كانت سنة 2012 بمثابة - نفحة أوكسجين- بالنسبة للتراث المادي بوهران حيث حظيت معالم أثرية وتاريخية بتصنيف وبأشغال استعجالية لحمايتها ودراسات لتثمينها والمحافظة عليها، حسب ما أكده الساهرون على هذا القطاع. وقد أثلج تصنيف الحي العتيق سيدي الهواري الذي يعتبر النواة الأساسية لمدينة وهران مع مطلع هذه السنة صدور سكانه. ويزخر هذا الحي بعدة معالم تاريخية وأثرية يقدر عددها ب 70 معلما أثريا غير مصنف وحوالي 14 أثرا مصنفا وطنيا تعود إلى عدة حقب تاريخية من ما قبل التاريخ مرورا بالعهد العربي الإسلامي والاحتلال الإسباني والوجود العثماني والاستعمار الفرنسي. ومن أبرز هذه المعالم التى تلقى إقبالا كبيرا من السواح المحليين والأجانب "باب كناستيل" و"منتزه ابن باديس" و"مسجد الباشا" و"قصر الباي" و"كنيسة سان لوي" و"مقام سيدى الهواري" الذى تقام به وعدة سنويا. ويشتهر هذا الحي الواقع على بعد خمس دقائق مشيا على الأقدام عن وسط مدينة وهران إلى جانب ثرائه التراثي بأكلة "كرانتيكا" التي تم تحضيرها لأول مرة به في عهد الاحتلال الإسباني للمدينة. وشكل تصنيف هذا الحي كقطاع محفوظ حدثا هاما في تاريخه يسمح له بالاستفادة من مخطط دائم للحفاظ عليه وتثمينه حسب ما أشارت إليه مديرة الثقافة لولاية وهران. وسيتم إعداد هذا المخطط بعد نشر عملية التصنيف في الجريدة الرسمية وكذا اتخاذ جميع الإجراءات الإدارية المنصوص عليها في القانون المتعلق بتثمين القطاعات المحفوظة حيث تم تخصيص غلاف مالي هام ضمن برنامج المخطط الخماسي للتنمية (2010-2014) لإعداد دراسة خاصة بالمخطط الدائم للحفاظ وتثمين هذا القطاع حسبما أشير إليه. وجاءت عملية التصنيف بعد إعداد ملف كامل حول النواحي الاجتماعية والثقافية والجغرافية والتراثية والأثرية لحي سيدي الهواري من قبل مديرية الثقافة بمشاركة السكان وفريق مشكل من مختصين في علم الاجتماع والهندسة المعمارية ومؤرخين وممثلي جمعيات حماية التراث. وكانت عملية تصنيف هذا الحي من أبرز توصيات الملتقى الدولي حول إعادة الاعتبار الحضري لوهران المنظم في شهر أكتوبر 2008 بمشاركة ممثلين عن سكان هذا الحي والجمعيات المهتمة بالمعالم التراثية. وتنص هذه التوصية على جعل هذا الحي قطبا ثقافيا وسياحيا مما سيسمح له بتصنيف عالمي. وللحفاظ على المعالم الأثرية التي تتميز بقيمة تاريخية ومعمارية اقترح هذه السنة تصنيف أربعة معالم ضمن التراث الوطني من قبل مديرية الثقافة التي استكملت الملف الخاص بالمعلم الأثري "حمامات الترك".ويعود تاريخ إنشاء "حمامات الترك" بحي سيدي الهواري إلى عهد التواجد العثماني حيث بني من قبل الباي "بوشلاغم" في سنة 1708. ويحتوي هذا المعلم على عدة حجرات مفتوحة على بعضها البعض تتربع على مساحة تتراوح بين 4 و15 متر مربع وسطح وباحة حسب مصادر تاريخية. وفي إطار الاحتفال بخمسينية الاستقلال الوطني تنكب مديرية الثقافة حاليا على إعداد ملفات تخص ثلاثة معالم تاريخية لتصنيفها قصد الحفاظ عليها متمثلة في النصب التاريخي الذي يتوسط ساحة "أول نوفمبر" بوسط المدينة ويحمل صورة مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر وساحة "الطحطاحة" بحي "المدينةالجديدة" الشعبي و"زنزانات" قصر الباي بحي سيدي الهواري. وللإشارة فإن إتراح تصنيف هذا المعلم الأخير الذي لا يزال شاهدا على بشاعة الاستعماري الفرنسي للجزائر جاء بطلب من وزارة الثقافة. كما