تتواصل بوهران الاحتفاليات المخلّدة لشهر التراث إلى غاية 18 ماي، وسط أجواء تنبض بالممارسات والتصوّرات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات، وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافيّة، تعتبرها الأفراد والجماعات جزءاً من تراثها الثقافي. انطلقت تظاهرة شهر التراث من ساحة الجمهورية بحي "سيدي الهواري" التاريخي، تحت شعار: "التراث والإقليم" بمشاركة عديد الهيئات والجمعيات لإبراز التنوع الثقافي المحلي، وفي جولة قامت بها "الشعب" عبر أجنحة المعرض المقام بوسط المدينة بالقرب من المكتبة الكتدرائية، أثارتنا النفائس التراثية التي تزخر بها المدن الجزائرية، ومنها جناح "مستغانم" والذي يتيح فرصة للتعرف على تقاليد وأعلام المدينة وكذا الموقع الأثري "وادي الرايح" و«حمام المور" العثماني والجامع المريني العتيق والزاوية العلوية وضريح الباي مصطفى بوشلاغم، كما يسافر الزائر من خلال الصور الفتوغرافية لأسوار وقصور مستغانم وقصبة درب الطبانة الذي يعود إلى القرنين العاشر والحادي عشر ميلادي، والمتميزة بالعناصر المعمارية للمدن الإسلامية وكذا برج "متحف الترك" ودار القايد وغيرها من المعالم المصنّفة في قائمة الجرد الإضافي على مستوى الوطن. ورأت "قدور عقيلة"، مسؤولة المعالم الأثرية وممثلة الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية لولاية مستغانم، أنّ "لكل مجتمع خصوصياته ومكوناته الاجتماعية والثقافية، ولكل مجموعة من البشر رصيدها ومخزونها الذي كوّنته عبر الحضارات المتعاقبة عليها، وما يجمع بين البشر لا يقتصر على الملموس من حجر أو نقوش أو أعمال فنية أو غيرها، وإنما يتجاوز ذلك إلى أشياء لا محسوسة، تجعل من نسيج المجتمع ملتحما، وتمكنه آليا من إيجاد آليات للدفاع عن كينونته إذا ما تهددت. وتشارك عاصمة الرستميين، مدينة تيارت، بمعرض للصور والآثار والحلي والمواد التي اكتشفت من قبل الأثريين، تبرز تاريخ وحضارة المنطقة التي تحتوي على 457 موقع تاريخي، منها 5 مصنّفة، لعلّ أبرزها مغارة "إبن خلدون"، أين كتب مقدمة كتاب "العبر" المشهور، وقال "مارجة مراد" ممثل عن ولاية تيارت: "التراث الجزائري يستحق الاهتمام، يتجسّد ذلك في مشاريع حقيقية واستراتيجية واضحة، من خلال إشراك جمعيّات المجتمع المدني العاملة في مجال التّراث لحماية موروثنا الثّقافي بمكوّنيه المادّي واللّامادي وحفظه لتثمين التّراث والعناية خاصّة بالجانب اللّامادي منه"، وضرب المتحدّث موعدا لحضور "مهرجان الفرسان" يوم 18 ماي بتيارت. وشاركت "تلمسان" التي تلقب ب "لؤلؤة المغرب الكبير" بقطع أثرية ومشاهد عدة لحفريات من السبعينيات إلى غاية الثمانينيات من القرن الماضي، وقد عرف جناحها إقبالا كبيرا. وأكّدت شنوفي عالية، مختصة في الآثار بتلمسان، أن فئة الشباب والأطفال أبدوا اهتماما بالغا بالتراث وكل ما هو ثقافة، ودعت إلى الإكثار من التظاهرات ذات الصلة واعتماد أفضل الممارسات والتي تساعد الجهات المعنية على تطبيق سياسات ومعايير رقمنة الثقافة والتراث للحفاظ على المواد التي قد تتعرض للتلف بسبب مجموعة