«لا يمكن للفن المعاصر إلغاء الفنون التقليدية لأنها متجردة في تاريخ الأمم.. الفن التقليدي ينبع من أصالة الأمم ويعبر عن هويتها.. الفنان هو بداية وعمله وإبداعه ذاكرة وشهادة عن عصره ومفترض أن تكون له مكانة محترمة في مجتمعه ويستشار في الكثير من الأشياء"، كلام جاء على لسان الفنان المعروف عبد الوهاب خالد خوجة، الذي أخذ "الشعب" في رحلة الى عالم الفن التشكيلي مع المبدعين حيمر حسن والأمانية الأصل بتينة وغيرهم ممن فجروا روح الإبداع المجسد بالريشة في قالمة. قالمة ..ملهمة الفنانين التشكيلين أحب قالمة الى النخاع وقال فيها "مدينة قالمة بجمالها الطبيعي لابد أن تكون قد ألهمت الكثير من الفنانين التشكيليين منذ القدم، وما زالت تلهم الكثيرين". أكد عبد الوهاب خوجة قائلا: "فنانون كانوا يعملون في صمت فمنهم من عايشناهم مثل المرحوم السيد زعايمية إسماعيل وزوجته جيجي الفرنسية الأصل، التي كانت تمارس الرسم بتقنية الألوان الألمانية"، حيث تذكر وهو يحاور "الشعب" بعض أعمالهم مثل بائع الزهور وكذلك أعمال زعايمية الذي جسد بعضا من مشاهد الثورة، وجوه شهداء قالمة. وعادت به الذكريات ليحدثنا عن عمالقة الفن بولايته، هؤلاء المبدعين الذين مزجوا بين الفنون أمثال زعايمية، السالف الذكر، الذي كان يمارس الموسيقى ويعزف على آلة العود الى جانب الريشة ، كما كانت أعمال المرحوم فريد بوسنة شديدة التعبير، ويغلب عليها شيء من الحزن ومن نفس الجيل الفنان بريك لزهر ورقايقية وكذلك بالنسبة للسيدة هب الريح زهية لها الكثير من الأعمال والانجازات الفنية المتواجدة في مدينة قالمة وغيرها من المدن، وذات الحال بالنسبة إلى السيدة بثينة عياش الألمانية الأصل ، كل هذه المجموعة كانت تمارس وتشارك وتساهم في كل المناسبات بطريقة انفرادية. «بصمات للفنون التشكيلية" جمعتنا في أحلك الظروف فتح الفنان عبد الوهاب خوجة قلبه ل«الشعب"، حيث تحدث بنبرة مبدع عاد الى الزمن الجميل، زمن احتك فيه الفنانون مع بعض في مختلف الظروف، وتحدوا الصعوبات دافاعا على ميول من الصعب ان تدفنه اي اسباب، ليجدوا أنفسهم في بوتقة النسيان والتغييب. أخذنا الفنان في رحلة الى سنوات التسعينيات بداية من 1992، حيث بدأ التفكير في إنشاء جمعية ولائية لجمع شمل كل الفنانين التشكيليين وهواته ومحبيه، حينها لم يكن التوقيت مناسبا نظرا للظروف التي كانت تمر بها البلاد، "ولم نختر الهروب بل أنشأنا جمعية وكانت المبادرة الأولى مني، لي الشرف آن أطلقت عليها تسمية بصمات للفنون التشكيلية". وقال عبد الوهاب خالد خوجة ل«الشعب" "في اجتماع تأسيسي للجمعية سنة 1993 كانت مجموعة من الفنانين الشباب أمثال المرحوم حيمر حسين وعبد الوهاب خالد خوجة، وعبد الغاني غوار، وكمال قنيش، ومحمد سعدان وحكيم بن عبده، فأغلبهم تخرجوا من مدارس الفنون الجميلة وبعض الهواة. وجود هذه الجمعية، حسب خوجة، حرك الساحة التشكيلية لهذه المدينة إلى درجة أن السيد المرحوم زعايمية بادر بتأسيس جمعية مع مجموعة أخرى لكن لم تدم هي الأخرى طويلا، كما تأسست جمعية أخرى "جمعية