استفاد الموقع الأثري كنيسة "سان لوي" بحي "سيدي الهواري" الذي كان في وضع "كارثي" من عملية استعجالية لحمايته من التدهور في منتصف هذه السنة "ليتنفس الصعداء" حسب مسؤول المعالم الأثرية بالديوان الوطني لاستغلال وتسيير الممتلكات الثقافية المحمية لوهران. وتعرف هذه العملية التي انطلقت منذ أكثر من شهرين تقدما كبيرا في الأشغال التي تخص كل من برج الجرس الذي يعرف تشققات كبيرة وقاعة الصلاة والقبب الثلاثة الكبرى حسب ما ذكره السيد أورابح ماسينيسا. وتخص هذه الأشغال وضع دعامات لكل من الأعمدة والأقواس الحاملة للقبة وسقف الكنيسة وكذا نظام يمنع تسرب المياه إلى الكنيسة وطلاء الخشب بمادة مضادة للصدأ في انتظار إعداد دراسة لترميم هذا المعلم المصنف كمعلم وطني مرة أولى إبان الاحتلال الفرنسي سنة 1956 ومرة ثانية بعد الاستقلال في سنة 1967 حسب ما أشير إليه. والجدير بالذكر أن مديرية الثقافة لوهران أدرجت كنيسة "سان لوي" من بين المعالم الأثرية التي تحتاج إلى أشغال استعجالية ووافقت على ذلك وزارة الثقافة وعينت الديوان الوطني لاستغلال وتسيير الممتلكات كصاحب مشروع لهذه العملية. ومن جهته ينتظر الآثار الروماني "بورتوس مانيوس" (الميناء الصغير) ببلدية بطيوة شرق وهران ومغارة ما قبل التاريخ "ملجأ آلان " بالحي الشعبي "الأمير خالد" (أكميل سابقا) بوهران نتائج مناقصتين محدودتين لإعداد دراسة لمخطط حماية وتثمين هذين المعلمين الأثريين تم الإعلان عنهما مؤخرا بعد مناقصتين أولى وثانية غير مجديتين. وقد جاء الإعلان عن المناقصتين الأخيرتين بعد استكمال مديرية الثقافة جميع الإجراءات الإدارية والقانونية المنصوص عليها في المرسوم التنفيذي رقم 03-323 المؤرخ في سنة 2003 والمتضمن كيفيات إعداد مخطط حماية المواقع الأثرية والمناطق المحمية التابعة لها وتثمينها. وللتذكير فإن مديرية الثقافة كانت قد قدمت خلال أشغال المجلس الشعبي الولائي المنتهية عهدته عرضين مفصلين حول وضعية الصرحين التاريخين "بورتوس مانيوس" و"ملجأ آلان" اللذين هما بحاجة إلى مخطط حماية للمحافظة عليهما من الزوال. 2012 ، سنة فتح شهية الحفريات على معالم مدفونة ولم تكن 2012 سنة التصنيف وحماية المعالم الأثرية فحسب بل تميزت أيضا بالعثور بالصدفة على كهفين يعود تاريخهما إلى القرون الوسطى بالقرب من فندق "شاطوناف" بمحيط المعلم الأثري "قصر الباي" خلال أشغال تنظيف وصيانة وإزالة الأعشاب حسبما علم من مسؤول المعالم الأثرية بالديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية بوهران. ويتكون الكهفان المحفوران في الصخور من غرفة تتربع على مساحة 4 أمتار ونافذة وقبة للتهوية وكانا يستعملان من قبل الإسبان إبان احتلال وهران وكذا العثمانيين خلال تواجدهم بالمدينة وفق ذات المصدر. وبعد الحفريات التي قامت بها فرقة متعددة الاختصاصات أوفدها الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية بعد اخطاره من قبل الملحقة تم العثور على مجموعة هامة من قطع طينية من مزهريات وجرار ماء وأواني وبقايا أفران استخدمت في صناعة الغليون وقنوات للمياه حسب ما أشير إليه. والمؤكد أن إكتشاف هذين الكهفين وبقايا تحف طينية سيفتح الشهية لحفريات جديدة بهذه المنطقة التي لا تزال "عذراء" وحبلى بمعالم مدفونة تحت الأرض تحتاج إلى اماطة اللثام عنها خاصة في ظل تعاقب عدة حضارات على وهران كما أكد أحد المهتمين بتاريخها.