اغتنمت "الشروق" مناسبة الشهر العالمي لمكافحة سرطان الثدي لتسأل عددا من المختصين في مدى تفشي المرض الخبيث في الجزائر والكيفيات الأمثل للحد من زحفه، خاصة وأن الأرقام لا تعطي شعورا بالأمان، فتقرير وضع مؤخرا على طاولة الحكومة يكشف بأن ما لا يقل عن 40 ألفا من الجزائريين يصابون سنويا بالسرطان، لا يجدون في استقبالهم أكثر من ستة مراكز مختصة . ألفا إصابة إضافية بين 2009 و2010 سرطان الثدي تضاعف 5 مرات في الجزائر خلال عقدين أعلنت رئيسة جمعية "الأمل" لمساعدة مرضى السرطان بأن عدد المصابات بسرطان الثدي ارتفع في الجزائر من 7 آلاف حالة العام الفارط إلى 9 آلاف حالة لهذه السنة، وهو ما يعكس ارتفاع عدد المتقدمات إلى الكشف، معتبرة الأمر إيجابيا، لأنه يترجم وعي شريحة النساء بخطورة المرض والسعي إلى الكشف عنه مبكرّا. وقالت حميدة كباب، بمناسبة الشهر العالمي لمكافحة سرطان الثدي، الذي أعلن عنه أمس في جلسة بالغرفة السفلى للبرلمان الجزائري، بأن حالات الوفيات تبقى مرتفعة، إذ تقدر ب3500 امرأة سنويا، لأن أغلبهن لا يقصدن مراكز الفحص إلا لما يصل المرض إلى مرحلته الثالثة أو الرابعة، حيث يستعصي العلاج ويتفشى الورم في باقي أنحاء الجسد، إذ تضاعفت نسبة الإصابة بسرطان الثدي 5 مرات في الجزائر في أقل من عشرين سنة. وذكرت كتّاب، صاحبة ثاني جمعية للتكفل بالمرضى إلى جانب جمعية الفجر، بأن سرطان الثدي بات السبب الأول للوفيات عند النساء في الجزائر، في حين أنه لا يعد كذلك في الدول الأوروبية والأمريكية، نظرا لحرص النساء هناك على الكشف المبكّر. وانتقدت المتحدثة تصرف الرجال إزاء نسائهن المصابات، وكذا غلاء الأدوية الخاصة بالسرطان وغياب التغطية الصحية لهن وكذا التأمين الاجتماعي، مما يجعلهن أمام ظروف جد صعبة، داعية إلى تبني إستراتيجية وطنية للتكفل بهذه الشريحة الحساسة التي لم تخرج إلا حديثا عن صمتها، بعد أن كان الأمر محظورا ومسكوتا عنه. وجاءت الوزيرة المنتدبة المكلّفة بشؤون المرأة السيدة نوارة جعفر بعدد مخيف من الأرقام في الداخل والخارج، حيث كشفت بأنه تم تقديم تقرير للحكومة عن السرطان مؤخرا، تشير فيه الوزارة الوصية إلى أن السرطان يتضاعف بصورة سريعة، إذ بلغ عدد الإصابة بمختلف أنواع السرطان 40 ألف حالة سنويا في الجزائر، في حين وصل في العالم إلى 11 مليون حالة سنويا، وهو مرشح للارتفاع في 2020 إلى 16 مليون حالة، ويبقى الكشف المبكّر هو حبل النجاة. وقالت الوزيرة بأن انهماك المرأة الجزائرية في آداء دورها في المجتمع يحرمها من ممارسة الرياضة والوقاية من أنواع السرطان، حيث أن 2 بالمائة فقط من عناصر المجتمع يمارسون الرياضة والنساء نسبة قليلة داخل هذه النسبة. واعترفت ممثلة الحكومة بنقص مراكز العلاج التي لا تزيد عن ستة مراكز عبر الوطن، كاشفة عن بناء 59 مركزا آخر في المخطط الخماسي القادم، وقالت بأنه سيتم تزويد هذه المراكز ب70 آلة جديدة، إذ لا تتوفر حاليا إلا على 13 آلة للكشف، وذلك في إطار الإستراتيجية الوطنية لترقية المرأة. وانتقدت جعفر الوصول إلى العلاج بالمحسوبية، مفيدة بأنه يجب الوصول إلى شريحة الأميات لأن 30 بالمائة من الإصابة بالسرطان تقع على رؤوسهن، خاصة بالأرياف والمناطق الداخلية، والكشف المبكّر يساهم بنسبة 50 بالمائة في معالجة المرض. وانتقلت المسؤولة عن قطاع المرأة