الجديد" التي كان يتزعمها الفنان قبايلية عبد الحق وسمير خلف الله ومصطفى لعمايرية وآخرون والتي لم تدم طويلا، وتشتت فنانوها ما عدا خلف الله سمير الذي انظم إلى جمعية بصمات. وأصبحت المعارض الفنية التي كانت تقام بديوان السياحة شيء طبيعي إلى درجة ان الناس أصبحوا يهتمون كثيرا بزيارة المعارض، ومن هنا تأسست أول حركة تشكيلية حقيقية ومع ظهور أول صالون للفن التشكيلي ازدادت المنافسة بين الفنانين وكذلك ازداد الاحتكاك بينهم وفي ولايات الوطن الذين هم بدورهم أسسوا جمعيات وصالونات، وقال: "فقد كان بإمكاننا التخلي عن كل هذا في سنوات التسعينات واللجوء إلى الخارج كما فعل الكثيرون، ولكن بقينا وصمدنا إلى أن جاء الفرج والحمد لله، دون أن ننسى كل من بوعبيد ليليا التي كونت الكثير من الشباب في هذا المجال وما زالت تواصل مسيرتها، كذلك الأستاذ عبد الغني ظافري الذي كون الكثير بدار الشباب وأيضا حسين فنيدس. دار الشباب فجّر موهبتي قبل الالتحاق بالفنون الجميلة كغيره من الفنانين فقد تأثر عبد الوهاب خوجة بكوكبة من المبدعين، حيث قال في هذا الصدد ل«الشعب"، "كنت واحدا من الذين وجد بدار الشباب فضاء لتفجير موهبته وتطويرها قبل الالتحاق بالفنون الجميلة وبطبيعة الحال لم أكن افقه الكثير وكنت ارسم بتلقائية. تأثر عبد الوهاب خالد خوجة بالكثير من الفنانين العالميين أمثال الروسي افاز فسكي والهولندي، فإن قوق وكلود مون، إلى أن فرض أسلوبه الخاص في أعماله التشكيلية. أما المرحوم حيمر حسين فقد اكد خوجة انه لم ولن يغيب عن الذاكرة، قائلا "على الأقل في حياتي لأنه هو أول من تعرفت عليه في سنة 1980 بدار الشباب عياش اسماعيل"، طريق عين العربي سابقا، وقد دامت هذه الصداقة ما يقارب 30 سنة كان من أحب واقرب الناس إليّ، وكنت أثق فيه كثيرا، حيث أسسنا معا الجمعية والحركة التشكيلية والصالون، ورسمنا معنا لسنوات باختصار كنا مثل أصابع اليد، ومنذ وفاته قمت بجمع وجرد أعماله الفنية بمساعدة الفنانة بتينة وخلف الله سمير، وبالتنسيق مع مديرية الثقافة وكذا بمساعدة الأمين الولائي للفنون الثقافية بقالمة سي يحيى عبد الله وأقمنا له معرضا ضخما يضم كل أعماله الفنية بمركز التسلية العلمية سنة 2011، وبعدها لا شيء يذكر وهو حال الفنان في بلادنا". الألمانية بتينة اختارت قالمة موطنا للفن والتغييب جزاؤها وعن الفنانة الكبيرة الألمانية الاصل بتينة، فقد قال عبد الوهاب خالد خوجة أنها من الجيل القديم إذ كانت أكثر اهتماما بالفنانين الشباب عن غيرها، حيث دخلت السيدة بتينة هينن عياش إلى مدينة قالمة سنة 1963 مع زوجها المرحوم عبد الحميد عياش، الذي كانت قد تعرفت عليه في باريس وأنجبت منه دينا وهارون، فقد انبهرت الفنانة بتينة، حسبه، بجمال الطبيعة التي تحيط بمدينة قالمة وحتى بأحيائها القديمة، وبأسلوبها المتميز وبالالوان المائية، كانت تعمل دون انقطاع خاصة في الهواء الطلق وفي كل مكان في الجبال والسهول والحقول والوديان، متلهفة وكأن الطبيعة ستندثر، خاصة في فصل الربيع والصيف وحيث يكون الجو ماطرا أو