انتهاج الحوار الدبلوماسي مع كافة الأطراف لاسترجاع الثقة وحماية المصالح المتبادلة أبرز الخبير البترولي الفنزويلي كارلوس مندوزا مدى خطورة أزمة تدني أسعار البترول على البلدان المصدّرة من حيث تداعياتها السلبية على التنمية داعيا إلى التوجه نحو الاستثمار في قطاعات خارج المحروقات مثل الصيد البحري وغيرها من النشاطات الاقتصادية التي تحرّر اقتصاديات البلدان المتضررة من انهيار سعر برميل النفط. وأكد في نقاش علمي جرى أول أمس مع الطلبة بجامعة الجزائر 3 حول الآفاق الفنزويلية في السوق البترولية، أن هذا المسار الجديد ينبغي أن يبدأ اليوم ليحقّق نتائجه في المدى البعيد مسجلا أنه ينبغي تحمل التبعات الصعبة لذلك. وبعد أن ذكّر بمعطيات الصدمة البترولية التي أدت بسعر البرميل إلى التراجع من أكثر من 100 دولار إلى أقل من 80 ليصل حاليا أقل من 45 دولار، أشار إلى أن متوسّط السعر الذي يضمن مصالح البلدان المنتجة والمصدرة من أعضاء “أوبيب” وخارجها ويحقق توازن السوق واستقرارها يدور حول 80 دولار للبرميل، غير أنه تساءل عن الآليات التي من شأنها أن تدفع إلى بلوغ هذا في وقت كما قال “تضطر” فيه بلدان أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط إلى تخفيض السعر من أجل تسويق إنتاجها. وأضاف الخبير الفنزويلي أن هناك عناصر داخل سوق النفط العالمية تطرح أسعارا متدنية من أجل كسر أسعار أوبيب مشيرا في خضم تحليله للمعطيات أن المشاكل الاقتصادية التي مسّت روسيا وإيران ليست اعتباطية إنما تندرج في مسار استهدافها من أمريكا التي تصنفها في خانة الدول المعادية. واستطرد بوتيلا شارحا الوضع بالقول، أن البلدان المتضررة من الوضع البترولي الراهن على غرار فنزويلاوالجزائر أيضا أصبحت في دوامة لعبة تديرها أطراف عديدة بحيث أن كل طرف يحرص على الدفاع عن مصالحه المباشرة والخاصة ويؤدي أحيانا توازن قوى هذه الأطراف إلى إلحاق الضرر بدول “اوبيب” مثلما يحصل حاليا. ونادى بالعمل على ملف إمكانية انجاز مشروع مزج البترول الجزائري الخفيف مع نظيره الفنزويلي الثقيل وتسويقه في بلدان أمريكا اللاتينية مثلا. وفي هذا الإطار اعتبر المحاضر أن السعودية مثلا “مجبرة” على تسويق بترولها بأقل سعر لضمان المداخيل، معتبرا أن منظمة أوبيب التي تملك 75 بالمائة من احتياطي البترول العالمي لم تعد الفاعل الوحيد في السوق وهو الواقع الذي تعارضه دول مثل فنزويلا التي تملك أكثر من 20 بالمائة من احتياطي النفط العالمي ولا تملك القدرة على وضع سياسة دولية مواتية لمصالحها. وقال في هذا الصدد بوضوح “إننا لا نملك عصا سحرية للرفع من مستوى سعر برميل النفط أو حمايته من التدني أكثر” داعيا إلى تنشيط التعاون الذي لم ينقطع بين فنزويلاوالجزائر من أجل الدفاع عن أسعار منصفة وعادلة والوصول إلى اتفاق شامل بين البلدان المعنية إلى تسقيف السعر في مستوى مقبول يضمن الحقوق العادلة للتنمية في تلك الدول. وفي هذا السياق، اعتبر أن الوصول إلى سعر مشترك أمر ممكن ومطلوب عن طريق اعتماد مسار العمل الدبلوماسي ومضاعفة الجهود لتوسيع دائرة الإتصال بالأطراف المعنية بالسوق خاصة البلدان خارج “أوبيب” من أجل إرساء معادلة متوازنة تحفظ حقوق الجميع من منتجين ومستهلكين. وحتى يمكن انجاز هذا المسعى”الصعب” أكد أهمية التوصل في البداية إلى تحديد “الخصم” لمعرفة كيفية التعامل معه، مسجلا بوضوح أن لكل دولة معنية سياستها الداخلية، مضيفا أن أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول لديهم انشغال واحد ومشترك يتمثل