ما بين 50 و60 و70 دولار للبرميل، بينما توقع صندوق النقد الدولي يجعل سعر البرميل يستقر في مستوى 65 و70 دولار للبرميل. وأمام كل تلك التغيرات حسم سلال في عدم التراجع في برنامج الاستثمار الوطني، خاصة ما تعلق بالجانب الاجتماعي، لكنه شدد بالموازاة مع ذلك على ضرورة التحكم أكثر في النفقات العمومية، مؤكدا أن الجزائر تسير بصورة براغماتية في التحكم في الاقتصاد الوطني، ولأن احتياطات الصرف المتوفرة تتيح لها الاستمرار في نهج الاستثمار وترقية الاقتصاد الوطني، وما ساعدها أكثر ضآلة مديونتها وكذا الموارد المعتبرة التي يتوفر عليها صندوق ضبط الإيرادات وكذا سيولة البنوك التي لا تقل عن 2324 مليار دينار والتي تسمح لها بالاستثمار أكثر. ومن الإجراءات التي اتخذها الوزير الأول مطالبة البنوك بدعم أكبر للاقتصاد الوطني عبر ضخ نسبة أعلى من القروض في ظل تطور هذه الأخيرة في مجال الاستثمار وليس للاستهلاك، على اعتبار أن الاستثمار يقوي تنافسية الإنتاج الوطني، وكون الاقتصاد يوجد في منعرج حساس في ظل تسجيل حسبما كشف عنه الوزير الأول ما لا يقل عن 3700 مليار دينار من الأموال تتداول خارج البنوك وفي السوق الموازية، وطالب الوزير في سياق متصل باستثمار هذه السيولة المعتبرة وتوظيفها في معركة التنمية الاقتصادية. واستعرض سلال في كلمته المطولة المؤشرات المالية والنقدية والاقتصادية وأصر على حضور الجلسة الصباحية للندوة من بدايتها إلى نهايتها مبديا اهتماما كبيرا للاستماع إلى كل ما يتعلق بترقية التجارة الخارجية، التي ستكون صورة عاكسة لاقتصادنا الوطني الذي بدوره بحاجة إلى تنمية، وقال سلال أن التضخم يناهز 4.4 بالمائة، ومن بين مقترحاته التحكم في التجارة الخارجية بشكل كبير والتوجه نحو الانفتاح دون الغلق ومساعدة الصادرات الوطنية للوصول للأسواق الخارجية، والتحكم في فاتورة الواردات، علما أن فاتورة الواردات بلغت 58.3 مليار دولار والصادرات من المحروقات ناهزت 62.96 مليار دولار. وسجلت الواردات الجزائرية في نهاية 2014 زيادة بنسبة 6 بالمائة بينما تقلصت ب15 بالمائة خلال الفصل الأول من 2015، مع تسجيل مؤشر إيجابي للميزان التجاري ب4.63 مليار دينار. استحداث مؤسسات مواطنتية حذر الوزير الأول عبد المالك سلال، من تنامي فاتورة الاستيراد داعيا إلى ترشيدها والجزائر في كل ذلك تحترم جميع الاتفاقيات الجهوية والإقليمية، وكون إيرادات الصادرات خارج المحروقات لا تتعدى حدود 4.5 مليار دولار أي تعادل 25 بالمائة من فاتورة ما يستورد من المواد الاستهلاكية. ومن بين الحلول التي رافع عنها سلال استحداث مؤسسات مواطنتية والتفكير في المصلحة الوطنية بعيدا عن المصالح الضيقة. وعقب كشفه عن وجود خلال الأشهر القليلة المقبلة لسنة 2015 قانون مالية تكميلي بخلاف السنة الفارطة، أوضح الوزير الأول أنه توجد نقائص كبيرة في التجارة الخارجية وستدرج قرارات في مشروع قانون المالية التكميلي من أجل التحكم في العديد من الجوانب الاقتصادية وخاصة التجارة الخارجية، ووقف سلال على ظاهرة التحايل والغش في الفاتورة من خلال الاستيراد بالقروض السندية، مهددا باستعمال قوة القانون بصرامة ودون الرجوع إلى الوراء وتطرق إلى مكافحة التهريب دون هوادة مع المحافظة على القدرة الشرائية للمواطن. ومن مشاريع القوانين التي تنظم التجارة الخارجية والاستيراد، أعلن سلال عن مشروع قانون اقترحه وزير التجارة ويتضمن رخص الاستيراد من دون العودة إلى الاحتكار حتى تسلم الرخصة للمستوردين الحقيقيين مع ضمان حرية النشاط للمستورد ويتماشى مع القانون الدولي للاستيراد للتحكم والحد من الاستيراد العشوائي. وفيما يتعلق بقانون القرض الاستهلاكي للمواد المنتجة محليا، قال الوزير الأول أنه سيشمل الإنتاج الوطني ويعول عليه في تقليص فاتورة الاستيراد ويدعم أكثر رجال الأعمال الوطنيين ويطور الاقتصاد من خلال تدعيم المؤسسة الجزائرية التي تطور التجارة الخارجية لكن بفرض التسهيلات دون التفريق بين مؤسسة عمومية وأخرى خاصة، ووصل الوزير الأول إلى قناعة أن الدولة يجب أن تساعد الجزائريين الراغبين في التصدير والاستيراد وخلق قائمة تضم فئة من المهنيين والمحترفين في مجال التصدير والاستيراد وعدم السماح باستيراد منتجات تمس بصحة المواطن الجزائري.