إلى أسباب المرض من منظور اقتصادي، قائلة بأن 75 بالمائة من السرطان يمس الدوّل السائرة في طريق النمو، حيث تتلقف ما تصدره إليها الدوّل المتقدمة من تجهيزات كشف ونتائج بحوث دراسات، لذا علينا التوجه إلى البحث العلمي والاختراع. وتساءلت البرلمانية بن نصيب عن الآليات التي تتبناها الحكومة إزاء هذا المرض الخطير، وعن التوصيات التي خلص إليها اليوم العالمي لمكافحة السرطان السنة الفارطة، التي لم يظهر لها أي أثر على أرض الواقع. مختصة تروي معاناة المرضى ومساومات الرجال للمصابات: "الثدي كاملا أو الطلاق"؟ أوضحت الطبيبة النفسانية بالمركز الوطني لمعالجة السرطان، الدكتورة عقيلة حزايمية، بأن الأزمة النفسانية التي تنتاب المصابين بمرض السرطان لحظة إبلاغهم، هي طبيعية ويجب أن يمروا على مراحلها الثلاث، قبل الوصول إلى مرحلة الاستقرار وتقبل المرض، مركزة على أن "أصعب رد فعل هو الذي تمر به الفتيات العازبات اللواتي يعزّ عليهن فعلا فقدان "ثدي" قبل دخول الحياة الزوجية". وذكرت لنا المختصة النفسانية حزايمية بأن مرضى السرطان يمرون بثلاث مراحل جدّ هامة بعد إبلاغهم، المرحلة الأولى تتمثل في الدهشة من الخبر الذي يسقط عليهم كالصاعقة، والثانية إنكار الخبر والتهرّب منه، وتتبع بفقدان الأمل والشروع في بكاء تنفطر له القلوب، "وهنا نتركهم يبكون مثلما شاؤوا، لأن ذلك يفضي بهم إلى المرحلة الأخيرة، وهي تقبل الأمر والوصول إلى مرحلة الرضا، والتكيّف مع العلاج". وأضافت صاحبة خبرة ال 17 سنة بالمركز الوطني لعلاج السرطان، أن مرض السرطان الخاص بالنساء هو ما يخلّف أسوأ الحالات النفسانية، حين يتعرفن على الإصابة، وبعد أن تعرف العائلة بذلك، تظهر "حقارة" الكثير من الرجال الذين لا يجدون مانعا في ترك الزوجة وأم الأبناء، فقط لأنها أضاعت ثديا بسبب السرطان. وسردت في هذا الصدّد حالة مرت عليها الأسبوع الفارط فقط، حيث هّدد الزوج زوجته أمام الفريق الطبي بالطلاق، لما تبيّن أنها حاملة لورم سرطاني، بحجة أنها قامت بالتحاليل دون استشارته، ليتخلص من عبء نتائج الإصابة. أما زوج آخر، حاله كحال العديدين من أزواج الحالات المعالجة هناك، تقول محدّثتنا، قال لزوجته خلال المراحل الأولى التي لم يظهر فيها خيار بتر الثدي من انتقاص جزء منه، بالحرف الواحد وأمام بقية المريضات : "إن اقتطعوا جزءا فقط من ثديك لك أن تعودي إلى المنزل، أما إن بتروه بأكمله فعودي إلى بيت أهلك". وتعتبر الفتيات العازبات أكثر الفئات تأثيرا في الفريق الطبي، "يعزّ على الواحدة منهن فقد ثدي هو رمز مهم جدا للأنوثة، خاصة وأنهن لم يدخلن دنيا، ولم يمارسن أمومتهن، وتقل حظوظهن في الزواج ، إن لم نقل أنها تنعدم"، تقول محدثتنا. وتروي لنا أن المرض قد يصيب فتيات في سن الزهور بين الرابعة عشرة إلى السادسة عشرة، وتذكر أن إحداهن كانت قالت لها بعد استئصال ثديها : "هل يمكن لي الحصول على ثدي آخر حينما أكبر؟"