في التوصل إلى اتفاق لحماية سعر البرميل بغض النظر عن خصوصيات كل بلد السياسية والعقائدية. وفي هذا الإطار، أكد خلال النقاش وجود قدرات للعمل المشترك عن طريق شرح وإدانة الجهات التي تضرب استقرار السوق البترولية (حيث تقوم دول معينة باستهداف بلدان منتجة مصدرة) ليس عن طريق المواجهة المباشرة وإنما عن طريق الحوار الدائر والمساعي الدبلوماسية لإماطة اللثام عم تقوم به كافة الدول القوية ومن ثمة الحد من نفوذها. ويرى الخبير الفنزويلي مندوزا بوتيلا أن هذا الخيار في التصرف مع الوضع القائم باعتماد منهج الحوار والاتصال بالأطراف المعنية بمعادلة سعر البرميل وتوازن السوق واستقرارها يمكن أن يحقّق النتائج المطلوبة كون قوة البلدان المتضررة تكمن في الحوار والتعاون انطلاقا من قيمة شعوبها التي تحرص على السلم والتنمية مع عزيمة لا تلين في مجابهة الأمر الواقع(تدني الأسعار) وعدم الخضوع لإفرازاته المدمرة. الوكالة الدولية للطاقة لعبت دروا قويا في تحطيم منظمة أوبيب واستبعد البروفيسور المحاضر بوتيلا في سياق تحليله لإشكالية الندوة العلمية (التي أخذت أحيانا طابعا حماسيا صنعه رد فعل الطلبة) القدرة على تقديم إجابات واضحة ودقيقة في الوقت الراهن، لكن من خلال النقاش كما هو من منبر الجامعة والتنسيق مع غيرهم من المهتمين يمكن بناء تصور عقلاني لإرساء مسار يدفع إلى بلوغ الهدف (حماية معدل سعر عادل ومنصف) مثلما لخصه سعادة سفير فنزويلابالجزائر خوزي دو جيسوس سوجو رييس الذي أشار إلى أن واقع السوق اليوم تعرف ارتفاعا كبيرا في العرض البترولي مقابل تراجع في مستويات الاستثمار، وأضاف قائلا أنه من العبث اليوم إنتاج 5 ملايير برميل في اليوم وتلويث البيئة. وأكد السفير ما صرّح به الخبير من أن الوكالة الدولية للطاقة لعبت دروا قويا في تحطيم منظمة أوبيب، مذكرا في عودة إلى السجل التاريخي لمواقف الدول إعلان أحد الرؤساء للولايات المتحدةالأمريكية عزمه على العمل من أجل “تركيع” هذه المنظمة الاقتصادية على حدّ قوله وهو ما قد نجحوا في انجازه كما أفاد السفير، الذي دعا إلى إعادة صياغة الإستراتيجية معتبرا أن الحل (الذي يقتضيه ملف سعر البرميل) لم يعد في يد منظمة أوبيب، إنما انتقل إلى أعضاء من خارجها وليس من سبيل سوى العمل للضغط على شعوب تلك الدول حتى يمكن ثنيها عن مواصلة إغراق السوق إلى حد التخمة. ولعلّ أفضل مخرج من دوامة الأزمة الحالية حسب المتدخل إقناع الأطراف المتدخلة في السوق البترولية باعتماد آليات جديدة للتعامل مع مشكل سعر برميل النفط والحد من تمادي شركات بلدان قوية وفاعلة في تهديد مصالح بلدان ترتبط تنميتها في المدى القصير على الأقل (في انتظار بناء اقتصاد بديل للبترول) المبادرة بإطلاق حوار مستمر ونشيط وهو ما تقوم به فنزويلاوالجزائر من أجل تقليص الفجوة الراهنة وبناء جسور تفاعلية يمكن أن تقود إلى الحل المنصف. وتجدر الإشارة، إلى أن مثل هذه المنتديات العلمية (مثلما بادرت به جامعة الجزائر 3) التي تطرح قضايا بحجم السوق البترولية والبحث عن الآفاق المستقبلية تؤكد مدى أهمية انفتاح الجامعة على عالم الاقتصاد والتنمية بإشراك الطلبة وتوعيتهم بمدى الرهانات والتحديات حتى يمكنهم إدراك المستقبل الذي يتطلّب مضاعفة الجهد وإتقان توظيف عنصر الزمن لتقليص المسافات وكسب معركة التنافسية التي ترتكز معادلتها - علاوة على الموارد المالية والمادية - على العنصر البشري بالدرجة الأولى ليس كقوة إنتاج فقط، وإنما أيضا - وهو أمر جوهري - كقوة ابتكار وإدراك للواقع المتغير.