في ظل الانتشار الرهيب لهذا المرض، يظهر أن تسطير إستراتيجية وطنية مبنية على التحسيس للوقاية منه بات ضرورة حتمية. هي استراتيجية ينبغي أن يشترك في تنفيذها جميع الأطراف والهيئات وكذا المواطنون المعنيون بالدرجة الأولى. يحدث هذا في ظل تحذير منظمة الصحة العالمية من “ارتفاع شديد” في معدلات الإصابة بمرض السرطان، مشيرة إلى ضرورة الحد من تناول الكحول والسكر. وجاء هذا في آخر تقرير لمنظمة الصحة حول مرض السرطان في العالم. وتوقعت المنظمة ارتفاع عدد حالات الإصابة بمرض السرطان إلى 24 مليون شخص سنويا بحلول عام 2035، مضيفة أنه يمكن تجنب نصف هذه الحالات بالوقاية من الداء. وأضافت المنظمة أن هناك “حاجة حقيقية” في الوقت الراهن للتركيز على الوقاية من السرطان بالاقلاع عن التدخين، والتوقف عن تناول الكحول، وعلاج البدانة. وأشار الصندوق العالمي لبحوث السرطان إلى أن هناك عدم وعي “مثير للقلق” بالدور الذي يلعبه النظام الغذائي في الإصابة بمرض السرطان. ويصاب 14 مليون شخص سنويا بالسرطان، ولكن من المتوقع ارتفاع هذا العدد إلى 19 مليونا بحلول عام 2025، و22 مليونا بحلول عام 2030، و24 مليونا بحلول 2035. وتسعى “الشعب” من خلال هذا الاستطلاع إلى الوقوف على واقع التكفل بمرضى السرطان في الجزائر، وكذا نظرة المجتمع والأسر للمرضى، ودور الجمعيات في التخفيف من المعاناة النفسية لهم، كما تستغل الفرصة لمعرفة أسباب إصابة الأشخاص بالسرطان والأعراض المؤدية له وغيرها من الزوايا. إحصائيات مرعبة كشف نور الدين بيطاطا منسق النشاطات الصحية في المركز الوطني لمكافحة السرطان بمستشفى مصطفى باشا ل “الشعب”، أن المركز لوحده سجل في الشهور التسعة الأخيرة 1000 حالة سرطان ثدي جديدة لدى النساء، وهو ما يؤكد ارتفاع حالات الإصابة بهذا المرض. وقال بيطاط، إن هذه الحالات متكفل بها من خلال إجراء الجراحة اللازمة ثم ارسال المصابين للعلاج الكيميائي أو للعلاج بالأشعة، موضحا بأن الحديث عن أسباب واضحة للمرض غير ممكن لأن الأبحاث لم تتوصل إلى تشخيص المرض تشخيصا لمعرفة الأسباب الدقيقة، ويمكن القول في هذا الجانب بأن المرض منتشر للفئة العمرية بين 40 و 50 سنة مع ظهور حالات مرضية كثيرة في الآونة الأخيرة لدى الشباب، بينما الحديث عن تسبب الضغط والقلق فهذا جزء من الأسباب وليس كلها. وقال بيطاطا أن الفحص المبكر للمرأة المصابة بسرطان الثدي أمر ايجابي لأنه قد يجعل المريض يشفى منه نهائيا. تقليص مواعيد الجراحة إلى 15 يومًا يعرف المركز الوطني لمكافحة السرطان ضغوطات بسبب التوافد الكبير للمرضى القادمين من 48 ولاية والذين يتنافسون للحصول على سرير من أصل 64 المتوفرة. ذكر منسق النشاطات الصحية أن المركز لا يمكن أن يستقبل كل المرضى في ظل عدم وجود أسرة كثيرة قائلا: “أمراض الأورام الصلبة على سبيل المثال لا تتوفر إلا على 11 سريرا ل 48 ولاية ولكم أن تتخيلوا هذا الواقع”. وأشار نفس المسؤول إلى المجهودات الكبيرة المبذولة على مستوى المركز لتكفل أحسن بالمرضى، حيث تم تقسيم العمل اليومي على 3 أفواج “ من السابعة صباحا إلى الواحدة زوالا ثم إلى السابعة مساءً وآخر فوج يكمل على الواحدة صباحا، وكل الفضل هنا يعود للطاقم الطبي وشبه الطبي والإداري على رأسهم البروفيسور وكريف. وقد تقلصت فترات منح المواعيد لإجراء الجراحة لمرضى السرطان من 6 أشهر إلى 15 يوما وشهرا على أقصى تقدير بينما العلاج الكيميائي فلا تتجاوز المدة شهر أو شهرين في بعض الحالات، تبقى مواعيد حالات السرطان