، وهو الأمل الذي أسقطته عل حالات قلع الضرس وغيرها، رفضا منها تصديق واقع يقول بكل بشاعة بأنها لا يمكن أن تكون أنثى عادية كبقية الفتيات. واعترفت الدكتورة حزايمية بأن : "حالة البكاء والفزع التي تنتاب تلك الفتيات العازبات تنفطر لها القلوب ولا يمكن أن نتمالك أنفسنا أمامها، وإننا في أغلب الأحيان نختفي في زاوية من المركز للبكاء على حالهن، لأننا لا يمكن أن نبكي أمامهن حفاظا على مشاعرهن، فندبهن لحظ الأنوثة وقت الصدمة لا يمكن لأي شخص أن يقاومه أو يحبس الدموع عليه مواسية ومتحسرة على زهرات متن في أول الربيع". وقالت بلغة الأرقام أن نسبة العازبات المصابات بمختلف أنواع السرطان تقدّر ب35 بالمئة، يتخلى عنهن خطابهن بمجرّد ترددهن على المركز، وليس بوسعهن إخفاء الأمر عليهم، لأنه إذا تم الزواج سيتعرف الطرف الآخر على الأمر لا محالة، لذا فإن آلام المرض تبدو هينة مع الألم الذي يخلّفه المحيطون بهن في المجتمع. وعرّجت محدثتنا على بقية أنواع السرطان، وكيف تتعامل معها المصابات، خاصة بعد العلاج الكيميائي الذي ينتج عنه سقوط الشعر، وهنا "تضطر المتزوّجات لإخفاء الأمر على عائلة الزوج، بالقول إنهن تعرضن لهفوة من طرف الحلاقة التي أخلطت لهن مواد لم يتحملها الشعر وتسببت لهن بسقوطه كلية، تهرّبا من الشماتة وتتبع أخبارهن وفضح أمرهن في المجتمع". وترجع بعض المصابات من غير المحجبات أمر إصابتهن بالسرطان، إلى كونه جزاء من الله لهن لأنهن أحجمن عن ارتداء الحجاب وستر ما أمر الله به أن يستر، ويرين أن العلاج الكيميائي يجبرهن على الالتزام بأوامر الله، في حين تتمسك أخريات بكتاب الله، من خلال سماع أشرطة القرآن الكريم. وأعابت المختصة النفسانية على المجتمع الجزائري، تخليه عن الرعاية النفسية اللازمة، "فهناك عائلات تصطحب المريض وتتركه لدينا، غير مبالية بنتيجة الفحوصات، تنصلا منهم من أي مسؤولية". وقالت عن فئة الأطفال الصغار إنهم يدخلون في حالة من العزلة، والقلق، والخوف من الأسرة، ينظرون من حولهم، لا يعرفون بالضبط ما الذي يحيط بهم، ويصابون بالتبوّل اللاإرادي، ويحجمون عن اللعب، وتكتفي الأمهات بالبكاء لحالهم، أما الآباء فيكتمون مشاعرهم نهائيا. بن براهم تطالب بإعادة النظر في القانون "ليس معقولا التخلي عن الزوجة المصابة كما لو أنها سلعة" اقترحت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم مجموعة من الحلول للحد من إهمال النساء المصابات بمرض السرطان، وخاصة سرطان الثدي، مبرزة جذور الإصابة به في الجزائر منذ العهد الاستعماري، مطالبة بتكاتف الجهود للوقوف إلى جانب المصابات. عادت بن براهم بالذاكرة إلى سنوات الاستدمار الفرنسي، حين كانت فرنسا تتبنى سياسة الأرض المحروقة والتجارب النووية التي كان يقوم بها المستدمر الفرنسي بمادة "البلوتينيوم" التي تعيش نحو 24400 سنة قبل أن تضمحل "هي ماتزال بيننا وتخلّف ضحايا في زمن الاستقلال". وطالبت بن براهم فرنسا بإنشاء مستشفيات مصغّرة في الولايات المتضررة من هذه التجارب النووية، خاصة في الصحراء، وبالضبط في منطقة رڤان التي كان لها حصة الأسد من الأشخاص المشوّهين. وأدرجت من جملة التوصيات ضرورة إنشاء مراكز يبقى فيها المحكوم عليهم بالموت ممن يلفظهم المحيط الأسري ويضيق بهم ذرعا، وحمّلت هذه المسؤولية لوزير السكن والعمران نور الدين موسى. وركّزت بن براهم على الجانب القانوني للمحافظة على حقوق الزوجات المصابات بأي نوع من أنواع السرطان، وقالت أن القانون يوفر الحماية الكافية للزوج ويسهل له إجراءات تطليق الزوجة في مواده جميعها، فيكفي أن يخط سطر "حيث أن الحياة الزوجية صارت مستحيلة"، ليتمكن من تطليقها والتحرر بعيدا عنها، وتبقى هي تتخبط في معاناتها. ورأت المحامية أنه ليس من المعقول التخلي