بتينا هاينن واحدة من الأجنيات اللائي عشقن الجزائر وترابها، وفضلن ترك بلدهن الأم والبقاء في بلد كان بالنسبة لهن صحراء قاحلة ولكن احتكاكهن بأهلها جعلهن يتعلقن بالجزائر وجمالها الخلاّب. التقتها «الشعب» بولاية قالمة للتعرف عنها عن قرب فوجدتها امرأة في ال 78 من العمر عبرت عن حبها للجزائر قائلة: «ولدت في زولغن بألمانيا الغربية في 30 سبتمبر1937، وسط عائلة محبة للآداب والفنون بكل أنواعها، كان والدي هانس هاين عالما في اللغة والاقتصاد وكاتبا صحفيا وشاعرا، أما والدتي فكانت فنانة تلقت تعليمها في الفنون الجميلة على يد المبدع الألماني أورين بوفين»، هذا الجو المليء بالفن والأدب نما داخلها حب الرسم وميلا فطريا للجمال. هذا الميل جعلها تطوره من خلال التحاقها بمدرسة الفنون الجميلة بمدينة كولونيا بميونيخ، وبالفعل أثبت أنها تملك حسا فنيا نادرا، سمح لها بن تترجم الأحاسيس والمشاعر إلى خطوط وألوان تتكلم وتروي الكثير في صمت هادىء وما حملها على تطويرها من خلال متابعة الدراسة في كوبنهاغن أين اكتسبت العديد من الخبرات الفنية في الريشة من قبل أستاذها ايروين بوويان. بعدما فتح لها الرسم افق الدراسة، كان كذلك السبب في التعرف على زوجها الجزائري عبد الحميد عياش سنة 1960، ورغم انه من ثقافة مختلفة تماما عما نشأت عليه في ألمانيا الا ان القدر كان يخبئ لها حياة لم تكن تتخيل أنها ستعيشها قبل هذه السنة، لأنها ارتبطت فيها بهذا الرجل الغريب عن بلدها وهي ما تزال في ال 26 من العمر. ولأن زوجها كان فخورا بجزائريته، أقنعها بزيارة بلده لتتعرف على عائلته وأهله الذين أصبحوا عائلتها الآن، وبالفعل شدوا الرحال إلى قالمة وتعرفت هناك على العائلة كبيرها وصغيرها، واحتكت مع مجتمعه المحافظ الذي استطاع الإبقاء على أصالته وهويته رغم كل ما فعله المستعمر من اجل محو تراثه وهويته. وقعت بتينا هاينن بسحر الجزائر وأصبحت مأسورة ومهووسة بجمال طبيعتها الفاتن، وأصبحت دون أن تشعر تمسك الريشة لتجسد هذا الجمال في لوحات من الفن التشكيلي، ومنذ 51 سنة وهي تفعل ذلك لم تترك شيئا من الطبيعة أو التقاليد الذي تميز المجتمع القالمي إلا ورسمته، وحتى بعد وفاة زوجها بقيت في الجزائر لأنها لا تستطيع تنفس هواء غير هوائها. شاركت بيتينا هاينن في عدة تظاهرات ثقافية بولاية قالمة بأعمالها الإبداعية ولوحاتها المعبرة عن مشاعرها الصادقة التي تكنها لهذا البلد، ورسالة حب وسلام إلى كل من يراها، هي فنانة لا يشكك احد في جزائريتها، عملت كل ما بوسعها لدفع وتطوير الحركة التشكيلية الجزائرية من خلال استغلال المناسبات لإظهار أعمالها داخل حدود الجزائر وخارجها، بل يعتبرها المختصون إحدى القلاع الشامخة للفن التشكيلي. في حديث الفنانة التشكيلية بتينا هاينن مع «الشعب» عبرت عن حبّها وتعلقها بمدينة قالمة، وبكل حبة تراب من هذا البلد الشاسع، تقول أنها مغرمة برسم المناظر الطبيعية الجزائرية بتقنية الأكواريل التي تتقنها بمهارة منقطعة النظير. هي امرأة أعطت الكثير للجزائر في حين فضل آخرون الهجرة والهروب الى البلدان الأخرى في العشرية السوداء، فلم تبخل على مدينة قالمة بتجسيد طبيعتها «جبال مرمورة» الحقول المترامية في مختلف فصول السنة. كما انها فنانة معطاءة ساعدت الكثير من الطلبة المحبين للفن التشكيلي. كما لم تبخل الفنانة بتينا أي فنان، ساعدت الشباب وشجعتهم على العمل الدؤوب وفي كل تصريح للشعب تبدي إعجابها بتقاليد المنطقة، كما تنصح الشباب الذي يحمل ميولات فنية بأن يحب ما يصنعه ليبدع أكثر، لأنه حب المهنة هو انطلاق النجاح، كما تحبذ دائما الخروج للطبيعة للإبداع ونقل الواقع في لوحاتها الفنية التشكيلية وهذا ما وضحه الكثير من الفنانين بقالمة عند الحديث عنها كحسين فنيدس الذي يقول عنها أنها تعشق الطبيعة وتنقل ذلك الواقع في لوحات فنية مبهرة. أقامت مجموعة لا تحصى من المعارض الفنية ابتداءا من سنة 1955 إلى يومنا هذا في معارض فردية وفي مختلف بلدان العالم ألمانيا، سويسرا، الجزائر، تونس، القاهرة، الدار البيضاء، حلب ودمشق، عنابة، بريطانيا كماقامت بمعرض بالمركز الثقافي الجزائري بباريس 1990، 1998، بما في ذلك المشاركة في معرض الفن الألماني المعاصر بأمريكا الجنوبية، افريقيا والهند، وشاركت في العديد من المعارض الجماعية مع فنانين جزائريين منذ 1973، كما شاركت في صالونات للفنون التشكيلية بولاية قالمة ويوجد العديد من أعمالها الفنية في مختلف متاحف العالم ، المتحف الوطني للفنون الجميلة بالجزائر، وزارة الثقافة بألمانيا، المتحف الألماني بزولنغن وعدة متاحف ألمانية، دار الثقافة بتونس ، المتحف الوطني بزولنغن، متحف دمشق، هذا الزخم من الإنتاج الفني والذي بلغ 900 لوحة جعل دار الثقافة عبد المجيد الشافعي بقالمة تكرمها بتسمية احد أروقتها باسم «بيتينا هاينن».