الثدي طويلة نوعا ما بالنظر لكثرة المصابات التي تفضل الكثيرات منهن القدوم للعاصمة بدل العلاج بمراكز: سيدي غيلاس،عنابة، سطيف، باتنة، ورقلة وأميزور التي شرعت في النشاط مؤخرا فالكثير من المرضى يأتون للعاصمة اعتقادا منهم بأنها تتوفر على أحسن الأخصائيين والإمكانيات اللازمة للعلاج. ويعمل المركز بطاقته القصوى حيث تصل حالات العلاج الكيميائي في اليوم إلى 90 حصة، وهو رقم ضخم يعكس مدى التشبع والضغط الذي يعاني منه المركز. وحذر بيطاطا من الانتشار الرهيب لسرطان الحنجرة الذي يأتي في الصف الرابع في الجزائر، مؤكدا على ضرورة التعريف والتحسيس بكل أنواع السرطان وعدم التركيز فقط على سرطان الثدي. الحق في الصحة ليس غدًا اعترف فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، في تصريح ل “الشعب” بالصعوبات الكبيرة التي يجدها مرضى السرطان في الجزائر، موضحا أن هذا الأمر قد ورد كثيرا في التقارير التي أعدتها اللجنة سابقا. وقال قسنطيني “أن الصحة كانت منكوبة على حد تعبيره، واليوم وبالرغم من كل المشاريع والميزانيات والاستثمارات الضخمة المنجزة في هذا المجال لن تظهر نتائجها عن قريب لأن العمل سيكون بعيد المدى وتحسين الخدمات الصحية سيكون بعد سنوات”. وعن فحوى تقارير منظمة الصحة العالمية التي تؤكد بأن الجزائر من أكثر الدول التي يموت المصابين فيها بمرض السرطان في ظرف وجيز، أكد قسنطيني أنها حقيقة فمقارنة مرضى السرطان في الغرب بالذين يتواجدون هنا يتأكد الفرد من الفرق الكبير في توفير سبل علاج تجعل المريض يعيش مدة أطول. وأشار قسنطيني “إلى ضرورة أخذ الايجابيات من التقارير العالمية والنظر إليها على أساس أنها حقائق حتى نحسن من أدائنا”. ودعا قسنطيني القائمين على قطاع الصحة إلى ضرورة تعميم مراكز التكفل خاصة بالمناطق الداخلية وجنوب البلاد حيث توجد الكثير من الطبقات الهشة غير قادرة على دفع مصاريف النقل والإيواء. نصائح للوقاية من المرض قالت المنظمة العالمية للصحة، إن الوقاية “تلعب دورا حاسما في مكافحة الموجة الشديدة للإصابة بأمراض السرطان التي تجتاح العالم”. وأكدت المنظمة بالمقابل أن السلوك البشري هو سبب الإصابة بالعديد من حالات السرطان، مثل التعرض لحرارة الشمس لفترات طويلة. وأضاف قسنطيني “فيما يتعلق بتناول الكحول، على سبيل المثال، فنحن جميعا على بينة من التبعات الخطيرة لذلك، سواء كان ذلك في شكل حوادث السيارات أو الاعتداءات، ولكن هناك تداعيات أخرى تتمثل في الإصابة بالأمراض، ومرض السرطان على وجه التحديد”. وقالت أماندا ماكلين، المديرة العامة للصندوق العالمي لبحوث السرطان، إن “من المثير للقلق أن نرى أن مثل هذا العدد الكبير من الناس لا يعرفون أن هناك الكثير من الأشياء التي يتعين عليهم القيام بها للحد من خطر الإصابة بالسرطان “. ونصحت ماكلين بتناول الخضروات والفاكهة والحبوب الكاملة؛ وكميات أقل من الكحول واللحوم الحمراء، والتوقف عن تناول اللحوم المصنعة تماما. من جهتها جين كينغ، مديرة قسم مكافحة التبغ بمعهد أبحاث السرطان في بريطانيا، إن “الشيء الأكثر إثارة للصدمة في تنبؤ التقرير بزيادة المصابين بالسرطان من 14 مليونا إلى 22 مليونا في العالم خلال الأعوام العشرين المقبلة هو أنه يمكن منع نحو ثلث هذه الحالات”. وأضافت كينغ أن “خفض خطر الإصابة بالسرطان ممكن من خلال إتباع نمط حياة صحي، ولكن من الأهمية بمكان أن نتذكر أن هناك مسؤولية تقع على كاهل الحكومة والمجتمع لخلق بيئة تدعم أنماط الحياة الصحية”.