عن الزوجة، كما لو أنها سلعة، لمجرد إصابتها بالسرطان أو مرض آخر، لأنها قدمت حياتها لبيت الزوجية، وكذا لأن الزوج هو من يفترض أن يقدم لها التكفل الاجتماعي اللازم ويساعدها على العلاج، لذا يجب أن تعدّل مواد التطليق في حالات المرض. وحمّلت العضو بجمعية الأمل لمرضى السرطان جزءا من المسؤولية إلى وزيري الصحة والعمل، بضرورة إدراج مادة في عقد العمل تجبر المرأة العاملة على إجراء فحوصات طبية للكشف المبكر، من جهة لضمان علاجها على عاتق الجهة التي تعمل بها، ومن جهة أخرى حتى لا تخسر منصبها إذا ما تعيّن عليها إجراء العملية ومتابعة العلاج في المستشفيات. ونبّهت بن براهم الحضور إلى أن العمل التحسيسي يمكن القيام به دون أن تدفع السلطات الجزائرية أي دينار، وذلك من خلال اشتراط وزير الإعلام على جميع الشركات الاقتصادية وغيرها التي تنشط ببلادنا أن تخصص دقيقتين من حيز الإشهار لمنتجاتها وخدماتها للفواصل التحسيسية بمخاطر السرطان وكيفية الوقاية منها، وبهذا يضرب عصفورين بذات الحجر. مختصون في الصحة يصرحون القلق، الأكل الكثير ونقص النشاط البدني أسباب مباشرة للإصابة بالسرطان فصلت الدكتورة نجية شيبان، من مركز مكافحة السرطان، في أسباب الإصابة بهذا المرض الخبيث، حيث قالت إن أغلبية النساء يلجأن للكشف بعد ملاحظة تغير شكل الثدي والحلمة وخروج دم من الحلمة، وهي المراحل المتقدمة من الإصابة التي لا مفرّ فيها من مقص الجراحة الذي يستأصل إما جزءا من الثدي أو يأتي عليه كلّه. ورتبت المختصة، في تصريح ل"الشروق"، إصابات السرطان بالنسبة للنساء، حيث وضعت سرطان الثدي على رأس القائمة، وسرطان عنق الرحم في المرتبة الثانية، وهي الأنواع الكثيرة التي تصيب النساء بين سن الأربعين إلى سن الخامسة والأربعين. أما الرجال فإن السرطان الأول الذي يتربص بهم فهو سرطان الرئة، ثم سرطان المستقيم وبعدها سرطان البروستات والدم، ونبّهت محدثتنا إلى أن الرجال أيضا يصابون بسرطان الثدي الذي يمثل نسبة 1 بالمئة. أما عن أسباب السرطان بصفة عامة، فقد تكون وراثية وقد تكون بفعل التقدم في السن، أما بالنسبة للنساء، فإن عامل السن يزيد من احتمال إصابة المرأة بسرطان الثدي، خاصة بعد بلوغها الأربعينيات، ويتبعها سبب الخلل في الهرمونات، والتي من علاماتها البلوغ المبكر ودخول سن اليأس بصفة متأخرة. كما تعتبر حبوب منع الحمل وكذا الحبوب المساعدة على الحمل من بين الأسباب الفاعلة في إصابة المرأة بهذا النوع من السرطان، نظرا لأن هذه الأدوية تؤثر بشكل مباشر على الهرمونات. وقالت المختصة في الأمراض السرطانية بأن العامل الوراثي مسؤول على 10 بالمائة من الإصابة بالسرطان، وذكرت بأن هناك أمراضا تصيب الثدي تتحوّل إلى سرطان مع الزمن. وأضافت أن هناك أسبابا أخرى يتحكّم فيها محيط المريض، منها القلق، الأكل الكثير، السمنة وزيادة الوزن غير الطبيعية، كثرة تناول الدسم، نقص النشاط البدني، والانقطاع عن ممارسة الرياضة، أما عن المأكولات المصبّرة وما يدور حولها من شكوك حول زيادتها من الإصابة بالسرطان، تقول الطبية إنها تبقى مجرّد فرضيات، وتضاف إلى التدخين والكحول اللذان يتسببان في مختلف أنواع السرطان. وذكرت الطبيبة أن 55 شخصا يصاب بالسرطان من بين 100 ألف ساكن في الجزائر في السنة، وأن الوفاة تنخفض بعد الشروع في العلاج مباشرة بعد الجراحة.