في تقريرها الصّادر قبل أسبوع، قدّرت منظمة الأغذية والزراعة "فاو" عدد الأشخاص الذين يعانون نقصا في التغذية عبر أرجاء العالم بنحو 800 مليون شخص، ما يعني أن واحدا من ضمن تسعة أفراد يعانون من الجوع المزمن. وسجّلت المنظمة أنّ قارة آسيا تضمّ العدد الأكبر من الجياع، تليها إفريقيا التي تعاني من هذا القاتل الصّامت، الذي يتسبّب في وفاة أكثر من 3 ملايين طفل كلّ عام. ومن جملة الأسباب التي أدّت إلى تفاقم "وباء" الجوع بهذا الشكل المخيف،الأزمات الاقتصادية والمالية وما يترتّب عنها من تلاشي فرص العمل وخسارة الوظائف، والنزاعات والحروب والكوارث الطبيعية والتغيّر المناخي، وما يصاحبه من جفاف وفيضانات وأعاصير والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى نقص المحاصيل الزراعية وارتفاع أسعار المواد الغذائية. وعلى الرغم من أنّ الرّقم الذي كشفت عنه "فاو" الأربعاء الماضي، أشار إلى انخفاض عدد جياع العالم هذه السنة ب 167 مليون شخص مقارنة بالعام الفائت، إلاّ أنه يبقى مثيرا للخوف والقلق، بل ومهدّدا للأمن والسّلم الدوليين، فالجائع قد يتحوّل إلى قنبلة موقوتة تنفجر في أيّ وقت لتلهب نزاعات وحروبا لا نهاية لها. ومعلوم أنّ العديد من الاضطرابات التي تشهدها إفريقيا على سبيل المثال، أساسها الصّراع على لقمة العيش ومصدر المياه لا أكثر ولا أقل. إنّ الذين يحذّرون من المجاعة وما يمكن أن تخلقه من مآسي إنسانية، وما تحمله من تهديد على الأمن والسلم غير مخطئين بالتأكيد، فالجائع مستعدّ لارتكاب أيّ حماقة في سبيل سدّ رمقه وإنقاذ حياته، وهو قد يصبح عجينة ليّنة في يد التنظيمات الدموية لتصنع منه إرهابيا ينفّذ أفظع الجرائم. لهذا على المترفين المرفّهين الذين ينفقون على قططهم وكلابهم الأموال الطائلة، ويهدرون سنويا نحو مليار ونصف مليار طن من الاغذية التي تنتهي في المزابل، وهي التي تكفي لإطعام ملياري جائع، ويصرفون الملايير على الأسلحة والاطاحة بالأنظمة وزرع الفتن، أن ينزلوا من بروجهم العالية ويبادروا إلى تحمّل مسؤولياتهم تجاه من يعيشون على الطوى، ويسارعوا إلى مواجهة كارثة الجوع، ليس فقط بتوصيل الغذاء إلى مستحقيه، بل بمساعدة الدول الفقيرة على إنتاج طعامها بمنحها أدوات الإنماء والتوقف عن نهب ما قد تكتنزه أراضيها من ثروات. يجب على نصف العالم الغني الذي بنى ترفه ورفاهيته من لحم كتف الشعوب الفقيرة والضعيفة، أن يلتفت بجدّ إلى الحرب الصّامتة التي يخوضها ملايين التّعساء في النّصف الجنوبي من الأرض ضدّ عدوّ كاسر اسمه الجوع.