باردا، وخاصة في الشتاء تراها تقطف بعض الأزهار والنباتات من الحدائق وترسمها في بيتها أو ترسم بعض الأشخاص. قال خوجة ل "الشعب" وجدت بتينا بقالمة ما لم تجده في الدول التي زارتها خاصة دول الاسكندنافية التي تتميز بالبرودة والضباب وبعض الإضاءة "ضوء الشمس". ويمكن للعارف، حسب ذات الفنان، بالفن التشكيلي أن يلاحظ الفرق بين الأعمال المنجزة في شمال أوروبا والتي أنجزت بقالمة، "وما زلنا نراها اليوم على حافة الطريق الوطني أو في حقل من الحقول وهي ترسم دون كلل ولا ملل رغم تقدمها في السن فهي من مواليد 1937 بألمانيا، وحتى من سطح أو شرفة بيتها تكون غير قادرة على الخروج للطبيعة، عرفتها منذ الصغر وهي تتجول بالمدينة بسيارتها الحمراء "ار 4" ثم أصبحنا أصدقاء منذ 1986 كانت دوما تشجعني وتثق بقدراتي"، وأضاف "وكذا الحال بالنسبة للمرحوم حسين حيمر الذي كان قريبا جدا منها، فأهم شيء قدمته بتينة لقالمة هي نصيحة للفنانين بالعمل المتواصل والاهتمام بالطبيعة وان تفعله بحب ولا غير، وتنصح بعض الهواة. كما تكتب الكثير بدفترها اليومي وتدون كل الملاحظات فعلا هي محترفة وتعرف ماذا تفعل. يؤسفني أن مدينة قالمة لم تهتم بها كثيرا كما يؤسفني أن هذه المدينة التي قضت في جل عمرها لا تملك أي عمل فني لها في أي مؤسسة ولا هيئة". ناقشت "الشعب" مع عبد الوهاب خالد خوجة التقليد المعتمد في الدول المتقدمة والذي يتعلق بالذاكرة التي تنقش اسم الفنان مع كل ريشة ومعرض حتى لو غيبه الموت، حيث قال في هذا الشأن "الفنان هو بداية وعمله وإبداعه ذاكرة وشهادة عن عصره ومفترض أن تكون له مكانة محترمة في مجتمعه ويستشار في الكثير من الأشياء، خاصة مجالات التهيئة العمرانية وتصميم الحدائق وتزيين الساحات وغيرها، وهو حال أغلب الفنانين الغربيين الذين اتخذوا من الفن منهاجا لحياتهم وصنعوا الحدث في كل مرة الفنان الغربي لا يموت أبدا حتى وان مات فعلا، ما دامت أعمالهم تباع وتشترى في كل مرة بملايين الدولارات في المزادات وفي كل مناسبة أما نحن فلا نملك حتى السكن فما بالك بالورشة". وبنبرة حسرة قال خوجة ل«الشعب" "عوامل كثيرة تجعل الفنان الجزائري طي النسيان، قلة الإنتاج الفني وقلة المشاركات بإقامة المعارض وانعدام قاعات العرض، انعدام الورشات الفنية، انعدام جامع اللوحات، ولا سوق للفن ونقاد الفن وهم أهم عنصر في هذا المجال ولا من يكتب عن الفنانين رغم كل هذا ما زال بعض الفنانين الذين يؤمنون بمبادئهم يبدعون وسيصبحون مثالا ورمزا للإبداع والمبدعين من الأجيال القادمة إن شاء الله. وخلص الفنان عبد الوهاب خالد خوجة قائلا: "لا يمكن للفن المعاصر إلغاء الفنون التقليدية لأنها متجردة في تاريخ الأمم، الفن التقليدي ينبع من أصالة الأمم ويعبر عن هويتها، أما التشكيلي يستوحي مواضعه من المشاهد الطبيعية أو الأحداث التاريخية وحتى من التطور الصناعي وخاصة التكنولوجي في هذا العصر، فكل فنان يمجد ما يلهمه في ظل هذا التطور وهذا العالم الذي يعيش فيه ويطمح ويأمل في النجاح والشهرة بقدر ما أنا آمل في الحصول على سكن".