متنوعة من العوامل من بينها قِدم التكنولوجيا والتدهور والإهمال. وأنت تحط الرحال بجناح وهران، ستشعر أن حلمك في مصافحة التاريخ القديم قد بدأ يتحقق، تعاقبت عليها مختلف الحضارات القديمة، منذ ما قبل التاريخ، مرورا بالفترات الفينيقية والرومانية والمارينية والعثمانية والإسبانية. وقد أكّد السيّد "بابا أحمد"، مختص في الآثار، ممثل ملحقة ديوان تسيير واستغلال الممتلكات الثقافية بولاية وهران، يلزم مئات الكتب للإحاطة بجميع الأبعاد الخفية لوهران. كما تحدّث عن أهميّة إشراك الأفراد في استراتيجية حماية التراث المشترك، قائلا: الديوان الوطني لتسيير الممتلكات الثقافية المحمية لولاية وهران، قام بوضع توأمة مع جميع الملحقات الأخرى، على غرار مستغانم، تيارت، سيدي بلعباس، البيض، عين تموشنت ومعسكر، وأكّد أن ملحقة وهران أعدّت، في إطار إحياء شهر التراث، برنامجا ثريا، يتركز أساسا على مسابقات فكرية بين الثانويات والزيارات الموجهة إلى المعالم والتي يحتاج الكثير منها إلى تعريف أكثر، يقول نفس المتحدّث، أنّ البرنامج ثري يتزامن ويوم العلم وافتتاحية "قسنطينة" عاصمة الثقافة العربية. وأطربت جمعية قناوة الباهية، سكان وهران وزوارها بالقرب من ضريح "سيدي الهواري" بأناشيد وأغاني الديوان في جو عائلي امتزج بطلقات البارود وزغاريد النسوة. وسارعت الكثير منهنّ لمنح ما يعرف ب "الزيارة"، وهي واحدة من عادات سكان الغرب الجزائري، يطلبون من خلالها الدعاء الصالح، وعليه تحدث رئيسها "وحيد" عن مشاعر ورغبات ورؤى وأنماط تفكير وبعض الظواهر الاجتماعية، دونما تواجد مؤشرات سوسيولوجية مادية تفسر ذلك، ومن الواجب يقول نفس المصدر أن نحافظ على هذه الموروثات اللامرئية عبر مقاومة الثقافة الهجينة التي تغزونا عبر الفضائيات، سواء كانت ثقافة غربية خليعة، أو ثقافة إسلاموية متطرفة. الملتقى الدولي "سيدي الهواري" من 17 إلى 18 ماي المقبل هذا وتستعد عاصمة الغرب الجزائري لاحتضان الملتقى الدولي حول حي "سيدي الهواري" التاريخي، المزمع تنظيمه من 17 إلى 18 ماي المقبل، بمشاركة خبراء وباحثين مختصين في التراث وجامعيين، يتم التطرق من خلال الملتقى للتصنيف الأخير للحي العتيق سيدي الهواري باعتباره قطاعا محميا، على ضوء مرسوم تنفيذي مؤرخ في 22 يناير 2015، يتعلق بإنشاء وتحديد القطاع المحمي للمدينة القديمة لسيدي الهواري. وقد سبق وأن حظي عدد من المعالم بالتصنيف فيما لم يشمل الإجراء معالم أخرى، اعتبر المختصون أنه من المستعجل حمايتها، ومن بين المواقع المحمية، تجدر الإشارة إلى مسجد الجوهرة وقصر الباي ومسجد الباشا وباب إسبانيا وباب كناستيل وغيرها... وتنتظر مواقع أخرى تصنيفها مثل مقر الولاية القديم بسيدي الهواري والقصبة (العهد المريني) والمسرح الجهوي لوهران. يذكر، أن هذا الملتقى، يندرج في إطار الاحتفال بشهر التراث، وهو من تنظيم الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية وجمعيات الدفاع عن التوارث والمجتمع المدني، وتتواصل التظاهرة خلال شهر كامل سلسلة من البرامج والمعارض ولقاءات مع جامعيين وممثلي المجتمع المدني.